مصر تحاول بالدراما استعادة بريق قوتها الناعمة بقلم: سارة محمد

  • 2/8/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مصر تحاول بالدراما استعادة بريق قوتها الناعمةتشهد خارطة الدراما التليفزيونية المصرية في عامها الحالي تغيرات لافتة، واعتبر نقاد ومتابعون ما يجري بمثابة “عام الحسم” لحل الكثير من الأزمات التي واجهتها، وأصبحت لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري التي بدأت عملها مؤخرا، دليلا على عهد جديد يبدأ مع صنّاع الدراما، ويشي بمحاولة جادة لإعادة تنظيم أوضاعها.. ومع كل هذا التفاؤل تواجه اللجنة العديد من الاعتراضات، وفي حوار لـ”العرب” مع رئيس اللجنة المخرج محمد فاضل، يتحدث عن رؤيته للتطوير ويجيب على الانتقادات الحادة التي وجّهت له ولجنته.العرب سارة محمد [نُشر في 2018/02/08، العدد: 10894، ص(16)]أفراح القبة عودة إلى عالم الرواية القاهرة- أثار تأسيس لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام في مصر مؤخرا، استهجانا كبيرا لدى بعض القطاعات التي نظرت إليها على أنها لجنة للرقابة على الأعمال الدرامية، وهو ما نفاه رئيس اللجنة المخرج محمد فاضل في حواره مع “العرب”، مشددا على أن الهدف الأساسي الذي يسعى له هو إعادة ترتيب المنظومة الدرامية بما يعيد لها رونقها الذي كانت عليه في السنوات الماضية. ويحمل هذا التنظيم معالجة لمشاكل الدراما التلفزيونية على مستوى النص، الإخراج والإنتاج بالاتفاق مع المسؤولين في القنوات الفضائية لوضع ورقة عمل لا تتناقض مع حرية الإبداع ولا مع أهداف الدولة، فضلا عن ترشيد العملية الإنتاجية. لجنة مصغرة تتكون اللجنة من 9 أفراد، هم: المخرج عمر عبدالعزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية، ونقيب الفنانين أشرف زكي، ومسعد فودة نقيب المهن السينمائية ورئيس اتحاد الفنانين العرب، والناقدة خيرية البشلاوي، والسيناريست عبدالرحيم كمال باعتباره من جيل الكتّاب الوسط، والمخرج مجدي لاشين رئيس التلفزيون، ومن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، هدى زكريا وسوزان قليني، ونادية مبروك رئيس قطاع الإذاعة المصرية.محمد فاضل قدم عددا من الأعمال الدرامية الاجتماعية، منها "رحلة أبوالعلا البشري" و"العائلة" واختيار عدد أعضاء محدود في اللجنة كان هدفا أساسيا لدى رئيسها لتفعيل المناقشات لقرارات جادة ونافذة في وقت قصير، بعيدا عن الموائد المستديرة التي لا تُثمر شيئا، بحسب ما يوصفه المخرج المخضرم محمد فاضل، والذي أكّد أن دور اللجنة لا يتعلّق بجهاز الرقابة على المصنّفات الفنية ولا يتدخّل في عمله على الإطلاق. ورأى فاضل الذي بدأ رحلته مع التلفزيون المصري بمسلسل “القاهرة والنَاس” مطلع السبعينات من القرن الماضي، أن أهم القرارات التي اتخذها المجلس منذ بداية عمله قبل شهر يكمن في إلزام المحطات الفضائية بعدم عرض مسلسلات لم تحصل على تصريح رقابي وإجازة بالعرض، مع فرض عقوبات في حالة عدم الالتزام بهذا القرار كرفع العمل من العرض، بالإضافة إلى غرامات مالية تقع على القناة العارضة للعمل. وحكى المخرج، الذي قدّم مجموعة متميزة من الأعمال الدرامية، مواجهته لعديد من التيارات المعارضة لوجود اللجنة، قائلا إن آلية العمل بينه وبين جهاز الرقابة في بعض الأعمال تثير جدلا خلال عرضها حتى بعد حصولها على الموافقات الرقابية اللازمة. وأضاف لـ”العرب” أن “هناك حالات ستتم دراستها والتعامل معها في حينه”، مشددا على وجود تفاهم كبير بينه وبين الرقابة على المستوى الفكري والثقافي، وثمة اتجاه لإعادة هيكلة هذا الجهاز في الفترة المقبلة، تضمن تزويده بالكثير من الطاقات البشرية حتى يتم دراسة الأعمال الدرامية بصورة جيدة. وتحمل لجنة الدراما قدرا من التفاؤل للكيانات الإنتاجية والتسويقية الكبرى، بعد أن اتفق رؤساء القنوات الفضائية هذا العام على تحديد سعر شرائي معيّن للمسلسل لا يتجاوز 70 مليون جنيه (4 ملايين دولار) لإصلاح المنظومة الإنتاجية. وقال فاضل “لدينا خطة باللجنة لضبط مسألة أجور النجوم وتحديدها بما يتوازى مع ميزانية العمل العام، خاصة بعد الفوضى المبالغ فيها في أسعار النجوم”. ويذهب غالبا جزء من الأموال الخاصة في ميزانية العمل الواحد هباء، وتفعيل قرار تحديد شراء سعر المسلسل وقيمة إجمالي الأعمال المعروضة على كل قناة، بما لا يتعدى 230 مليون جنيه (13 مليون دولار) من شأنه الدفع بمنظومة الإنتاج وحل أزمات المنتجين، على الأقل في ما يتعلق بالحصول على عوائد تكلفة الأعمال. وبالنسبة لقضية التسويق، أوضح فاضل “أن هذا الأمر يعود إلى احتكار بعض القنوات لجهات إنتاجية معينة، لكن في هذا العام سوف تكون هناك حلول لهذا المأزق ليس فقط بسبب المواسم الإنتاجية التي فتحت المجال لتغيير ثقافة المنتجين عن العرض المزدحم في شهر واحد. لكن لوجود العديد من القنوات الفضائية الجديدة التي تندرج بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن المؤسسات التي ترعاها الدولة”، في إشارة إلى بعض الشركات الإعلامية التي تنتج أعمالا درامية وشبكات تلفزيونية أصبحت معروفة بعلاقتها بالدولة، مثل شبكة “سي بي سي”.رؤساء القنوات الفضائية اتفقوا على تحديد سعر شرائي معين للمسلسل لا يتجاوز 4 ملايين دولار لإصلاح المنظومة الإنتاجية وكان قطاع الإنتاج المصري حتى 8 سنوات مضت، هو رمانة الميزان في المشهد الإنتاجي العام قبل سيطرة القطاع الخاص عليه، ثم تراجع وخرج من المشهد بعد أن أصابه ركود اقتصادي نتيجة للأحداث التي مرت بها البلاد. وأشار رئيس لجنة الدراما، لـ”العرب” إلى أن هذا الأمر بالتحديد سيكون من اختصاص الهيئة الوطنية للإعلام، لأنه يحتاج إلى مرجعية من الدولة حتى يستطيع التلفزيون استعادة ريادته. ويتميز فاضل في أعماله الدرامية دائما بإلقاء نظرة نحو المستقبل، وهو ما ينعكس على عمله كرئيس للجنة الدراما التي يطمح من خلالها إلى تحقيق إنجازات عدة، على رأسها تحقيق الجودة ورفع مستوى النصوص الدرامية في المستقبل. وطالب بإعادة إرسال البعثات التعليمية إلى الصين واليابان وإيطاليا لضبط المنظومة الدرامية على مستوى النص والإخراج وغيرها، خاصة مع وجود بروتوكولات دولية واتفاقيات بين مصر وغيرها من الدول، والتي تحتاج فقط إلى تفعيل. وقال إن تنظيم مهرجان قومي للدراما التلفزيونية، على غرار مثيله في السينما والمسرح خلال العام الجاري من شأنه تقديم جوائز مالية ضخمة لمنتجي الأعمال الدرامية وبالمثل للمؤلف والمخرج لتكون معينا لهم في تقديم أعمال جيدة، لأن العبء الأكبر يقع عليهم، وضرورة منح أبطال المسلسلات الجيدة شهادات تقدير. المحتوى الدرامي غيّرت الدراما المصرية كمية من دمائها عقب ثورة 25 يناير 2011 وخرجت عن نطاقها المألوف بشكل كبير، في محتوى النص وما يحمله من نماذج اجتماعية لاقت هجوما كبيرا، مثل نموذج “البلطجي والشرير والفاسد” والتركيز على أوضاع الطبقة العشوائية. وأوضح محمد فاضل لـ”العرب”، أن الدراما في خلال الفترة من 2011 إلى 2014 حملت وجهات نظر، كان هدفها “تغييب العقول وإظهار الشخصية المصرية على أنها غير سوية، ثم بدأت في تعديل أوضاعها منذ عامين تقريبا”. وذكر أن هناك تغيّرات حدثت بالفعل في الدراما المصرية والتي عادت لتتّخذ شكل الدراما العائلية ذات مغزى اجتماعي، كما حدث في مسلسلات “أبو العروسة” و”الطوفان” مؤخرا، لكنه طالب بضرورة وجود أعمال تتحدث عن مكافحة الإرهاب بشكل مباشر وغير مفتعل. ولفت إلى اهتمام اللجنة بمضمون المحتوى الدرامي للأعمال، وأن هناك جلسات نقاش محورية مقرّر عقدها خلال الفترة المقبلة، بعضها يتعلّق بورش السيناريو التي انتشرت في الآونة الأخيرة والبعض الآخر يخصّ توضيح الفرق بين الواقعية في الفن والحياة. وسألته “العرب” عن تقييمه لورش السيناريو التي تسيطر على المشهد الدرامي، وجاء رده “أرفض وجود هذه الورش، لأن الإبداع فردي ولا يمكن أن يقوم على عمل جماعي، وهو يشبه الرسام والعازف والشاعر”.الدراما المصرية خرجت عن نطاقها المألوف وقدّم فاضل عددا من الأعمال الدرامية الاجتماعية الشهيرة، منها “رحلة أبوالعلا البشري” و”أبنائي الأعزاء شكرا” و”أخو البنات” و”العائلة”. ويرفض فاضل التعاون مع ورش السيناريو، ضاربا المثل بتجربة الكاتب الشهير ماركيز عندما طُلب منه كتابة سيناريو وتمسّك بعمله كروائي، وهو ما يشي بضرورة تحديد عمل المبدع في إطار واحد. فجوة بين أجيال أعلن محمد فاضل استياءه الشديد من فكرة الأشكال المستوردة من الخارج، “الفورمات الأجنبي”، مؤكدا أنها “عيب، ويجب أن تكون لدينا اجتهاداتنا، خاصة أن الدراما المصرية لها باع طويل”، لافتا إلى أن انتشار هذه القوالب يؤثر على الإبداع. أما مجتمع الرواية الذي عاد في العامين الماضيين وظهر في عدد من الأعمال، مثل “واحة الغروب” و”أفراح القبة”، فيرى محمد فاضل أنه يحتاج إلى ثقافة وتأنّ في الاختيار، داعيا صنّاع الأعمال إلى اللجوء إلى ما يسمّى بلجان الفكر التي تتكوّن من متخصّصين وأساتذة يساعدون الآخرين حتى تكون لديهم نماذج إبداعية. ورغم ثراء الأعمال التلفزيونية التي قدّمها فاضل منذ رحلته التي بدأت منذ أربعين عاما، إلاّ أنه ابتعد عن المشهد في السنوات الأخيرة، وسألته “العرب” عن هذا الغياب، وعمّا إذا كان سببه وجود فجوة بين أجيال الكتّاب من المخضرمين الذين رحلوا مثل أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن، وبين تيار ورش السيناريو الحالي والذي يتحفظ على التعاون معه. ولم ينكر فاضل في إجابته الفجوة الكبيرة بين أجيال الكتّاب، والتي انعدم معها وجود جيل وسط لم يثمر إلاّ عن عدد محدود من كتّاب هذا الجيل، أبرزهم مدحت العدل وعبدالرحيم كمال، بحسب تقييمه للمشهد، لكنه أشار إلى أن هناك تغيّرا على الساحة الدرامية سببه توقّف الدولة عن الإنتاج وانفراد القطاع الخاص التجاري بالأمر. ونوّه إلى أن الخارطة الإنتاجية الحالية أصبحت تتمحور بين أربعة أو خمسة منتجين، وهو ما يصعب معه التعاون مع هذه الكيانات التي أضافت الكثير من التجاوزات في معادلة الإنتاج والتي كانت تبدأ بالنص والمخرج وليس التعاقد مع النجم في المقدمة. وكشف محمد فاضل لـ”العرب”، أن لديه الكثير من المشروعات التي يتمنى تنفيذها وتحمل بعدا قوميا مثل مسلسل “الشمندورة” الذي يتحدّث عن النوبة في جنوب مصر، وعمل آخر عن مشروع قناة السويس يربط فيه بين الماضي والحاضر. ويرى أن عودته إلى المشهد الدرامي تحمل الكثير من الحساسية في الوقت الحالي مع الإنتاج الخاص، بعد رئاسته لجنة الدراما ومواجهته انتقادات من قبل الكثيرين.

مشاركة :