رحيل سراج عمر.. رُبّان ألحان الأغاني الذهبية

  • 2/9/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كتب: عبدالعزيز الشعباني ورحل سراج الأغنية السعودية الذي أضاء كثيراً من العتمة في أركانٍ كثيرة للأغنية السعودية منذ عقود طويلة، رحل الموسيقار سراج عمر بعد صراعٍ مع المرض وعن عمرٍ ناهز الثانية والسبعين، أكثر من سبعين أغنية كان هو رُبّان تلحينها الأسطوري ليشدو بها فنانٌ من أهرامات الأغنية السعودية الراحل طلال مداح، وثلاث أغنياتٍ صدح بها محمد عبده لتشكل علامات فارقة في الأعمال الخالدة لفنان العرب رغم قلتها، اسم سراج عمر، ومع رحيله، رُدد كثيراً في التواصل الاجتماعي مقروناً بالأغنية الوطنية الخالدة (بلادي بلادي منار الهدى) والتي قيل إنها كانت منافسة ل (سارعي للمجد والعليا) كي تصبح النشيد الوطني للمملكة. (يا حبيبي آنستنا) (مقادير) (أغراب) (مرتني الدنيا) (من فينا يا هل ترى).. وغيرها الكثير من أغنيات لاتزال ترددها ألسن الناس في الخليج العربي كان من «زخرفها» موسيقياً وجعلها سهلةً وجميلةً على الألسن سراج عبدالقادر العمودي الشهير ب سراج عمر الذي غيّره بنفسه في بداياته لوجود أشخاص يحملون نفس الاسم من الأسرة. مجال التلحين بالصدفة يقول الموسيقار سراج عمر عن قصة دخوله عالم التلحين: كنت في منزل الفنان محمد عبده الذي هو بمنزلة ابني وأخي الأصغر، فقلت له: أتمنى أن ألحّن لك أحد الأعمال، وكنت وقتها لم ألحن سوى عمل بسيط وصغير جداً لأحد المغنين، فأعطاني ورقة فيها (يا حبيبي آنستنا) فقلت له خلال ثلاثة أيام ستكون جاهزة، وفي الموعد ذهبت إليه فسمعها مني ثلاث مرات كل مرة يطلب مني إعادتها وأنا لم ألحن سوى كوبليه واحد فقط، فسألني عن الباقي فقلت له أحتاج وقتاً، ثم استعجلني فيها وكان سعيداً جداً باللحن فكانت هي البداية الحقيقية في مشواري في عالم التلحين. الملك فهد و(منار الهدى)! كانت لهذه الأغنية (منار الهدى) قصةً مع الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- يرويها الفنان محمد سلامة الذي لازم سراج عمر لسنوات طويلة على لسان الأخير، بقوله: «لم تكن أغنيتي (بلادي منار الهدى) لتنجح لولا الملك فهد، فلقد أخذت الكلمات من شاعر مصريّ وأعجبتني نوعاً ما ولحنتها على الفور، وكنت أعتقد أنها أغنية متوسطة فغنيتها بنفسي ولم أعطها لأحد من الفنانين، وتمت إذاعتها في الراديو من ضمن مئات الأغاني ونسيت الموضوع، لكنه صادف وأن سمع الملك فهد هذه الأغنية، فاتصل بي ودامت المكالمة ٣ ساعات كاملة جميعها عن الفن والموسيقى، وما أن انتهت المكالمة حتى صدرت أوامر الملك ببثّ الأغنية بشكلٍ مكثف في الإذاعة والتلفزيون، وأصبح كل سعودي يرددها حتى أوشكت أن تكون نشيداً وطنياً».. الموسيقار سراج عمر ورغم أن انطلاقته الحقيقية بدأت عندما غنى له محمد عبده عام 1966م في الأغنية الشهيرة (ياحبيبي انستنا) إلاّ أنهما لم يتعاونا كثيراً بعد ذلك، وبالمقابل شكل سراج عمر مع المطرب الراحل طلال مداح ثنائياً متجانساً أثمر عن أكثر من سبعين أغنيةً خلال عدة عقود، كانت الأغنية الأبرز على مدى هذه العقود أغنية (مقادير) التي لا يزال يرددها الكبير والصغير ويتناقلها الفنانون المبتدئون محاولين البروز من خلالها، وهي في ذاكرة الكثير تمثل الأغنية الأهم التي تحاكي الوجدان والمشاعر والذكريات القديمة. موعد مع عبدالحليم حافظ! كان من المنتظر أن يغني العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ أغنية «أنادي» من كلمات الأمير محمد العبدالله الفيصل، وألحان سراج عمر، وسمع اللحن واتفقا على أن يغنيه بعد عودته من رحلته العلاجية، وكانت تربط الموسيقار بعبدالحليم حافظ علاقة وطيدة، يقول سراج عمر: «عندما سافر عبدالحليم يكمل علاجه، احتضنا بعض ودموعنا على أكتافنا لأني شعرت أنني لن أراه مجدداً، وفعلاً ذهب وتوفي في لندن»، ثم غنى الفنان طلال مداح تلك الأغنية. يعتبر سراج عمر صاحب أول أوبريت وطني من ألحانه يدخل دار الثقافات العالم في فرنسا وهو أوبريت (التوحيد) الذي صُدح به في افتتاح المهرجان الوطني للجنادرية عام 1994م من كلمات الأمير الشاعر خالد الفيصل وأداء محمد عبده وطلال مداح وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد وعبدالله رشاد، وقد دُرّس هذا الأوبريت بألحانه في 9 جامعات عالمية. صاحب فكرة جمعية الثقافة والفنون يحسب للموسيقار الراحل أنه صاحب فكرة إنشاء جمعية الثقافة والفنون السعودية التي تنتشر فروعها حالياً في مختلف مناطق المملكة، قال في حوارٍ له عن ذلك: «رفعت الفكرة للرئيس العام لرعاية الشباب المغفور له بإذن الله الأمير فيصل بن فهد، وطلب ناصر بن جريد، وقال له: اذهب وسلّم على سراج عمر وقل له فيصل بن فهد لا يقبل الأفكار، بل الجدوى من هذه الأفكار»، وأضاف سراج عمر: «جاءني ناصر بن جريد وجلسنا سويةً في أحد الفنادق 3 أيام لعمل دراسة الجدوى التي خرجت مكونةً من نحو 300 صفحة وآخر صفحة كانت إنشاء مجلة الفنون». في حوار له مع القناة الثقافية السعودية كشف سراج عمر بأنه يحتفظ بجميع أعماله الفنية طوال مشواره الذي يمتد إلى 50 عاماً في جهاز «آيباد» صغير، إضافةً إلى «هارد ديسك»، وقال خلال الحوار عن الجهاز: «هو عبارة عن مخزن فيه كل أعمالي اللي سويتها من بداية حياتي، يعني أعمال 50 سنة موجودة فيه، فلو أحب أسمع أضع (الهيدفون) وأسمع بيني وبين نفسي وأتنقل فيه عبر ذاكرة الجهاز، ويوجد فيه ساعتان من التراث الشعبي القديم». نهاية محزنة لمكتبة فنية عريقة قام سراج عمر قبل سنوات وبشكل مفاجئ بجمع كل ما تحتويه مكتبته الفنية من أعمال سمعية وبصرية ومكتوبة وألقاها في مرمى نفايات أمانة مدينة جدة، وسط مطالبات الكثيرين من الذين اطلعوا على الأمر ولم يأبه بتوسلاتهم أو يستجيب لها. وأقدم عمر على تصرفه هذا بعد معاناة شديدة وضغوطات مكثفة متعددة حاول أن يحتويها ويعالجها ويسيطر عليها طوال سنوات مضت لكنه لم ينجح، ونتج عن ذلك اعتزاله التلحين الموسيقي ما عدا الأعمال الوطنية (حسب قوله). عضويات متعددة سراج عمر له عدة عضويات مختلفة نال شرفها عبر مشواره الفني العريق، فهو عضو مؤسس في اتحاد الفنانين العرب، وأول عضو سعودي سجلته جمعية المؤلفين والملحنين في باريس، وعضو في المجمع العربي للموسيقى. أول رفيق، والنعي الأخير في يوم وفاته، نعى الفنان الكبير محمد عبده الموسيقار سراج عمر بتغريدةٍ عبر حسابه الرسمي في تويتر قال فيها: «ببالغ الأسى والحزن أنعي أخي الموسيقار القدير سراج عمر، وأتقدم بخالص التعازي لنفسي ولأسرته الكريمة والأسرة الفنية، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويجعل مثواه الجنة وأن يغفر لنا ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه و«إنَّا لله و إنَّا إليه راجعون».

مشاركة :