تعتبر د. يمنى طريف الخولي أن مفهوم المنهج العلمي من أهم الأفكار التي شهدتها الألف عام الماضية، وأن المنهج العلمي يظل في طليعة المفاهيم التي يمثل استيعابها وتوظيفها وعدا حضاريا أكيدا، بل إن المؤلف يصف المنهج العلمي بأنه أنجح آلية امتكلها العقل في مواجهة الواقع، وحيث يجسد العلم تجليات هذا المنهج. وتؤكد مؤلفة كتاب "مفهوم المنهج العلمي" أن العلم هو أنجح مشروع يمكن أن ينفذه الإنسان، وهو في حد ذاته يعني الطريق الواضح والطريقة الناجزة، كما أنه يعني تمثيل وتجريد للعقلية العلمية والتفكير العلمي لتعبيد الطريق للعلماء في بحوثهم لإنجاز كشوفهم العلمية. وأوضحت بين صفحات كتابها أن المنهج العلمي كان هاجسا ملازما للفلسفة، وأن الفلسفة نفسها كانت في نشأتها مقدمة لظهور بدايات التفكير العلمي ومن ثم التأسيس لهذا المنهج، الذي يعني في جوهره العقلانية التجريبية، كما أنه بالأساس قائم على التفكير النقدي، والتفكير النقدي بمعناه الحرفي هو الحرص على اكتشاف الأخطاء لتصويبها، ويجمع في نفس الوقت بين العقلانية التجريبية والعقلانية النقدية، وأنه لا يمكن الوصول للفرض العلمي عن طريق خطوات رياضية أو علمية مجردة، بل أنه حتى في حالة البحث عن فرض علمي فإنه لا يمكن الاستغناء عن الجانب الإبداعي في هذه المسألة، حيث تعتمد عملية البحث العلمي في جانب منها على إبداع إنساني يأتي من ذكاء القائم بالعملية البحثية وتفاعله مع الحصيلة المعرفية التي بحوزته، وفي نفس الوقت قدرته على ربط الإطار الثقافي العام الذي يعمل به، أي محفزات الإبداع. وعلى ذلك فإن المنهج العلمي يستحث العزم على السير في طريق الإبداع واستغلال قوى الخيال المنطلق، ولكنه الإبداع المسئول والخيال الذي يحسب حسابه بشكل دقيق، ذلك لأن المنهج العلمي يجمع بين العقلانية التجريبية والملكات المعرفية، مع الروح النقدية التقدمية التي تقوم على أساس من التخطيط والتفكير الملتزم. • حقيقة نهائية ومن شروط المنهج العلمي التي يشير لها الكتاب، أن يقوم الملتزم بهذا المنهج بكافة إجراءات البحث الدوءب، مع الأخذ في الاعتبار ما يطلق عليه المؤلف مبدأي (الاحتمالية والنسبوية)، فلا شئ مطلق أو يقيني، كما أنه ليس هناك حقيقة نهائية تتخذ مبررا لكبح انطلاق العقول والسيطرة عليها وفرض الوصاية على حرية التفكير، بحيث يكون المجال دائما مفتوحا للمحاولة العلمية الجادة والهادفة التي تستهدف التقدم والابتكار والاكتشاف. وعلى ذلك فإن المنهج العلمي يفسح دوما المجال للمعرفة والبحث والتقدم، بحيث يكون المجال المفتوح دوما للمحاولة العلمية أو النظرية القابلة للتطبيق والتقدم للأعلى، وبالتالي فلا شئ مطلق أو يقيني. وفي مقاربته حول تعريف المنهج العلمي تحلل الكاتبة الدلالة اللغوية والاشتقاقية للفظة "منهج" من حيث الأصول في اللغة العربية والمقابل في اللغات الأوربية، ثم تنتقل من "المنهج" كلفظة إلى "المنهج" كمصطلح، فتشير إلى أن "المنهج" في اللغة العربية هو الطريق الواضح المستقيم يفضي بصحيح السير فيه إلى غاية مقصودة بسهولة ويسر، ومن هذا الأصل جرى استعمال لفظ "المنهج" ويعني بوجه عام: "وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة"، ونهج نهجا يعني اتخذ منهاجا أو طريقا للوصول إلى غاية. ومن عبقرية اللغة العربية أن لفظ "نهج" أي تلاحقت أنفاسه من شدة الحركة لوضوح الطريق ويسره، ومن هذا الأصل تستعمل اللفظة أيضا على عمومها، فيقال نهج الطريق نهوجا، بمعنى وضح واستبان وصار نهجا واضحا بينا، ونهجته وأنهجته وأوضحته، وأيضا سلكته، والطرق الناهجة هى الطرق الواضحة، والنهج والمنهج: الطريق المستقيم والمنهاج. ويسترشد الكتاب بما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" (سورة المائدة الآية 48). وفي حديث ابن عباس رضى الله عنه يقول: "لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترككم على طرق ناهجة". وقال يزيد بن الخذاق العبدي: ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت ** سبل المكارم والهدي تعدى ومن أهم ما أشار إليه المؤلف هو أن القرآن الكريم يحفل بألفاظ منهجية في المقام الأول، لا تنفصل عن نمط ومهام وسبل التفكير المنتج، من قبيل التعقل، والتفكر، والتفقه، والتبصر، والاعتبار، والتدبر، والنظر، والتذكر، وفي اللغة العربية بصفة عامة فإن "المنهج" هو الطريق والطريقة والأسلوب والوتيرة والديدن والسبيل والمسار والشرعة والطبع والناموس، حيث بات تعبير "منهج البحث" هو الاستعمال الأكثر للفظة المنهج في سياق اللغة التداولية المعاصرة في خطابها المعرفي، حيث يفيد عموم الطريقة، وتتولد منه الإجراءات والأدوات، وتتعلق به المقاصد والقيم الحاكمة. • مسار الحضارة الإنسانية وقد أفرد الكتاب جزءا كبيرا لتناول المصطلح كمنهج فلسفي على وجه الخصوص، ويشير إلى أن الفلسفة كانت قد نشأت وتطورت في منطقة حوض البحر المتوسط وأقاليم متاخمة له على مدى ما يربو من خمسة وعشرين قرنا من الزمان، وقد مثلت الفلسفة الإسلامية حقبة مهمة من حقبها وجانبا من جوانبها، فالفلسفة كانت على الدوام تجريدا وتجسيدا لمسار الحضارة الإنسانية في مراحلها المتعاقبة هى دائما تجريد وتجسيد لمسار الحضارة الإنسانية. وتؤكد الكاتبة في هذا الصدد على أن "المنهج" كمصطلح فلسفي على وجه الخصوص يعني الخروج بالنتائج الفعلية من الموضوع المطروح للدراسة والطريقة المتبعة في دراسة موضوع ما مطروح للدراسة، والطريقة المتبعة في دراسة موضوع ما للتوصل إلى نتائج أو محصلة عامة. والمنهج في الفلسفة أيضا هو فن ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا بحيث يؤدي إلى الكشف عن حقيقة مجهولة والبرهنة على صحة حقيقة معلومة، وعلى هذا فلم يخرج التعريف الفلسفي لمصطلح المنهج عن التعريف المعمول به في غيره من فروع العلوم الإنسانية. يذكر أن كتاب "مفهوم المنهج العلمي" للدكتورة يمنى طريف الخولي، صدر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، ويقع في نحو 220 صفحة من الحجم المتوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
مشاركة :