رشا حلوة: الأمومة والأبوة من حق المثليّين والمثليّات أيضًا

  • 2/7/2018
  • 00:00
  • 160
  • 0
  • 0
news-picture

في مقالها* لـ DW عربية تسلط الكاتبة الصحفية رشا حلوة الضوء على وجه آخر من المعاناة التي تواجه المثليين جنسيا عندما يقطعون خطوة جديدة في حياتهم بالإجابة عن سؤال إنجاب أطفال. ربما يعتبر سؤال إنجاب الأطفال، أحدَ أهم الصراعات التي يخوضها البشر مع أنفسهم، وأكثرها مصيريّة، وبالعموم، سواء كان سؤالا فردياًّ عاماًّ أو زوجياًّ، بمعنى لامرأة ورجل ضمن شراكة زوجيّة ما، فهو يقع ضمن الإتاحة المجتمعيّة والمؤسّساتيّة للمرأة والرجل بأن ينجبا طفلًا، لكن، ماذا عن الأفراد، التي لا ترى مجتمعات عديدة بأن لديهم/ن الحق أو الإمكانية بإنجاب أطفالٍ إلى هذا العالم؟ ماذا عن المثليّين والمثليّات الذين يكافحون من أجل حقهم/ن بالحياة وممارسات هوياتهم/ن الجنسيّة بحريّة ولديهم/ن الرّغبة الطبيعيّة بأن يصبحون آباء وتصبحن أمهات؟ بالطبع، هذه القضيّة مركّبة لدى مجتمعات عديدة في العالم، مع تفاوت صعوباتها وتحدياتها من مكان إلى آخر، لكن في سياق مجتمعاتنا، وفي الوقت الذي يضطر العديد من المثليّين والمثليّات للهروب إلى أماكن "أكثر آمنة" لممارسة هوياتهم الجنسيّة وللعيش بحريّة، وفي الوقت الذي لا زالت تمارس فيه أشكال عديدة من العنف ضد المثليّين/ات والمتحولين/ات جنسيًا، كلاميّة وجسديّة، قانونيّة ومجتمعيّة، وفي الوقت الذي ما زلنا نناضل فيه من أجل الحق بأن يعيش المثليّون/ات في بيئات آمنة، بلا خوف ولا اعتقال ولا تعنيف ولا اضطهاد، يبدو أن الحديث عن حق المثليّ/ة بإنجاب طفلٍ، كأنه ترف، لكن، سواء كان هذا الموضوع مطروحًا على طاولات النقاش أم لا، إلّا أنه حاضر في حياة البشر وقراراتهم ورغباتهم، خاصّة الذاتيّة منها، والكثير منهم/ن يحققون حلمهم/ن بإنجاب أطفال، بطرق عديدة. في حديث مع (س.)، وهو مثليّ، في العشرينات من عمره، ويعيش في بلد عربيّ، قال: "لم أشعر يومًا بأنني أريد إنجاب أطفال، لا أشعر بأنني جيّد في التعامل معهم، لا أعرف إن كانت هذه شخصيّتي أم لأنني مثليّ فهنالك شيء ما باطنيّ بلور هذه العلاقة معهم، صراحة، لا أفكر في الموضوع كثيرًا اليوم، لكن إن شعرت في المستقبل برغبة في أن أكون أبًا، أعتقد أن الخطوة ستكون مليئة بالتحديات المجتمعيّة". في ظلّ التحديات التي يعيشها مثليّون ومثليّات على مستوى رغبتهم/ن الإنسانيّة كرجال وكنساء بأن يصبحوا ويصبحن آباء وأمهات وسط مجتمعات من الصعب أن تتيح ذلك، إلّا أنّ هنالك من ينجح في تحقيق هذه الرّغبة، وبسبب المبنى الاجتماعيّ الجندريّ، لربما يكون الأمر أكثر سهولة على الرجل المثليّ من المرأة المثليّة، لكن من خلال طرق عديدة، استطاعوا/ن تحقيق ذلك، حيث أن مسألة الإنجاب تعتمد بالأساس على الإخصاب، وهي ليست نقطة الصّراع المركزيّة، إنّما كيف تعامل كل منهم/ن مع المجتمع؟ هل كان بمواجهة معه؟ خاصّة في مجتمعات، وللأسف، فيها مسألة الحريات الفرديّة، إنجاب الأطفال، التربيّة، هي قضايا بغالبيتها لا تخص الأمهات والآباء فقط أو أصحاب الشّأن. عندما شعر صديق مثليّ، وهو أب لطفلة، بهذا اليقين لأن يصبح أبًا، بدأ بالبحث عن سبل لتحقيق ذلك، فوجد امرأة لديها نفس الرغبة بإنجاب طفل، وهذا ما حصل، فيصف شعوره كأب اليوم بأنها أقوى تجربة عاطفيّة يمكن أن يمرّ بها الإنسان. في حديث معه عن الموضوع، قال: "بداية، كنت أفكر بشكل تقليديّ عن مسألة الإنجاب، عن شكل العلاقات الزوجيّة التقليديّة، لكن اليوم، أقول لكل من يريد أن ينجب أطفالًا، أحضره بكل ثمن. خاصّة للمثليّين والمثليات، حتّى لو كان الطريق إلى تحقيق هذه الرّغبة يمرّ عبر تحايل على المجتمع، بمعنى اتفاق ما بين رجل وامرأة بتنظيم عرس شكليّ وإنجاب الأطفال فيما بعد، هذا شرعيّ، ولأننا نعيش في عالم أو مجتمع هو السبب الأساسيّ بعدم وجود حريات لممارسة هويات جنسيّة مختلفة كما لا مساحة للتعدديّة بشكل العائلات وإنجاب الأطفال، فمن الشرعي إيجاد طرق لأن نضحك على المجتمع وتنجب أطفالًا حسب رغباتنا". قصص عديدة نعرفها عن مثليّين ومثليّات أقاموا أعراسًا شكليّة أمام المجتمع المحيط، أي مسرحيّة كاملة، كي يتمكنوا ويتمكن من مواصلة حياتهم/ن كما يشاؤون ويشأن، بما في ذلك إنجاب الأطفال، وهو تمامًا امتداد لمستويات عديدة يخلق فيها البشر عوالم موازيّة يعيشون بها، خاصة الذين يُمنعون من ممارسة حرياتهم الفرديّة، بل ويُفرض عليهم معايير محددة للحياة، ليس من السهل على المختلف عنها أن يخرج منها، فيتشكّل لديهم عالميْن، عالم من الناس يعرف "الحقيقة"، وآخرون يعرفون ما "تم إظهاره" لهم. في حديث مع (م.)، امرأة مثليّة مقيمة في برلين مع زوجتها، قالت: "أنا جاهزة لإنجاب الأطفال، وأعرف بأنني سأكون أماًّ جميلة، لكن ماذا أفعل بعائلتي؟ ماذا سأفعل بنفسي وماذا سيُفعل بي؟ هل سيتبرون منّي؟ هل سأُحرم من زيارة بلدي؟ لا يمكن أن أعيش في كذبة، ولا يمكن أن أخفي طفلًا. وصلت إلى برلين وتحررت من كلّ القيود، وأخبرت أهلي عن هويتي الجنسيّة، وعلاقتي، لكني أشعر أن إنجاب الطفل سوف يدخلني إلى سجنٍ من نوع آخر". أما (ر.)، وهي مثليّة وأم لطفل يبلغ حوالي ثلاث سنوات وتعيش في بلد عربي، قررت قبل سنوات أن "تتزوج شكليًا" أمام المجتمع كي تنجب طفلًا، عن هذه التجربة تقول: "الأمومة مهمة لي كثيرًا، وحاولت أن أحققها بالطرق التي سترضي محيطي، كما وتحقق ما أرغب به، على الرغم من أن الكثير يعرف عن هويتي الجنسية، لكنني لم أرغب بإيذاء أهلي، خاصة لأنني أعرف صعوبة تعاملهم مع محيطهم، وأردت أن أحميهم بشكل ما، فأمام الناس أنا متزوجة، وربما اتخذت القرار الأكثر سهولة، وذلك لأنني لا أملك قوة بعد لمواجهة كل شيء، اليوم، أعيش كما أريد، وبنفس الوقت حققت ما أرغب فيه دون أن أخوض حروبًا مع محيطي، رغم معرفته بمن أكون، لكنه لا يتحدث عن ذلك". لست هُنا في صدد الدفاع عن التحايل على المجتمع أو نقده، وذلك حين يكون التحايل خيارًا أمام من يمنعك عن تحقيق رغباتك الذاتية، تلك التي تؤمن ومقتنع بها، إنما يُطرح هنا، وبناء على قصص الناس، كطريق يسهل الحياة على البشر، لأنه ليس للجميع القدرة ولا الرّغبة بمواجهة آليات وعقليات مجتمعيّة تعمل على تحطيمه، وعدم الرغبة في خوض معارك هي بالضرورة شرعيّة، ومن حق البشر أن يختاروا معاركهم، تمامًا، كما من حقهم أن يخلقوا العوالم الموازيّة التي يستطيعون أن يحققوا بها رغباتهم الإنسانيّة والطبيعيّة كالأمومة والأبوة، بأشكال الحياة والعائلات التي يختارونها، وبالتأكيد، ليس من العدل أن يُسلب حقهم بأن يكونوا أمهات وآباء. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :