رأيتك في الطرف الآخر من الطريق، تمشي وعلى محياك الابتسامة التي أحبها فيك. فرحت لك، أسعدني خروجك من أزمتك الموجعة، طرت فرحاً بخروجك من همك. أسرعت الخطى إليك، كأني للمرة الأولى أراك. فجأة فقدَتْ خطوتي عزيمتها. كان القادم شخصاً آخر. لكن، ما زال في خاطري أمل كبير برؤيتك سعيداً كما تخيلتك تلك اللحظة، وعلى الدوام، مقبلاً على الحياة، ومحارباً شجاعاً، مقداماً ومبتسماً في كل الظروف، لهذا قررت أن أزورك. ترددت في البداية، خفت أن أراك حزيناً. على رغم أن الحزن لم يقتل أحداً من قبل، لكنه يجعل الإنسان في حال فراغ وضجر. الحزن قاتل مثل الانتظار، يحرق الوقت، «ويفتّ الحيل»، تباً للحزن. حين التقيتك وجدت أن الحزن نال منك وأرهق صحتك. غيّر مزاجَك، وملامحَ وجهك. صار جليسك، وشريكَ عقلك. سرقَ منك النوم المتصل والهدوء. توارى مزاجك الصافي. خفّت نقاشاتك، ومشاكساتك، وتشتت ذهنك المتقد. لكن المفرح أن الحزن لم يتمكن من روحك. بقيت روحك الصلبة التي أعرفها. صحيح أن الحزن أوجعك، لكنه عجز عن كسرك. هذا سرني، وزاد إعجابي بك. أشهد أنك صبور وحليم. كنتَ تضحك وأنت تبكي في داخلك، تتحدث عن تفاصيل صغيرة وأنت مهموم. الله ما أجمل قدرتك على كتم حزنك ولجمه وتمسكك بالحياة والأمل، كأنك تقول للآخرين، يولد الصبح من عتمة الحزن. لكن، رغم صبرك وتجلدك وروحك الصلبة، ما زلت بين بين، ما زلت قريباً من الحزن وبعيداً منه في آن، ما زلت تكابد سطوته وعنفه؟ ما زال هذا العدو يطوف بك وحولك، ويدعوك للخلوة به، يغريك أنه منقذك وسلواك. يا صديقي العزيز، الحزن زائر جبان، يتسرب مع الأماني الموؤودة، ويهزم الضعفاء. يسطو في الخلوة ويزين اليأس ويمنح طمأنينة كاذبة. الحزن يُفقد الإنسان لذة السعادة، ويقتل النفس بسلاحه المخاتل. تجنب العزلة. تفاءل وامضِ في الحياة، واجه ضجيجها ومراراتها. لا مفر من محاصرة حزنك والانتصار عليه. تمسك بالكثير الذي تملك. استمتع بحب أسرتك ومواهبك الجميلة ونجاحاتك. لا تستسلم لدعوات الإحباط والفشل التي يزينها لك الحزن. اخرج من طوقه اللعين. تعلم النسيان قبل وقته وتمسك بالأمل. لا تستعذب دور الضحية. ارفض هذا الهاجس الموحش. تمرد عليه. تجنب استعذاب الذكريات المؤلمة، وتذكر أن الحزن يفضي إلى اليأس، ويسرق منك الحياة بلا مقابل. «كن ضارياً من وعور من الجبال فأنت الخازمي ورائحة الشيح، أنت المطر». نحن ننتظر انتصارك على حزنك، نحن نراه يلوح لك ولنا.
مشاركة :