الديناصور المصري يكشف أسرار تنقل الكائنات الحية بين أفريقيا وأوروبا بقلم: أحمد جمال

  • 2/6/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

أهمية الديناصور السادس المكتشف في مصر، من كونه يوثق لحقبة تاريخية لم يتوصل إليها العلماء من قبل، وهي الفترة التي تمتد لأكثر من 80 مليون عام، وتقع ما بين تاريخ انقراض الديناصور قبل 66 مليون عام تقريبا، وبين فترة الـ30 مليون عام الأخيرة قبل انقراضه، كما أن الاكتشاف يفتح الباب للتعرف على تاريخ العصر الطباشيري الذي امتد في الفترة ما قبل 135 إلى 65 مليون عام. وتنتمي الديناصورات المكتشفة من قبل إلى عصر ما قبل السينوماني، وهي مرحلة في العصر الطباشيري المتأخر، تعود إلى أكثر من 95 مليون عام مضت. ما أحدثه الاكتشاف الجديد من ضجة عالمية دفع “العرب”، للتحوّل إلى معمل مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية والتجوّل داخله، حيث خرج منه الاكتشاف الجديد، وداخل كلية العلوم والتي تعد أول كليات العلوم بمنطقة دلتا مصر، وقد تأسست في العام 1969، لا حديث سوى عن الاكتشاف الجديد، وتحول الطابق الثاني الذي يتواجد فيه الاكتشاف إلى مزار علمي وسياحي للتعرف على ما تم التوصل إليه.مصر ستكون على موعد لاكتشاف حفري جديد خلال الأشهر القليلة القادمة في محافظة الفيوم بجنوب القاهرة وتحديدا في محمية وادي الحيتان السياحية وسط المعمل يقف الدكتور هشام سلام، قائد الفريق البحثي والأستاذ المساعد بقسم الجيولوجيا بالجامعة، أمام هيكل الديناصور المكتشف بالصحراء الغربية غير مصدق لأهمية ما توصل إليه، في الوقت الذي يفكر فيه عن مستقبل الاكتشافات الحفرية داخل مصر والقارة والأفريقية. ويتكون الفريق البحثي الذي توصل إلى الاكتشاف من عناصر نسائية، هن إيمان الداودى، أول باحثة مصرية وعربية في مجال الديناصورات، والحاصلة على درجة الماجستير من جامعة المنصورة، وسناء السيد، حاصلة على درجة الماجستير من جامعة المنصورة أيضا، وسارة صابر، مدرسة مساعدة بجامعة أسيوط (جنوب). قال هشام سلام، في لقائه مع “العرب” إن الاكتشاف الجديد كان يجري العمل عليه منذ ثماني سنوات، “في تلك الفترة حصلت على درجة الدكتوراه في الحفريات الفقارية من جامعة أكسفورد بإنكلترا، وهذا التخصص في أحد أقسام الجيولوجيا غير موجود في مصر أو في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بأكملها، وبالتالي فإن تلك الدراسة كانت البداية نحو تدشين المركز الذي توصل إلى الاكتشاف الجديد”. كانت هناك ستة أهداف رئيسية سعى إليها الباحث المصري عندما أسس مركزه، على رأسها إعداد كوادر علمية تستطيع أن تنقب عن الحفريات داخل الصحارى المصرية الشاسعة، وتكون هناك رحلات استكشافية بصفة دورية لفتح أفق جديد للبحث، وأن يكون هناك تعاون بين الخبرات المصرية والأجنبية في ذلك المجال، بالإضافة إلى تخصيص مادة علمية بكلية العلوم لدراسة هذا العلم، وتأسيس معلم أبحاث صغير للتعرف والبحث في تاريخ ما تم التوصل إليه. وأشار سلام إلى أن أهداف المركز تحققت بالفعل بعد ثماني سنوات، ويبقى هدف واحد مرتبط بإنشاء أول متحف للطبيعة الحضارية بمنطقة الشرق الأوسط، والتي يعد الاكتشاف الجديد النواة الأولى لتدشينه، فضلا عن بعض الحفريات الفقارية الأخرى التي تحتوى عليها المعامل الخاصة بأقسام الجيولوجيا في أقسام العلوم بالجامعات المصرية. وأوضح سلام أن التوصل إلى البحث الجديد كان يتم وفقا لأجندة بحثية تضمنت الأماكن التي تتواجد بها صخور حجرية تصل أعمارها إلى 70 أو 80 مليون عام، وهي الفترات التي لم يتوصل فيها العالم إلى معرفة طبيعة الحياة في القارة الأفريقية، وأن غالبية تلك الصخور موجودة في الصحارى الشاسعة بصعيد مصر.اكتشاف يوثق لحقبة تاريخية جديدة وتابع، “بالتالي فإن المحاضرات التي قمت بإلقائها بجامعة جنوب الوادي (في قنا جنوب مصر) في العام 2013 قبل أيام من التوصل للاكتشاف أكدت على هذا الأمر”. ولفت إلى أن مصر ستكون على موعد لاكتشاف حفري جديد خلال الأشهر القليلة القادمة، في محافظة الفيوم (جنوب القاهرة)، وتحديدا في محمية وادي الحيتان السياحية الشهيرة، وأنه يذهب أسبوعيا إلى تلك المنطقة منذ العام 2008 للتنقيب عن الحفريات. الصحراء الخضراء ارتكن الباحث المصري إلى الأبحاث التاريخية في ما قبل نحو 100 مليون عام من الآن، والتي أشارت إلى أن المنطقة المعروفة باسم الصحراء الغربية كانت إحدى أكثر المناطق الوافرة خضرة حول العالم. وانتشرت المستنقعات المكونة من المياه العذبة على طول صحراء مصر وعرضها، وكانت الأشجار وارفة الخضرة، لتهب الحياة لمجموعات واسعة من الكائنات الحية من ضمنها الديناصورات. وأكدت تلك الدراسات أن الديناصورات كانت ترعى في الوديان التي تتخلل المستنقعات، منها العاشب الذي يتغذّى على النباتات، ومنها آكل اللحوم الذي يفترس الكائنات، وقد امتد وجودها كلها إلى نحو 165 مليون عام، ثم انقرضت إلى غير رجعة بسبب ظروف مجهولة، وظل حلم الكشف عن سبب الانقراض مسيطرا على خيال العلماء. وبحسب سلام، كان العام 2008 شاهدا على أول زيارة قام بها إلى الصحراء الغربية، وتكررت زياراته لتلك المنطقة خمس مرات خلال الخمس سنوات التالية لها، وهي الفترة التي حصل فيها على الماجستير في العام 2008، والدكتوراه في العام 2010، بالإضافة إلى سفرة إلى الولايات المتحدة الأميركية امتدت لثلاث سنوات قبل أن يعود إلى مصر بشكل نهائي. وأضاف، “الرحلات التي سبقت الاكتشاف وضعت خططا مستقبلية للبحث في الأماكن التي يتوقع أن يكون فيها الاكتشاف، إلى أن توصلنا إلى طريق جديد يصل مدينة الداخلة التابعة لجنوب الوادي إلى مكان الاكتشاف، في ديسمبر من العام 2013، وهو الوقت الذي توصلت فيه الباحثة سارة صابر، المدرسة المساعدة بجامعة أسيوط إلى آثار عظام منتشرة بكثافة وسط الصخور الحجرية، قبل أن نعود مرة أخرى لاستخراجها في شهر مارس من العام 2014”. وكانت الإمكانيات العائق الأكبر أمام الفريق البحثي الذي ظل قابعا بالصحراء لمدة 21 يوما، دون أن يكون هناك اهتمام حكومي مصري بالحدث، واكتفى القائمون على إدارة تلك المنطقة بما قدمته جامعة المنصورة من دعم مادي للباحثين، وهو ما اضطرهم إلى استكمال باقي تكاليف البحث على نفقاتهم الخاصة. وصاحبت عملية الحفر العديد من المشكلات، تعلقت بعدم توافر الأساليب الحديثة المستخدمة في استخراج الحفريات للحفاظ عليها، واعتمد الفريق البحثي على نظريات هندسية تساعدهم على عملية الحفر دون أن يؤدي ذلك إلى وقوع أضرار في الهياكل التي عثر عليها.صاحبت عملية الحفر العديد من المشكلات، تعلقت بعدم توافر الأساليب الحديثة المستخدمة في استخراج الحفريات للحفاظ عليها، واعتمد الفريق البحثي على نظريات هندسية تساعدهم على عملية الحفر وقال الباحث المصري إن المشكلة الرئيسية لم تكن في عدم توفر إمكانيات الحفر الحديثة بقدر ما، تتعلق بعدم وجود الخبرات المحترفة التي تعمل على هذا النوع من الأبحاث، وهو ما دفعنا إلى دراسة قرارات الحفر أكثر من مرة وإعادة تقييمها مرات عدة حتى لا تكون هناك خسائر تؤثر على جودة الهيكل المكتشف. وأضاف “توقعنا شكل الديناصور أثناء عملية الحفر، وكنا ندون كل ما وصلنا إليه أولا بأول، ليساعدنا ذلك على تقديم الورقة البحثية بشكل سليم، غير أن تواجد العظام بشكل متسلسل بعضها فوق بعض ساهم في سوء حالتها، ما صعّب علينا أيضا عملية (تعقيمه) والتي تمت بواسطة قميص من الخيش والجبس والصمغ حيث تساهم مادة الكحول المتطايرة والموجودة داخله في تقوية مسام العظام والحفاظ عليها”. ولفت سلام إلى أن الديناصور المكتشف يعد الأكثر اكتمالا في القارة الأفريقية. استطاع فريق البحث أن يجمع حوالي 65 بالمئة من إجمالي الهيكل العظمي، وتوصل إلى جمع أجزاء من: جمجمته، الفك السفلي، العنق، الفقرات الخلفية، الضلوع، الكتف، القائمة الأمامية والقائمة الخلفية. ينتمي الديناصور الجديد آكل العشب إلى مجموعة تسمى تيتانوسورز ضمت أكبر حيوانات برية عاشت على الأرض في العصر الطباشيري، ويبلغ طوله عشرة أمتار، ويزن 5.5 طن، وعمره حوالي 75 مليون سنة. ووفقا لما قاله الباحث هشام، جرى توثيق كل ما يتعلق به من معلومات، بناء على دراسات معمقة للخرائط الجيولوجية والحفريات الدقيقة المكتشَفة. وأشار إلى أن الاكتشاف الجديد يفتح الباب أمام إمكانية توقع تقزم الديناصورات قبل انقراضها، لأن وزن الديناصور منخفض نسبيا، مقارنة بالديناصورات النباتية العملاقة من نفس نوعه، التي عاشت في العصر الطباشيري، وكان وزنها يصل إلى 70 طنا. وأوضح أن هذه الفترة الزمنية تم توثيقها عبر اكتشاف حفريات لديناصورات في أوروبا وأميركا الجنوبية والشمالية وآسيا وجزيرة مدغشقر، وبالتالي فهو يعد أيضا أول دليل في تاريخ العلم يثبت وجود اتصال قارتي أفريقيا وأوروبا جيولوجيا في تلك الحقبة الزمنية. وأكد سلام أن الاكتشاف الجديد يشير إلى العلاقة الوثيقة بين ديناصور منصوراصورس، وأقربائه في أوروبا إلى أن الفقاريات الأرضية تشتتت وانتشرت بين أوراسيا وشمال أفريقيا بعد انفصال أفريقيا عن أميركا الجنوبية قبل 100 مليون عام. اكتشافات حفرية جديدةالتعرف على تاريخ الكائنات الحية توقع الباحث المصري أن تشهد الفترة المقبلة زخما علميا للوصول إلى اكتشافات حفرية جديدة بالقارة الأفريقية، وأن الفترة التي سبقت اكتشاف الديناصور المصري بأشهر قليلة كانت شاهدة على تدشين رحلات علمية من قبل عدد من باحثي الحفريات على مستوى العالم إلى دولة كينيا، وكان من بين أفراد هذا الفريق الذي توصل إلى أماكن حجرية قديمة من المتوقع أن تكون شاهدة على حياة الديناصورات في نفس الحقبة الزمنية التي عاش فيها الديناصور المصري. وأشار إلى أن العام الجاري سيكون شاهدا على انطلاق أكثر من رحلة علمية إلى دولة تنزانيا، وأن الفترة الحالية تشهد إجراء الأبحاث العلمية والجيولوجية في المناطق الصحراوية بهذا البلد قبل الذهاب إليه. وتوقع سلام أن تشهد مصر العديد من الاكتشافات الحفرية خلال السنوات المقبلة، لأن الأبحاث الجيولوجية تشير إلى كونها كانت إحدى الغابات العظمى قبل 30 مليون سنة، كما أنها تتميز بتواجد أنواع عديدة من الديناصورات، وهي شاهدة على تطور حياة الحيتان منذ أن كانت تسير على الأرض إلى تحولها إلى كائنات بحرية. ويعد الديناصور سبينوصور المصري أو “السحلية الشائكة”، أول ديناصور يتم اكتشافه في مصر في العام 1912، وهو ديناصور ضخم من أكلة اللحوم ذو فك قوي وأسنان حادة ضخمة يقتات على الديناصورات والأسماك الكبيرة. وعاش في الصحراء الكبرى منذ حوالي 95 - 93 مليون سنة في العصر الطباشيري. وتم اكتشاف عظامه أيضا في المغرب والجزائر والنيجر، إلا أن أعداده كانت محدودة وغير كاملة. وقالت إيمان الداودي، من أعضاء الفريق البحثي، “النظر إلى الفترة التي قضاها فريق البحث ما بين مطلع عام 2014 وهو تاريخ الاكتشاف وبين نشره بمجلة نيتشر العلمية مؤخرا، شهدت تنقية الهياكل العظيمة من الأحجار الملتصقة بها، ودراسة عوامل كل هيكل على حدة، للتعرف على الحجم الكلي للديناصور، وأهم خصائصه”. وأضافت في تصريحات لـ”العرب”، أثناء جولتنا بمعمل الحفريات الفقريات بجامعة المنصورة، اكتشفنا أن الفك السفلي للديناصور هو لنوع جديد من الديناصورات لم تكتشف في أفريقيا من قبل، حيث تبين أنه يحتوى على تسع أسنان فقط، بينما الأنواع الأخرى تحتوى على عشر أسنان، كما أن دراسة تكوينه العظمي برهنت على أن سنه لم تكن صغيرة ووصل إلى مرحلة البلوغ الذي لا يمكنه أن يتطور جسمانيا بعدها. وأوضحت أن العثور على الجانب الأيسر من الديناصور من خلال عظام القائمة الأمامية والقدم الخلفية، ساهم في تحديد شكل الديناصور والذي من الممكن أن يتم تشبيهه بالفيلة الأفريقية، لكنه يتميز برقبة طويلة وذيل طويل أيضا، وأن الفريق البحثي استعان بالخبرات الأجنبية في مسألة دراسة خصائص الهياكل العظيمة. وأكدت أن تلك الفترة التي امتدت لحوالي أربع سنوات تقريبا عقدت فيها مقارنات مع جميع الاكتشافات التي جرت في العالم بشأن الديناصورات، وأن طول الوقت يرجع إلى العثور على 19 قطعة منفصلة من عظام الديناصور، وكل قطعة تتواجد بمفردها داخل قميص مصمم من الخيش والجبس. تصوير: محمد حسنين

مشاركة :