نشرت هذه الصحيفة، أمس، تقريراً موجعاً عن أستاذة جامعية سورية كانت تعمل في جامعة الدمام انضمت فجأة إلى «داعش» ما يعني أنها كانت شديدة التطرف، لأن الولع المفاجئ ينشأ عند المراهقين، أما عند الكبار فلا بد من أن يكون التوجه كامناً وسابقاً وهو ما برهنته الدكتورة الداعشية في صفحتها في «فايسبوك» ظهر أمس حين كتبت: «كنت داعشية التفكير والمنهج. أنا داعشية قبل أن توجد «داعش»، وأعرف من وقتها أنه لا حل للمسلمين إلا في هذا الجهاد. لم أجد في فعلهم وقولهم ما يخالف الإسلام في شيء، لم يقنعني أحد بهم، وإنما أسمع وأتابع، وبخاصة أن نفسي لم تسمع الإعلام ولم تتشرب فكره الذي غذى في بعضنا الذل ووضع فينا الهيبة من عدونا والخوف من اتهاماته لنا وهو يقتلنا». كتاباتها السابقة كانت حذرة وإن كانت تشي بتوجهها الحالي إلا أنه يستحيل إدراك ذلك حينها لشدة استتارها، لكن كيف كان تعاملها مع الطالبات وهي تدرسهن أصول الفقه أعواماً طويلة؟ وما الرسائل التي كانت تبثها؟ وإلى أية جهة تنقلهن؟ لا يمكن لامرأة بهذا التوجه أنها لم تحاول استقطاب فتيات ونساء إلى حقلها، وهي التي تمارس كل النشاطات الدعوية داخل الجامعة وخارجها. حالة إيمان البُغا تعيد فتح ملف التعليم العالي ودور الوزارة ومديري الجامعات حول تسليم المنابر الطالبية لمثل هؤلاء. وما الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لتنقية مؤسساتها إن كانت تعرف ما يجري فيها أصلاً؟ حكاية إيمان ومَن قبلها تؤكد أن الخطر الداخلي أخطر وأشد وأن الوزارة حتى الآن لا تملك خطة معينة تضمن حماية الطلاب من التأثيرات الفكرية المتطرفة. بالطبع لا يمكن أن تتحول الجامعات إلى قاعات مراقبة، أو يتم الحظر والتشكيك في الأساتذة، أو تبني مواقف افتراضية تنشئ حالاً «مكارثية» لكن المؤسسات العلمية في أي مكان لا تستحيل بيئات حاضنة للأفكار الضدية ما لم تكن متراخية في مهماتها، جاهلة في مسؤولياتها. في أميركا لا يمكن لباحث ينتقد المحرقة اليهودية أن يجد له مكاناً في أية جامعة أو معهد بينما الجامعات السعودية تستقطب الناس من ديارهم وتدفع لهم الأجور من أجل أن يستخدموها منصة ترويج وتحريض. حتى الآن لا أحد يعرف دور «التعليم العالي»، وما الذي تقوم به لحماية موطنها من الاختراقات، خصوصاً في هذا الوقت الحرج مع أنها تحتضن الشباب جميعاً ما يجعلها مسؤولة أمام الأهالي قبل الحكومة. القول إن إيمان حالة خاصة لا يكفي، فمثلها كثر لكن من يعرف ذلك؟ هي لم تعلن عن ذاتها إلا بعد خروجها، فهل تنتظر الجامعات حالات مماثلة لتقرر بأنها حالات خاصة؟ ما الذي يمكن أن يثير «التعليم العالي» لتتحرك وتحصن مؤسساتها؟ وما الذي تنتظره حتى الآن، أم أنها لم تعد قادرة على الحركة؟ المشكلة ليست في إيمان، لكنها في جهل بعض الجامعات عن رؤية داخلها، وإهمال «التعليم العالي» لها، وإن استمر الحال، فلن تكون إيمان سوى البداية، وحينها لن تنفع التصريحات، ولن يكفي الوقت للتصحيح. من يقرأ كلامها أعلاه يدرك أنها غادرت وقد زرعت بويضات قد لا يطول فقسها.
مشاركة :