في مقالها* لـ DW عربية تسلط الكاتبة الصحفية رشا حلوة الضوء على شريحة "غير مألوفة" من الأمهات وعلى التابوهات التي تعترض طريقهن نحو تحقيق حلم الأمومة. الأم ذلك الإنسان الذي لا تنقطع أهميته في حيواتنا، لكن لا يخلو الأمر من أن نقرأ هذه الأهمية من منظور نقدّي، ليس تجاه الأم، بل تجاه كيف ترسم المجتمعات دورها وقدسيتها، وبالتالي تخلع هذه القدسيّة في أحيانٍ كثيرة عن الأمّ إنسانيتها واحتياجاتها كإنسان. هذا التصوّر أن الأمّهات ملائكة - والذي ساهمت فيه أدبيات عديدة - يبعد التساؤلات الأساسية حول مشاعر الأم تجاه أمومتها، أو التذمر من دورها الذي يصل في بعض الأحيان إلى نوع من العبودية تجاه الزوج والأبناء والعائلة وغيرهم. تمتد هذه القدسية أيضًا إلى شكل الأمّ "المألوف" في المجتمعات والذي نعرفه: امرأة متزوجة من رجل ولديها أبناء وبنات. وبالتالي، أي شكل آخر خارج هذا الإطار هو مرفوض ومنبوذ وفي أحيان كثيرة لا يمكن الحديث عنه. بمعنى: ماذا عن حق النساء المثليات جنسيًا بأن يصبحن أمهات؟ وماذا عن النساء المغايرات جنسيًا (المغايرة الجنسية هي التوجه الجنسي للعاطفة والجنس بين المرأة والرجل) اللواتي لا يرغبن في الزواج أو لم يتزوجن لأسباب عديدة؟ وماذا عن النساء اللواتي يعشن حيواتهن برغبة في أن يصبحن أمهات، ولا يمكنهن ذلك، فقط لأن المجتمعات والأديان والعادات والتقاليد حجبت عنهن هذا الحق؟ هذه التساؤلات هي شخصية أيضًا بالدرجة الأولى، لكوني امرأة عزباء، في منتصف الثلاثينات من العمر، وأذكر العمر هنا لأنه محورًا أساسيًا بالعلاقة ما بين تحقيق الأمومة والجيل البيولوجي. فالنساء مقارنة بالرجال، يلعب الجيل دورًا في ذلك. وأنا مثل نساء كثيرات في جيلي، نتساءل حول الأمومة ورغبتنا فيها، وفي الوقت ذاته ربما لا نريد أن نصبح أمهات الآن لأسباب متنوعة ذاتية واقتصادية وغيرها، فنعيش سؤاليْن أساسيْن: ماذا لو نريد أن نصبح أمهات الآن في سياق يحدّ من حقنا بأن نصبح أمهات بلا زوج/ شريك؟ والسؤال الآخر: ماذا لو وصلنا إلى جيلٍ نشعر به أننا نريد أن نصبح أمهات ولا يمكننا لأسباب بيولوجية؟ يمنح العلم اليوم فرصة لأن تجمد النساء بويضاتها، بحيث إن وصلت المرأة إلى جيل بيولوجي لا يمكنها الإباضة، بإمكانها استخدام بويضاتها المجمدة دون ثمة علاقة لعمرها من أجل تحقيق الحمل. إن تجميد البويضات هو حل متوفّر لكنه مكلف ماديًا. على مستوى شخصي، تشغلني مسألة تجميد البويضات، لأنه حلّ وارد للتوقيت المتأخر عن الإمكانية البيولوجية لأن أصبح أمًا. في حديث مع علياء - وهي عزباء في السابعة والثلاثين من عمرها- حول تجميد البويضات، قالت: "لا يمكنني أن أكون أمًا الآن لأسباب اقتصادية، لكن جيلي البيولوجي يعطيني إشارات، حيث أني أخاف الوصول إلى عمر ما وأندم لأني بلا طفل ولن يكون لدي القدرة لذلك. كما أن تجميد البويضات مكلف ماديًا". وأضافت بالقول: "يخيفني أن أصل إلى الخمسينات من عمري وأندم، سواء كنت لوحدي أو مع شريك. من ناحية المجتمع، أنا جزء من الناس التي تضع قراراتها تحت الأمر الواقع. بمعنى أنه من حقي أن يكون لدي طفلًا. عدم نجاحي في أن أجد شريك حياة، لا يعني مطلقاً بأنني لن أنجح بأن أكون أمًا. وأعتقد بأني سأكون أمًا عظيمة. أن أكون أمًا لا علاقة له بأن يكون لدي شريك حياة، كل منهما هو أمر منفصل تمامًا عن الآخر". في أحاديث عديدة حول مسألة الأمومة "غير المألوفة"، إن صحّ التعبير، يسأل البعض سؤالًا مفاده: كيف يمكن لأم وحيدة أن تربي طفلًا؟ أو كيف يمكن أن تعيش طفلة بين أمهات مثليات جنسيًا؟ بمعنى أن يكون لها أميْن بدلًا من أم واحدة وبلا أب/ رجل. عن هذا تقول سمر - وهي أمّ مثلية الجنس - قررت وشريكتها أن تصبحان أمهات، وكانت قد حملت شريكتها بطفلهما: "لا يسأل أحد زوجين مغايريْن جنسيًا كيف يمكن أن تربيان طفلًا؟ أو تأسسان لعائلة؟ هنالك أسئلة لا تُسأل للأزواج المغايرة جنسيًا، كأن هنالك افتراض مسبق بأن العائلة المكوّنة من امرأة ورجل بإمكانها بشكل بديهي أن تربي أطفالها، ولا يسألهما أحد: ماذا سيحدث للأطفال إن قررتما الطلاق؟ ماذا ستفعلان مع الأطفال؟ وعندما سألتني والدتي ماذا سنفعل مع طفلنا إن قررنا الانفصال، قلت لها: هل سألت نفس السؤال لأخي؟". بالنسبة لسمر وشريكتها، على الرغم من أن قرارهما بالإنجاب كان واضحًا وبلا تردد، بالطبع لم تكن المسألة سهلة على العائلات، كانت سيرورة الإقناع طويلة. عن هذا تقول: "على مستوى شخصي، أخبرت لأمي أني أريد أن أصبح أمًا، وأنه من حقي ذلك. أمي في هذه اللحظة قالت لي بأنها لا يمكنها أن تقول لا، لأنها أمّ بنفسها وتعرف شعور الأمومة وأهميتها وحساسيتها ورُقيّها، فكيف ستقول لا؟ مشكلتها كانت في كيفية مواجهة المجتمع، ماذا ستقول للناس؟ للأقارب؟ أخبرتها بأن تجيب باختصار: هذا ابن ابنتي، ولا داعي للخوض في تفاصيل كثيرة، هذه حياتنا وتخصنا نحن فقط. شخصيًا تعبت من المعارك، أريد أن أمارس أمومتي أنا وشريكتي بهدوء". تحقيق الأمومة خارج المعادلات "المألوفة" للمجتمعات الأبوية، ستبقى بمثابة تابو تصارع نساء لكسره، مثله مثل أشكال قمع عديدة تُمارس على المرأة، حيث أن كسرها تشكّل خطرًا على المنظومة الذكورية للمجتمعات. اليوم، تجد بعض النساء طرقًا لتحقيق رغباتهن الطبيعية والإنسانية الأولى في الأمومة، سواء بمساعدة العلم أو بطرقٍ يجدونها مناسبة. الكثير من النساء استطاعت تحقيق أمومتهن بعيدًا عن مجتمعاتهن وبلادهن، بالهجرة، سواء الاختيارية أو القسرية، مما يسهّل الأمر عليهن بشكل أو بآخر. هنالك نساء حققن الأمومة بالمواجهة، وهنالك من اخترن الطرق الأقل صراعًا، فقمن بإجراء زواج مزيّف "لراحة بالهن" وغيرها. لا أعرف شخصيًا كيف تكون الأمومة أو ماذا يعني أن أصبح أمًا، إن قررت ذلك يومًا ما. سمعت وقرأت عن المصاعب والتحديات، سواء الذاتية والنفسية أو تلك التي على الأمّ مواجهتها يوميًا في ظلّ واقع يعنّف المرأة باستمرار وبأشكال متنوعة. لكني أعرف تمامًا بأنه من حق المرأة أن تعيش بكرامة، وأن تحقق رغباتها الإنسانية بعيدًا عن التقديس والتكفير، وأن تكون أمًا إن أرادت ذلك، وأن لا تكون أمًا إن لم ترغب في الأمومة، لأن الأمومة كقضايا عديدة عليها أن تعود لعلاقة المرأة مع نفسها وخياراتها. وبالتأكيد ليس لأن ذكورية المجتمعات ترى فيها وعاءً للإنجاب تحتفل فيها يومًا واحدًا وتعنّفها باقي أيام السنة. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW
مشاركة :