شيرين العدوي: تقسيم النص إلى ذكوري وأنثوي يقلّل من شأن المبدعات

  • 2/6/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تطالب الشاعرة المصرية شيرين العدوي نظراءها الشعراء بالكتابة دوماً عن الأمل والغد المشرق، والبحث عن تعبيرات جديدة لجذب القراء. العدوي حصلت على جائزة حسن القرشي للإبداع العام الماضي في الدورة التي حملت اسم الشاعر الراحل فاروق شوشة، وهي ترى أن الشعر فيض من بحر النور الصافي الذي يأخذ المرء بعيداً عن إحباطات الحياة وانكساراتها. التقتها «الجريدة» في هذا الحوار الذي تحدثت فيه عن علاقتها بالراحل فاروق شوشة وتشجيعه لها، وتطرقت إلى أحدث أعمالها ديوان «سماء أخرى». حصدتِ جوائز شعرية مهمة عدة آخرها جائزة حسن القرشي عن ديوانك «سماء أخرى». من دفعك إلى الترشح للجائزة؟ اسم الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة الذي أطلق على الجائزة العام الماضي دفعني إلى التقدم إليها. تربط أسرتي بالشاعر صداقات قديمة، وهو أول من شجعني على كتابة الشعر، وكنت دُعيت لحضور احتفالية الجائزة، وألقيت بعض أشعاري فانبهر بها الجميع، وكانت الأستاذة ليلى القرشي صاحبة الجائزة فخورة بوجود شاعرة بهذا المستوى. تقدّمت إلى الجائزة من دون أن أضع الفوز في اعتباري. ثم سعدت كثيراً بحصولي عليها. لكن سعادتي الحقيقية كون هذه الدورة باسم الشاعر الكبير فاروق شوشة، لأنه كان يعتبرني ابنته وامتداداً لتجربته، وكان سبب موافقة والدي على التحاقي بكلية دار العلوم، وتمنى أن أكون مثله، فقد كان من أشد المعجبين به. ما الذي أضافته الجائزة إلى مسيرتكِ الشعرية؟ حصولي عليها أضاف لي وردة على طريق الإبداع. حينما يعترف النقاد والشعراء الكبار بأحقيتك في هذه الجائزة، وأقصد المحكمين، فهذا اعتراف ضمني بتفرد تجربتك، خصوصاً الجوائز غير المسيسة والنزيهة. مثلاً، جائزة أحمد شوقي التي حصلت عليها في مقتبل تجربتي الإبداعية كان يحكم فيها عدد من النقاد والشعراء الكبار منهم عبد القادر القط، ومحمد الفيتوري، والراحل فاروق شوشة، ومحمد التهامي. تشكيل اللغة ما العوامل التي أثرت في تشكيل اللغة الشعرية لديك وساعدتك على كتابة قصيدة مختلفة في الرموز والدلالات؟ لا أعرف من أي الروافد استقيت لغتي الشاعرية، ولا أنكر أن للأمهات دوراً مهماً في تشكيل اللبنة الأولى لأبنائهن، فلو مثلاً تحدثت إلى الشاعر الكبير حسن طلب ستعرف أن ولعه بالموسيقى في القصيدة ناتج من والدته التي كانت تحفظ أشعاراً كثيرة كانت تقرأها له وهو صغير فينام. كذلك شاعرنا الكبير عفيفي مطر كانت له تجربة مماثلة. أما والدتي فإنها تتحدث دائماً اللغة العامية الراقية في البيت، وكانت عندما نقرأ الشعر سوياً تكاد تجعلني أدخل إلى عصب الكلمات كأني أدخل إلى حديقة الشاعر أتنفس أزهاره فأحزن معه وأفرح لفرحه. ومكتبتها عامرة، فهي تحب القراءة جداً ونهمة لها بشكل كبير، ما جعلني أنتبه لأهمية المعرفة. هي أيضاً مفتونة بالعلم والفضاء والعلوم وتجارب العلماء. من ثم، تأثرت بذلك جداً في قراءاتي. عندما التحقت بكلية دار العلوم صُقلت موهبتي، واقتربت من فلسفة علوم اللغة، ما فتّح لي آفاقاً جديدة للغة ورؤى مختلفة. ولا أنسى الأساطير التي شغفت بها كثيراً في دراستي الأكاديمية. ذلك كله كان زاداً، شكل لدي الرؤية في الكتابة والقصيدة، فأنا لا أكاد أفصل اللغة عن الصورة والرؤية سواء كانت كلية أو جزئية في القصيدة. كذلك الخيال الشعبي كان له تأثير آخر في صناعة المفارقة في القصيدة. بعد ترجمة كثير من قصائدك ومنها «بنات الكرخ» إلى لغات عدة، إلى أي مدى في اعتقادك يستفيد المبدع من ترجمة نتاجه الفكري؟ الترجمة، وإن كانت خائنة للنص وللشاعر، فهي تقرب المسافات بيننا نحن الشعراء في حديقة الإنسان. أنا مثلاً قرأت طاغور مترجماً، وربما من ترجمه لم يصل إلى نفس درجة إتقان الكاتب الأصلي، لكن على الأقل وصلتني روح النص. وهكذا تفعل الترجمات، فهي تعرفنا إلى الآخر إن استعصت علينا اللغة. وأعتقد أن ترجمة قصيدة «بنات الكرخ» كان أمراً صعباً جداً، لأنها محملة بروح لا يستطيع أي مترجم أن يصل إليها لأنه لم يمر بتجربتي الشعورية التي أفرزت هذا النص، كما أنها تزخر بحمولات نفسية وتراثية وثقافية كثيرة يجب أن تكون لدى المترجم خلفية عنها ليكون أميناً في النقل. أتذكر موقفاً طريفاً يحضرني ونحن نتحدث عن الترجمة: كنا في أمسية شعرية، وكان من ضمن الحضور المستشارة الثقافية الإسبانية، وقد دعوني إلى المنصة طالبين مني إلقاء قصيدة «قمع الحرير»، وهي بلغة أخرى لقبائل الشُلُك في جنوب السودان أّذيل بها النص ولها دلالة عظيمة، وكلماتها صوفية وتعني «جئنا إليك يا الله في أرضك ونحن نعلم أنك في أرضك تنصرنا وتحمينا». قرأت النص كاملاً مع هذا التذييل الذي هو لغة ليست عربية، وكنت أشاهد المستشارة الإسبانية تتأثر جداً وتتمايل معي تارة، وتطرق طوراً. في نهاية اللقاء جاءت إليّ وكان جسمها مقشعراً جداً رغم أنها لا تعرف اللغة العربية ولا تتحدث بها. فهل يستطيع المترجم أن ينقل هذه الروح إلى القارئ؟ لا أعتقد، ومع ذلك أنا مع الترجمة ليتعرف إليك العالم وإلا ستظل تموت وتحيا وحيداً على شاطئك الخاص. جنس النص هل تنفصلين عن أنوثتك عند كتابة القصيدة؟ في الحقيقة، لا أعرف. حالة الكتابة عندي خاصة جداً، وإذا جاز التقسيم الشعري، لحظتها أتّحد بوجد شوق يورق الإحساس فيه مع النور، النور المتغلغل في نفس الكائنات والجماد. قال بعض النقاد إن قصائدي ذكورية، وثمة من قال إن الأنثى ربما تظهر في قصائدي التي أعتقد أنها حالة لا يمكن تصنيفها. من جهتي، أرى أن مقولة النص الذكوري والأنثوي يحاول من ادعاها أن يقلل من شأن المرأة الشاعرة ليحاصرها في هذا الخندق الضيق. في الواقع، تفرض القصيدة الجيدة نفسها، سواء كانت من رجل أو أنثى. مثلاً، «الكوليرا» للشاعرة العراقية نازك الملائكة، لو أخفينا اسمها وطلبنا من الطلاب تخمين هل الكاتب، شاعر أم شاعرة؟ أعتقد أنهم لن يكتشفوا بسهولة أنها شاعرة. كيف ترين وضع الساحة الثقافية في العالم العربي راهناً؟ تئن الساحة الثقافية وتعاني بشدة. نحن أمة تعرّضت لهجمة غربية في منتهى الشراسة والعنف، ومحاولات تفسخ لمفاصل اللغة، والقيم، والدين، ومن قبلها الدولة، فضلاً عن أن خلخلة الوضع السياسي أدت إلى خلخلة الثقافة والدين، ومنظومة الإنسان العربي تنهار. عليه، يجب أن نكون واعين لدور اللغة والثقافة في إعادة الإنسان العربي إلى ما يملك من طاقات إبداعية وفكرية وعلمية للتغيير. الخلود الشعري أصدرت الشاعرة د. شيرين العدوي خمسة دواوين هي: «دهاليز الجراح، وفوهة باتجاهي، وبنات الكرخ، وفراشات النور، وسماء أخرى»، وتؤكد أن الإنتاج الإبداعي ليس بالكم، لافتة إلى أن قصيدة واحدة وربما بيتاً واحداً قد يخلد شاعراً، لأنه يمس عصب الإنسانية». وتحلم الشاعرة المصرية بأن يقرأ إبداعها إنسان محبط ومحطم فيتفتح للجمال، ويملأ جيوب روحه بحلاوة الكلمة التي تبقى لبنة البناء، معربةً عن أمنيتها بأن «تبقى قصيدتي حية بعد موتي».

مشاركة :