أبوظبي ـ ليل كل ثلاثاء يمضي عشاق الإبداع النبطي ساعتين من الزمن وهم يتابعون "شاعر المليون" بحلّته الجديدة عبر قناتي الإمارات وبينونة.. وليل كل ثلاثاء يمتلئ مسرح "شاطئ الراحة" بجمهور محب للشعر النبطي جاء حباً للشعر الجميل أولاً، وللشعراء المتنافسين ثانياً كما فعلوا ليلة أمس. ففي العاشرة مساء طالعتنا الشاشة على أحداث جديدة، وأسماء جديدة في الشعر قدمها كل من حسين العامري وأسماء النقبي، وبالطبع بوجود لجنة التحكيم ممثلة بالدكتور غسان الحسن، سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر، وحمد السعيد رئيس تحرير مجلة "وضوح"، إذ يعتبر النقد ركناً أساسياً من أركان "شاعر المليون" منذ انطلاقته. • درجات الشعراء على خشبة المسرح صعد شعراء الحلقة الثالثة للإعلان عن الفائز بتصويت الجمهور، وكانت النتيجة لصالح حمد المزروعي من الإمارات الذي حصل على 90%، فيما غادر بقية الشعراء المسابقة بعد حصول آدم القحطاني من السعودية على 47%، وسبيكة الشحي من البحرين على 44%، ومحمد القرعاني من سوريا 46%، والذي لم يحضر الحلقة إثر فقد والده، فاضطر لمغادرة أبوظبي والمسرح. ومن جهتها تقدمت أسرة "شاعر المليون" بخالص عزائها للشاعر بمصابه الأليم. وبناء على النتيجة التي تم إعلانها انضم المزروعي بذلك إلى زميليه اللذين أهّلتهما اللجنة، وهما مشعل العنزي من السعودية، وأحمد المطيري من الكويت. • فرسان الحلقة الرابعة أعلن العامري والنقبي عن شعراء أمسية ليلة أمس، والتي ضمت من السعودية فواز الزناتي العنزي من السعودية الذي أهّلته اللجنة بأعلى الدرجات، إذ منحته 49 درجة مثلما أهّله جمهور المسرح بـ37% من أصواته، أما طلق الدعجاني فقد حصل على 45، وعلى ذات الدرجة حصل عايد الشلال من الكويت، وكذلك سالم المناعي البحرين، فيما حصل مانع الهميمي من اليمن على 43، وهي الدرجة التي حصل عليها كذلك زايد التميمي من العراق. وهو ما يعني أن خمسة شعراء سيعيشون أسبوعاً كاملاً من الانتظار، إلى أن يتم إعلان نتيجة تصويت الجمهور خلال أحداث الحلقة القادمة لمعرفة الشاعرين الفائزين اللذين سينضمان إلى الزناتي. وليلة أمس استضافت الحلقة الشاعرة السعودية عيدة الجهني التي شاركت في الموسم الثالث من "شاعر المليون" وتألقت بحصولها على المركز الرابع. وسألها حسين العامري عن أثر "شاعر المليون" فأكدت أنه رفع من قيمة الشعر.. ولفتت خلال الحديث عن جديدها الشعري، والذي يتمثل بإصدار ديوان يتكون من 20 قصيدة فصيحة، وهي كل ما كتبته في الفصيح. ثم ألقت قصيدتها "جهينة الأخبار" التي جاءت بمثابة بانوراما محملة بعدة أغراض شعرية. كما ألقت قصيدة مدح بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي. • تقارير الحلقة عبر حلقة ليلة أمس تم تقديم تقريرين، أولهما حول التسامح، وإيمان المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان به، وكيف انتهجه ودعا إليه، وعليه سارت دولة الإمارات التي استحدثت وزارة للتسامح، وقد طُلِب من الشعراء مجاراة فكرة التسامح في أبياتهم التي استهلوا بها حضورهم على المسرح. أما التقرير الآخر فكان عن عيش شعراء الحلقة تجربة التحليق في أجواء أبوظبي خلال الاستعراضات الجوية التي تقام عند منطقة الكورنيش. • البداية من "بيت المقدس" كانت البداية مع الشاعر زايد التميمي الذي ألقى قصيدته "بيت المقدس" استعاد من خلال مشاعره تجاه قضية باتت غصة في قلوبنا كعرب، ومرّة حكايتها في ذاكرتنا، ومما قاله في القصيدة: وقف بشرفة الحاضر حزين وخاطري مكسور ** سموم الضيق تلفح خافقي وتيبّس عروقه على باب الأمل عشنا بقصر الرجا معمومر ** وطال الصبر والشافي تعدّا الباب من فوقه يقولون الظفر للي صب في قولنا المأثور ** وطعنات الظعر في مجتمعنا تعتبر بوقه ولكن الظلام اسبق علينا من شعاع النور ** وطعّان القفا متبختر ويلوّي شدوقه نجعنا للربيع ونحسبه بيغطي المقهور ** مو همّنا لميع في المفالي شحّت حقوقه د. غسان الحسن تحدث بداية عن اجتهاد زايد في بناء قصيدته وفي صوره جميلة، على الرغم من أن التصوير جاء نمطياً عن طريق الاستعارة، وهي الباب الثاني في التصوير، أي ذكر المشبه والمشبه به. ثم أشار إلى وجود أبيات توهجت فيما قاله الشاعر، كما الحال بالنسبة للمطلع (وقفت بشرفة الحاضر حزين وخاطري مكسور/ سموم الضيق تلفح خافقي وتيبّس عروقه)، وهو تصوير وضع الشاعر في جو متوتر لما يريد قوله، لكنه أيضاً جاء بأبيات عادية من قبيل (جريمه ما تأيدها شريعه وانظمه ودستور/ مواثيق الدول مطحونة منها ومسحوقه)، حيث خفتت فيه الصورة وجاءت مباشرة. أما الجماليات المتألقة في القصيدة فاتضحت في البيت (لهينا بأم سالم وأورسالم تنوخذ بالزور/ حمانا تغتصب وثيابها يا ناس مشقوقه)، وأورسالم اسم مدينة القدس العربي الأول؛ قارنه الشاعر بأم سالم الطائر المعروف، وذلك للتعبير عن مدى لهوِنا بالأمور. سلطان العميمي قال من جهته إن موضوع النص متميز وكذلك إلقاء الشاعر وتفاعله مع ما جاء به. ورغم تقليدية الفكرة والتناول؛ إلا أن الصور الشعرية التي اتكأ عليها ذلك النص كانت من أهم مميزات ما قال الشاعر في أبياته، ومنها (ولكن الظلام اسبق علينا من شعاع النور/ وطعّان متبختر ويلوّي شدوقه)، غير أن المباشرة كانت موجودة في عدد غير قليل من الأبيات، وكذلك الصياغات اللغوية العادية مثل (طال الصبر، خاطري مكسور، ما يدوم الحال)، وبالتالي فإن الإكثار منها لا يخدم النص الذي طغت عليها السوداوية رغم أن الشاعر جاء ببيت فيه أمل عندما قال (ولكن ما يدوم الحال ما دام الصدور تفور/ بيصحى العز من نومه ويلبس بشتٍ يلوقه). الناقد حمد السعيد ذكّر بداية أن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن خالد بن مساعد آل سعود فاز بفئة المجاهيم، كما فازت هجن الرئاسة، وألقى نصاً حول الهجن والسباقات والفوز الذي حققته هجن الرئاسة. وتعليقاً على النص أشار إلى أنه يدل على نضوج فكري وشعري يعكس ما لدى الشاعر، مبدياً إعجابه بما قاله زايد، ومُعلياً فيه الحس العروبي والقومي، وذلك باعتبار القدس هي القضية المركزية للعرب. كما أشار إلى ما في النص من رمزية، وخصوصاً في البيت (لهينا بأم سالم وأورسالم تنوخذ بالزور/ حمانا تغتصب وثيابها يا ناس مشقوفه) للدلالة على أن فلسطين والقدس تذهبان منا. وعرج السعيد على ما تحدث به الشاعر عن الربيع العربي بشكل غير مباشر، والغموض في ذلك الوصف الذي جاء جميلاً. في حين بدا التفاعل في الختام الرائع المتمثل في البيت (ولكن ما يدوم الحال ما دام الصدور تفور/بيصحى العز من نومه ويلبس بشت يلوقه). • هيامٌ في "عروس الديم" وفي حضرة الجمهور المحب للشعر ألقى الشاعر سالم المناعي قصيدته (عروس الديم) الذاتية، التي تمكن من خلالها من البوح بلواعجه، فقال في مطلعها: دوزن الفجر يا عمري ودندن الليل ** وغّلف من النجوم اللي تسامرني هداياك ما يحسّ بونينك غير نهّام المواويل ** وانت لله درّك تشبه البحر بعطاياك إشعل الصبح ضم الشمس قلّدها الأكاليل ** واسدل النور تتدلى خيوطه في زواياك نحت مهحور بك روح المتاحف والتماثيل ** طحت مكسور والمكسور بك لملم شظاياك منهو اهداك خاتم ضيّق وسوارة غرابيل ** ما تمنّت عروس الديم غير اصدق نواياك سلطان العميمي قال إن القصيدة جميلة، وهي وجدانية ذاتية، لكن فيها إغراق في الرمزية التي تفتح باب التأويل، وتقف عائقاً أمام وصول النص إلى المتلقي. ولو أن الشاعر وضع بعض المفاتيح لكان أفضل. وأضاف أن الكثافة الشعرية في الأبيات الثلاثة الأولى كانت واضحة، وكذلك الدلالات السيميائية الخاصة بحاستي النظر والسمع، والتي تمثلت بمفردات عديدة من بينها (الظلام، السهر، الليل، النجوم، المسامرة، الصبح، الشمس)، في حين بان الصوت في (الدنددنة، سامرني، نهام المواويل)، وتلك الدلالات المكثفة دخلت في نسج المطلع، وكأن الشاعر يطلب من المتلقي إعمال هاتين الحاسيتين. ووُفِّق زايد كثيراً في المطلع خصوصاً، وفي النص عموماً بما فيه من تصوير شعري واضح وجميل، ورمزية كذلك. حمد السعيد خاطب الشاعر، ووصفه بأنه مبدع ومذهل ومدهش. في حين الطرق الذي استخدمه مميز، فنادراً ما يكتب عليه الشعراء، ورغم ما في النص من رمزية إلا أن هذا لم يؤثر على جماله. وقال إن مفتاح النص هو البيت (دوزن الفجر يا عمري ودندن للسهر ليل/ وغلّف من النجوم اللي تسامرني هداياك)، أما البيت (كثر ما ترمي دموعك على صدر المناديل/ كنت أنا اجمع اثمان العذر وادفع خطاياك) فجاء متميزاً، كحال النص الذي يتحدث فيه الشاعر مع ذاته عبر صياغات جميلة. كما أشار السعيد إلى اكتناز النص بالسجع والجناس، وهو ما أضاف جمالاً إلى ما قدمه سالم. أما د. غسان الحسن فقد ركّز على الوزن الذي لجأ إليه الشاعر، وهو على وزن (فاعلن فاعلات فاعلات فاعلات)، وأكد أن هذا الوزن ليس من السهل ضبط موسيقى له، لا بل هو يحتاج حساً عالياً. وأضاف أن القصيدة التي حفلت بالتخييل؛ تميزت بنقطة هامة جداً، وهي أن الفعل بان فيها أكثر من الاسم. حيث بدأت معظم الأشطر بفعلٍ، وهذا أسلوب جميل يذهب إلى الحركة التي تتناسب وموضوع الشاعر. وأوضح د. غسان أن الغموض الموجود في الأبيات مُبرَّر نظراً لأن الشاعر يتحدث عن عيد ميلاده، أي أن القصيدة كانت من الداخل إلى الداخل، وكأنها تصورات داخلية. أما التصوير فكان جزئياً وكثيفاً ومتتابعاً، فالشاعر كان ينتقل من الجزئي إلى الكلي لبناء صورة متكاملة. • حديث مع الظل الشاعر طلق الدعجاني نادى ظلّه ليلة أمس وناجاه عبر النص الذي قدمه على مسرح "شاطئ الراحة"، فصدح بأبيات استحضر فيها صوراً للدلالة على حديث النفس مع النفس، فقال: يا ظلّي ازريت واحرقت المراحل سدى ** وأيامي البيض لا قبله ولا من جدي اعتبني الركض واغواني سراب المدى ** حتى المدى مل من صبري وفح العدي وين أقطع الدرب قلّي يا شفيق الهدى ** وابرك الحظ للحمله مع ال1جر هدي والعيس ريش وعوتها مع ضياع القدا ** ريح الخماسين واضمتني وشرق الحدي وقفني الوقت ما بين الردا والردا ** قال اعبر ال ضفتين الهاويه وابتدي بدايةً أشار حمد السعيد إلى الحضور الجميل للشاعر وإلى إلقائه وتفاعله مع النص الذي كثرت فيه الجماليات بما فيها من غموض ووجدانية ذاتية، ورغم ذلك ثمة مفاتيح في النص. موضحاً أن البيتين (يا ظلي ازريت واحرقت المراحل سدى/ وايامي البيض لا قبله ولا من جدي) و(أتعبني الركض واغواني سراب المدى/ حتى المدى مل من صبري وفح العدي) فيهما صور جميلة. بالإضافة إلى وصف الجسر في البيت (والجسر بنيه رماد وللرماد وفدا/ لا اقرب هبوب تحطب بفاسها وتغدي). ووجد أن حيرةَ الشاعر بدت في البيت الثالث (وين اقطع الدرب قلي يا شقيق الهدى/ وابرّك الحظ للحمله مع الجر هدي) الذي يدل على مسيرة الشاعر الذي يملك سعة خيال متميزة ظهرت في الختام (تقدر تريّح وتقعل طرقتك وتهدا/ والجسر هذا كتبه الله على وحدي). د. غسان الحسن قال إن النص بني على الاستنساخ، حيث جعل الشاعر من الظل شخصاً آخر يتحدث معه، وأبدى إعجابه بلُطفُ العبارة البسيطة والمحملة بالشعر، وكذلك بالشاعرية التي نبتت من التخييل، فحضرت المتواليات في النص، أي البدء بالتعبير عن الضيق والتعب والضياع، وهو ما صوّره من خلال الصحراء والإبل، ثم الانتقال إلى الجسر الذي اعتبره الدكتور الحسن نقلة بين المرحلتين الثانية والثالثة التي تدور حول محاولةِ بناءِ شيء جديد في الحياة. وووجد أن الشاعر أكثر من المفردات الدّالة على ما يثقل كاهله، مثل (تركت، نزعت، انزع)، لينتقل بعدها إلى المرحلة الأخيرة، التي تتمثل بالوصول إلى حل يرضي النفس، مبرراً ما في النص من غموض الذي يتناسب مع موضوعه الوجداني الذاتي. فيما وجد الناقد سلطان العميمي في مخاطبة الشاعر ظله موضوعاً غريباً، حين صنع من ذاك الظل شخصية يحاورها ويحاكيها ويحكي لها عن إنجازاته وهمومه. وأشار العميمي إلى ازدحام النص بمفردات تدل على مراحل خاصة بالشاعر تجلت في مفردات عدة من بينها (المراحل، المدى، الركض، الدرب، الوقت، الضفتين، الجسر)، وهذا متناغم مع ما جاء به وأثر في بناء الصورة. كما وجد العميمي في النص أفعالاً تدل على الحركة وتتحدث عن المشوار مثل (أحذف، أبرّك، أنزلت) بينما الشاعر يسير ويركض. وختم بأن الأبيات مميزة بدءاً من حديث الشاعر مع ظله، الأمر الذي فرض خطاباً وتصويراً معيناً، وكذلك فكرةً أراد إيصالها للمتلقي. • المسابقة والشعر وإلى نص وجداني آخر انتقل الجمهور، حيث ألقى الشاعر عايد الشلال نصاً يحمل الكثير من مشاعر الفخر عبر أبيات مشبعة بالصور التي أراد من خلالها التعبير عما يجول بخاطره مما كان ومما صار إليه، ومما قاله: هلّ السحاب ورفق بيرق قمة العهد الجديد ** ومسحت عن وجهي تعابير الحزن والانكسار سلّمت ظلي وشايل في يدين العز سيف الانتصار ** حاضر هنا في معقل الأمجاد والراي السديد غيثٍ نزوله يرفع الراس ويزيد الازدهار ** ما جيت عابر ف ابجدياتي ولا ساعي بريد جيت أزفر أنفاس الشعور الغر بعد الانتظار ** من منطلق جهدي حزمت أحلامي بحبل الوريد من منطلق جهدي حزمت أخلامي بحبل الوريد ** ونفخت فيها شي من روحي وحطّت لي مسار بداية قال د. غسان الحسن إن النص دلّ على شاعرية متميزة وناضجة. معتبراً أن ذهاب الشاعر إلى موضوع المسابقة كان ثغرة. ومع ذلك كان البناء جميلاً، وكذا الصور الشعرية. وأعجبه تعبير الشاعر عن فرحته بالوصول في البيت (هلّ السحاب ورف بيرق قمة العهد الجديد/ ومسحت عن وجهي تعابير الحزن والانكسار). وألمح د. الحسن إلى تناصيت غير مباشرين استخدمهما الشاعر، أولهما تجلى في البيت (جمعت من صمتي ذهب لين امتلا راسي رصيد/ واليوم ما وقفت اقدرم للكلام أي اعتذار)، وذلك للدلالة على الحكمة التي تقول إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، حيث حوّر الشاعر الحكمة وطوّرها لتؤدي إلى المعنى المراد. وثانيهما جاء في جزأين، ففي الشطر الأول قال (من منطلق جهدي حزمت احلامي بحبل الوريد) بما يدلّ على الحميمية والقرب للشيء وأهميته، وفي الشطر الثاني أضاف (ونفخت فيها شي من روحي وحطت لي مسار)، وهنا يوجد تناص مع آية قرآنية، وهي صورة لطيفة تبيّن أن الشاعر كفء. أما في البيت (سلمت ظلي للغروب وجيت للمسرى وحيد/ عايد وشايل في يدين العز سيف الانتصار) فئمة تورية ولقطة جميلة من الشاعر، وهي مفردة (عايد)، فهي اسم ومعنى في الوقت ذاته. الناقد سلطان العميمي من جهته لم يجد كذلك تفسيراً لذهاب أغلبية شعراء الكويت إلى الحديث عن المسابقة من خلال قصائدهم، مشدداً على ضرورة التنويع في الأغراض، لأن من شأن ذلك أن يمنح الشاعر الفرصة للتعبير عن أفكاره أكثر، وللدلالة على شاعريته بشكل أعمق. ومع ذلك وجد في النص الذي قدمه عايد تصويراً جميلاً أبرز التحدي مع ذاته ومع الآخر بدءاً من المطلع، وخصوصاً في البيت (ما جيت عابر فـ ابجدياتي ولا ساعي بريد/ جيت أزفر انفاس الشعور العز بعد الانتظار)، وأما البيت الوحيد الذي وجد فيه العميمي صورة تقريرية فقد تجلى في (من منطلق جهدي حزمت أحلامي بحبل الوريد)، في حين أن أغلبية أبيات القصيدة حملت تصويراً شعرياً متميزاً أبرز شاعرية عايد، وخاصة (لو اقدر اسرق نعمة النسيان من ذهن البليد/ ما صرت في وجه الظروف القاسية طلاب ثار). مؤكداً جمال الخاتمة التي اعتبرها من أجمل الأبيات (جمعت من صمتي ذهب لين امتلا راسي رصيد/ واليوم ما وقفت اقدر للكلام أي اعتذار). حمد السعيد أردف بأن النص جميل جداً، وعايد مبدع بما أود من صورٍ، بدءاً من المدخل وحتى الختام لم تغب عن القصيدة، لكن الجمال الأكبر برز في البيت (واشلون اسامر هبة النسمه على خضر الجريد/ في موقف فيه الدسم خضب مخاليب الحرار)، فأشار الشاعر فيه إلى المسابقة وزملائه. • الزناتي يتنفّس شعراً وحول "شاعر المليون" ألقى الشاعر فواز الزناتي نصاً آخر، فيه باح بمكنوناته تجاه المسابقة عبر أبيات حملت الكثير من الصور الشعرية، ومما ألقاه ليلة أمس: يتنفس العشق منها ويتجدد هواه ** لا ناض برق الغياب وسال خد الحزين في كل سكّة وفاء تلقاني الاتجاه ** وف كل طاري حنين لدمعتي سكّتين يا صوتي الّي رجع فالدرب يشعب صداه ** ملّ الحداء من ركايب رحلة العابرين قولوا آمنّ العطا يا سكة الراحلين ** وجه الهجر في فصول الحب يشبه قفاه وجه الهجر في فصول الحب يشبه قفاه ** وش حيلة اللي يفارق لا انقسم وجهتين وكرر الناقد سلطان العميمي ما سبق وذكره عن تقليدية الفكرة التي يكتب عنها الشعراء وهي المسابقة، مذكراً بأهمية الكتابة في أغراض أخرى. ومع ذلك وجد في النص صوراً شعرية مميزة، استطاع فواز التقاطها من زوايا مختلفة، وصياغات جميلة تمثلت في البيت (أدوّر الناس في وقتي وأحرّك رحاه/ يا كم بقى لكن أغلبهم بصدري طحين) بما فيه من تصوير عميق يبرز حساسية الشاعر. كما وجد في النص دلالات جميلة على الصوت والسمع برزت في عدة مفردات من بينها (ألقوا لي قلوبكم للسمع، المنصتين، الونين، رحاه، كلمتين)، وهذا ما أعطى للنص وهجاً من نوع مختلف، كذلك الأمر بالنسبة للبيت (فيني من الكبت ما لا يحتويني مداه/ خلّوني انفض عن احساسي غبار السنين)، ومثلما كان الختام رائعاً جاء المطلع مثله. وهو المطلع الذي أشار إليه الناقد حمد السعيد، إذ قال إنه مطلع لافت للانتباه وذكي جداً، وثمة تناغم كبير بين الكلميتن اللتين وردتا في الشطر (في حاجة المنصتين وفي رجا المنصفين). وأضاف: هكذا الشعر وإلا فلا. مشيداً بالنص الذي لا يشبه بما فيه من صور إلا قائله فواز الزناتي ابن العائلة الشاعرة، فالصور خاصة به، وقد وظفها الشاعر بشكل مختلف تماماً، كما الأمر بالنسبة للعبارات (أدور الناس في وفتي واحرّك رحاه)، (يا حبل الأفكار صرت أخاف حبل النجاه)، (من كثر شنق الهقاوي في مدى الطيبين)، (ولساني حال الأماني ما نطق كلمتين). من جانبه أشاد د. غسان الحسن بجماليات النص الكثيرة، وقد تجلى الجمال في البيت (أخايل السبع واحرّا بروق الحياة/ لين ازهرت لي عجاف الصبر الياسمين) بما فيه من تصوير رائع جداً تجسد في الألوان والزهور والرائحة الطيبة التي تدل على احتفاء بالنتيجة التي وصل إليها. وأشار د. الحسن إلى التناص مع قصة سيدنا موسى ومعجزته مع عصاه (ماني بموسى ولا الّي في يديني عصاه/ أنا عصا العزم معجزتي وعندي يقين)، فتكرار مفردة العصا جاء بناء على أسلوب رد الصورة على الصورة، فهما مرتبطتان؛ لكن الواحدة تعاكس الثانية، وأوضح كذلك أن الحبلين مختلفين في الشطر (يا حبل الافكار صرت اخاف حبل النجاه). في حين اتضح في البيت (اليوم بوحي وجوبه مثل فرض الصلاه/ من بعد ما كان دمع الصمت لي فرض عين) تراسلٌ بين الفرضين، وورود كل ذلك أمراً ليس اعتباطياً، إنما هو مفيد في النص، ففرض الصلاة واجب، أما فرض العين فيخص الشاعر وحده. وعموماً في الأبيات صور تمثيلية ممتدة، تكونت من صور جزئية امتد بها الشاعر من خلال الحركة والصور. • الهميمي يحتفي بالشعر ومع "الموسم" اختتم الشاعر مانع الهميمي ليلة الشعر الرابعة من خلال أبيات الفخر بأبوظبي التي تستقبل الشعراء والمبدعين، وهو ما عبّر عنه من خلال أبيات تذكّر بمشاعره تجاه الإمارة وأهلها، وفي مطلع نصه قال: أخايل الموسم اللي على الميعاد ** تحرّيت وقته مثل غيري ومرقب له من ابوظبي خيلت نوضه سرى وانقاد ** يا بخت البلاد اللي عليها نزل سبله صدوق الحيا ومزونه يسوقها الرعاد ** ورويت مراتع ذو الافطار من وبله فلا عاد به غيره يضربون له الاكباد ** ولا أطن بعده مثل خيره ولا قبله تشد الرحال ليمته من ورى بغداد ** وكلّن على دار الفلاحي يسوق إبله أبدى الناقد حمد السعيد إعجابه بما ورد في الأبيات الأخيرة من النص، وقال إنها من باب حفظ الجميل. ثم عاد إلى المدخل الذي وظّف فيه مانع ما يحدث في البادية خلال موسم الربيع (بروق الموسم، نوضه سرى، مزونه يسوقها، ورويت مراتع)، وكل ذلك انعكاس لما في المسابقة. وأشاد السعيد في البيت (وفي ظفرة أمجاد الشعر يالهميمي ناد/ لا يذخر عزم من كان خيله من اصطبله)، وكذلك في البيت (على ديرة من جود اهلها لغيره جاد/ تمد الجزال وما يبي كفها قُبله). كما علق على القافية الصعبة التي اختارها الشاعر، ورغم صعوبتها إلا أنه لم يجد فيها حشواً. أما الناقد سلطان العميمي فقد وجد أن الموضوع التقليدي فرض على الشاعر استخدام صور تقليدية، وهو الذي شبه المشاركة في المسابقة بشد الرحال على المطية، ومع ذلك عكس النص أسلوب مانع الذي كان مميزاً حتى في حضوره على المسرح. ولفت العميمي إلى حضور المكان فيما قال الشاعر، وهو ما برز في عدة مفردات مثل (مسكني)، بالإضافة إلى الإشارة لأبوظبي في ثلاثة مواضع (أبوظبي، الظفرة، دار الفلاحي). وقال: لا شك أن إضافة دلالات أخرى مثل (بغداد، بلاد، الديرة) جاءت موائمة للنص. وختم د. غسان الحسن بإبراز ما ذهب إليه الشاعر، فالطريقة التي التمس فيها الموضوع بدت وكأنها كتل من الصور الجميلة التي جاءت عبر أبيات متماسكة. وقد ذهب الموضوع إلى أكثر من اتجاه، اتجاه الشوق للمشاركة في المسابقة، ثم كيف ذهب وطريقه للوصول، ومن ثم مدح المكان والبرنامج. وفي الاتجاه الأول ارتبطت الأبيات بالبرنامج من خلال (بروق) التي دلت على البشرى ومن ثم على تحقق الرؤية، وبعدها ذهب الشاعر إلى التعبير عن قدومه فاستعان بالتصوير من خلال حياة الأبل واتخذ من ذلك مخيالاً. لافتاً إلى أنه لمس في الأبيات الخمسة الأخيرة تفككاً في الموضوع. • شعراء الحلقة الخامسة وقبل ختام الحلقة أعلن حسين العامري وأسمهان النقبي أنه بإمكان الجمهور البدء بالتصويت لشاعرهم المفضل، كما أعلنا عن أسماء شعراء الحلقة القادمة، وهم: من السعودية متعب الشراري ولولوه الدوسري، و علي الهاملي من الإمارات، وعبدالعزيز الدلح من الكويت، بالإضافة إلى محمد المضحي من البحرين، وعبدالله الطائي من سوريا. حضر الحلقة الأمير عبدالرحمن بن خالد بن مساعد آل سعود، واللواء ركن طيار فارس خلف المزروعي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، وعيسى سيف المزروعي نائب رئيس اللجنة ، وممثلين عن الإعلام المهتم بالشأن الثقافي عموماً، وبالشعر الشعبي خاصة.
مشاركة :