يشير ظهور الحركات القومية والشعوبية في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى، إلى وجود توجهات قبلية في الغرب آخذة في الظهور والصعود، حيث توجه هذه الحركات الشعبوية عداءها نحو المهاجرين والعولمة بصفة عامة. وكما هو الحال في جميع أشكال القبلية تشكل هذه الحركات خطرا كبيرا على الافراد، فاتباعها ملزمون بإظهار الولاء للقبيلة ولرئيسها، وبما أن القبيلة لا تقبل أي خروج عليها فإن الأحزاب قبلية التوجه غالبا ما تحدث فيها انشقاقات وتتحول الى فصائل متنافسة ومتصارعة. وهناك أكثر من تفسير للاسباب، التي ادت الى بلوغنا هذه الحقبة من السياسة القبلية، فبالنسبة لكثيرين تكمن جذورها الرئيسة في عدم المساواة الاقتصادية، ففي الوقت الذي اصبح الاغنياء أكثر غنى، ترك العمال من ابناء الريف والفقراء بصفة عامة ليدافعوا عن انفسهم في مواجهة قوى العولمة والمهاجرين واللاجئين، الذين يستولون على الوظائف. وحتى لو استفادت بعض الجماعات والاقاليم من العولمة اكثر من غيرها، فإن ذلك لا يعطي تفسيرا مقنعا للسياسات القبلية الصاعدة وإن كان لانعدام العولمة تأثيره في مناطق بعينها. ومن الجدير بالذكر هنا هو أن معظم الناخبين، الذين صوّتوا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما كانوا فقراء، كما أنهم ليسوا من ذوي الياقات الزرقاء، وانما يعيش معظمهم في المناطق الطرفية والمدن الصغيرة، التي كانت فوائد العولمة فيها غير محسوسة ولم تواجه ارتفاعا بالاسعار، وفي هذه المناطق الريفية نفسها كان الانقسام مؤكدا في كل بلد شهد صعودا للشعبوية القبلية في السنوات الاخيرة. اضف الى ذلك لو اعتبرنا العولمة وبصفة خاصة الهجرة احد الدوافع، التي تؤدي لعدم المساواة، فكان ينبغي أن تتحول المدن الكبيرة التي يتقاسم فيها اللاجئون والمهاجرون والمجتمعات الفقيرة نفس المكان الى ساحة اضطرابات سياسية، ومع ذلك نلاحظ ان الاحزاب القومية والشعبوية في النمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة وأماكن أخرى تسعى للحصول على انصار وعضوية لها خارج المدن الرئيسة. وما من شك في أن العولمة والهجرة يمكن أن تكونا بين مسببات الضغوط السياسية، لكن جذور السلوك الانتخابي المحركة للناخبين اليوم توجد في ثلاثة تطورات مترابطة ببعضها. اولها ان ميول المواطنين في المجتمعات الغربية اصبحت اليوم تدريجيا اكثر فردية واقل تنظيما سياسيا. أما الاعتبار الثاني، فهو أن المزاعم الزائفة بأن الحصول على درجة في العلوم الإنسانية يعتبر أقل قيمة من الحصول على درجة في التكنولوجيا والهندسة والرياضيات والعلوم في سوق العمل في القرن الحادي والعشرين لا يبشر بخير للديمقراطية الليبرالية حتى تتمكن من اداء وظيفتها. في حين يأتي الاعتبار الثالث امتدادا للثاني، وهو الزيادة المستمرة في تسويق التعليم العالي وتحويله الى سلعة في العقود الأخيرة، حيث اصبحت برامج الجامعات التي تتنافس وتتسابق للحصول على الاعتراف بها وعلى اثبات ذاتها متشابهة بشكل متزايد. المصدر: بروجيكت سنديكيت
مشاركة :