«على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ»

  • 2/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مي السكري|منصور العنزي من الظلام يولد الفجر المضيء، ومن قلب الآهة تنبت وردة صادحة بالحب والفرح، ومن اليد المقيّدة تفر تلويحة أمل وطموح تقول للناس: أنا قادرة على الوصول إليكم، رغم القيد، وأشعر بنبض قلوبكم رغم الوثاق، ومن العين الكليلة تنبثق طاقة ضوء هائلة ترسم حلماً وتُعلي أملاً وتحادي روحاً حالمةً بالتميّز وحفر كينونة في الحياة. إنها حكايات ممتدة لا تنتهي لأصحاب الطموح الذين هزموا إعاقتهم الجسدية بالعزيمة القوية، واستطاعوا تحقيق منجز ملموس بالموهبة والإبداع، وعلى طريق العباقرة الذين هزموا إعاقتهم ساروا، وعلى خطى المبحرين في دنيا الأمل والأمنيات حفروا دربهم الفسيح، واستلهموا الإبداع بنور البصائر فصدق عليهم قول المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ. إنهم موسيقيون ومبدعون موهوبون بالفطرة يتمتعون بمهارات متنوعة، ولم تمنعهم إعاقتهم البصرية من ممارسة هوايتهم ليبدعو ببصيرتهم حتى أجادوا فنون العزف والإخراج والتأليف والتقديم الإذاعي بمشاعرهم المرهفة وأذنهم الموسيقية وأثبتوا أن «الفن والإبداع لا تعيقهما إعاقة، وليسا حكراً على المبصرين». القبس التقت بعض المكفوفين، ممن يتمتعون بمواهب فنية وأدبية حطمت قيود الإعاقة بسلاح الإرادة والعزيمة، حيث أكدوا أن الكويت بيئة حاضنة للإبداعات الفنية والأدبية من ذوي الإعاقة بشكل عام، والإعاقة البصرية على وجه الخصوص، مشددين على ضرورة دمج الكفيف في شتى المجالات الإبداعية التي يعمل بها المبصر؛ لتعزيز ثقته بذاته وإمكاناته وقدراته الشخصية.في حين أشار بعضهم إلى أن المكفوفين من ذوي المواهب ينقصهم الدعم والتوعية الإعلامية بطاقاتهم وإبداعاتهم وحقوقهم، مطالبين بتوفير دورات تدريبية وتأهيلية، فضلا عن المعينات الصوتية والكتب بطريقة برايل؛ لتساعدهم على الإبداع والاطلاع على التجارب والخبرات الأجنبية والعربية.لا حواجز«الفن لا تعيقه حواجز ولا يعترف بالإعاقة».. هكذا لخّص الملحن منصور العنزي مسيرته الفنية التي تشبه إلى حد كبير مسيرة الموسيقار المصري الراحل عمار الشريعي، حيث وُلد كفيفا، وتحدى إعاقته البصرية، حتى نبغ في التلحين والعزف الموسيقي وأبصر النور بالألحان وأنغام «البيانو».واكتشف العنزي الذي تدرج في الموسيقى منذ طفولته، موهبته بمساعدة معلميه في المرحلة الابتدائية، وعندما بدأ التعليم الجامعي التقى عدداً من الزملاء ممن يشتركون معه في الموهبة الفنية ذاتها، ولكنهم يعزفون على آلات موسيقية مختلفة، ساعدته على اكتساب خبرات جديدة.وقال العنزي: إنه بدأ بتأليف بعض المقطوعات الموسيقية البسيطة خشية عدم إعجاب المستمعين بمقطوعاته في البداية، مضيفاً: وفي عام 1997 تم تعييني في مدرسة النور معلما للغة الإنكليزية، ولحنت بعض الأغاني الوطنية للطلبة باللغتين العربية والإنكليزية وفوجئت بردود فعل مشجّعة، مما أعطاني دافعاً على المواصلة.وعن آلية التلحين، قال العنزي إنه يعتمد على الحس الفني، والأذن الموسيقية، ولا يستخدم «النوتة» في التلحين، كما يقوم بتدريب الطلبة على غناء «الأوبريتات» عن طريق حاسة السمع، مشيرا إلى التحديات التي واجهته في البداية، كأي ملحن مبتدئ، ولكن سرعان ما تغلّب عليها بالإرادة والتصميم على المواصلة.عالم التلحينواسترسل بالقول: بعد ذلك انتقلت إلى مرحلة جديدة في عالم التلحين، حيث لحنت مجموعة من الأغاني الخاصة بذوي الإعاقة، من بينها أغنية «أبطال من ذهب»؛ من كلماتي وألحاني وغناء الفنانة نوال الكويتية، وتوزيع عمار البني، مضيفا: «وبعد هذا التعاون مع الفنانة نوال ودعمها لي، اتجهت الى تلحين «الأوبريتات» الوطنية، وكان ذلك بتشجيع الموزّع عمار البني، الذي عرّفني بالفنانين والجمهور».وزاد بالقول: انضممت إلى جمعية المكفوفين التي احتضنت موهبتي وبذلت أقصى درجات الرعاية، من خلال تكليفي تلحين الأوبريتات الوطنية الخاصة بالجمعية وبالملتقيات العربية، مشيرا إلى أنه بدأ في السنوات الثلاث الأخيرة بتلحين الموسيقى التصويرية للأفلام الوثائقية والأعمال المسرحية، من خلال رعاية وزارة الشباب،الكتابة إحساس «الكتابة والتأليف إحساس وموهبة، والإنسان هو الذي يقدّم موهبته للمجتمع، رغم كل القيود»، بهذه الكلمات لخّصت منى العازمي رحلتها الأدبية التي اكتشفتها منذ أواخر المرحلة المتوسطة عندما كانت تستهوي كتابة الجمل المسجوعة وتهديها لزميلة الدراسة حنان؛ لتحتفظ بها. وواصلت العازمي مسيرة الكتابة في المرحلة الثانوية، حيث كانت تكتب خواطر شعرية، ومن ثم اتجهت إلى كتابة الأوبريتات الغنائية، والتي يغلب عليها الطابع الوطني، وبدأت بأوبريت «بر وبحر» مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 2008، وبعدها كتبت أوبريت «الخليج» وأوبريت «رحلة كفاح» في عام 2009 الذي تناول مسيرة حكام الكويت.  ولَم تكتف بذلك، بل قامت بكتابة أوبريتات الفعاليات التي تقيمها جمعية المكفوفين، منها أوبريت أرض العروبة في عام 2013 وأوبريت «الأم» الذي أقيم في احتفالية الأم المثالية لمركز الخرافي للطفل 2014، وآخرها أوبريت «فبراير يجمعنا» 2015.ولفتت إلى إبداعاتها المسرحية، وأهمها مسرحية «عذوبة العروبة» 2013 التي قام بأدائها طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن إخراج المخرج عبد المحسن العمر، إلى جانب مشاركات شعرية وكتابات صحافية ومشاهد مسرحية قصيرة متفرّقة تستهدف الوطن ووضع الكفيف في المجتمع، آخرها مسرحية بعنوان «هل انتهى من لا يرى؟». وحول آلية الكتابة، أوضحت العازمي أنه في السابق كانت تستخدم اللوحة الخاصة بالمكفوفين وقلمها المسماري، ورغم تواضع امكانياتها، فإنها هادئة، مما يهيّئ لها جو الكتابة، والآن تستخدم «اللابتوب». تعاون الفنانين أثنى العنزي على تعاون وتجاوب زملائه الفنانين والموسيقيين المبصرين الذين وقفوا بجانبه ودعموا موهبته، لافتا إلى آخر أعماله الموسيقية المتمثّلة في أوبريت لمدارس التربية الخاصة تحت عنوان «راية نجاح» مع الفنانين ابراهيم دشتي وعلي عبدالله ومروى الصغير، إلى جانب تلحين الأناشيد للمنشدين ابراهيم السعيد ومحمد الحسيان. عازف «الكلارينت» أبهر لجنة تحكيم «جوت تالنت» عبداللطيف غازي: أعزف بإحساسي وأذني الموسيقيةعبد اللطيف غازي بروح التحدي والصمود، أبدع عازف «الكلارينت» الكفيف عبداللطيف غازي في الجمع بين الرياضة والموسيقى، لتنتصر الموهبة على إعاقته البصرية. ونجح غازي ــــــ الذي فقد بصره تدريجيا وهو في الثامنة من عمره؛ نتيجة الجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة، مما أدى إلى انحراف الشبكية وانفصالها ـــــ في إبهار لجنة تحكيم برنامج اكتشاف المواهب (النسخة العربية) «أراب جوت تالنت» بعزفه المبكي ببراعة وإحساس راق، حتى حصل على الباز الذهبي الاستثنائي. «فقدت بصري وأعزف بأذني الموسيقية».. هكذا بدأ عبداللطيف غازي حديثه، مؤكدا أن الإعاقة لا تعيق الموهبة، وأن الإرادة والثقة بالنفس من أهم عوامل النجاح والإبداع، معتبراً أن الكويت من الدول السبّاقة في دعم الموهوبين والفنانين من ذوي الإعاقة، وأن كل سبل نجاح الموهبة متوفّرة في البلاد، مشيدا بقبول المعهد الموسيقي للطلبة المكفوفين واحتضان مواهبهم الفنية. وحول آليه العزف، أوضح غازي أنه يعتمد على حاسة الأذن في ترجمة المقطوعات الموسيقية، إلى جانب تدريب صقل وتنمية موهبته، من خلال التدريب الذاتي والحصول على دورة تدريبية لمدة اسبوعين في تركيا . وإلى جانب موهبته الموسيقية التي اكتشفها عام 2010، لدى غازي اهتمام رياضي أيضا، حيث نال ميدالية عالمية في لعبة الجودو في بطولة أميركا عام 2009 إلى جانب فوزه في البطولة العالمية لكرة الهدف للمكفوفين العام الماضي التي أقيمت في السويد، وتحدث غازي عن مشاركاته في حفلات موسيقية عدة، أقيمت في الكويت والخليج ومانشستر، وآخرها مشاركته الفنانة نوال الكويتية في حفلات «هلا فبراير» 2018، كاشفا عن استعداده للمشاركة في حفلات مدريد وكلورادو في أميركا، بالإضافة إلى التجهيز لــ «ألبوم» جديد خلال هذا العام، بالتعاون كبار الفنانين في الوطن العربي. مريم البغلي أول مخرجة مونودراما في الخليج: قدمت مسرحية اعتمدت فيها على المؤثرات الصوتيةمريم البغلي صاحبة تجربة ملهمة، قهرت الظلام ببصيرتها، ترى من حولها بحواسها الأخرى، ويحركها حسها المرهف، وقدرتها الفائقة على استشعار كل ما حولها، وترشدها نبرة الصوت إلى تعابير الوجه وأداء الممثل.. صورة جسّدتها مريم البغلي وهي أول مخرجة كويتية كفيفة تصدت لإخراج مسرحية مونودرامية في الخليج والوطن العربي، وأول مذيعة كفيفة حاصلة على رخصة دورة المذيعين رسمياً من قبل وزارة الإعلام. طموحها جعلها تصمم على خوض تجربة الإخراج المسرحي لتتحدى إعاقتها البصرية، وتطور قدراتها وتكتسب المزيد من الخبرات. وتمثلت باكورة أعمالها في إخراج المونودراما المسرحية «مقهى الدراويش» عام 2007، من تأليف وتمثيل المخرج عبدالعزيز الحداد. وقالت البغلي إن المخرج الحداد اكتشفها وطرح عليها فكرة إخراج المسرحية التي اعتمدت على المؤثرات الصوتية وخيال المخرج الكفيف. وزادت بالقول: كنت أتردد على المسرح لحضور البروفات، وأستخدم جهاز الحاسوب لمساعدتي على متابعة المؤثرات الصوتية في البروفات والعروض، مضيفة «كانت نبرات الصوت وإحساسي بطريقة الأداء هما دليلي لتقييم الأداء الحركي للممثل، إلى جانب الاستعانة بخبرة المشرف العام على المسرحية ناصر حيدر». ولفتت إلى تباين ردود فعل الفنانين والجمهور العربي والخليجي تجاه تجربتها الإخراجية، ما بين الإعجاب والدهشة، مشيرة إلى عرض المسرحية في مهرجان الشباب عام ٢٠٠٧، على متن إحدى العبارات البحرية في الكويت، وكذلك في مهرجان الفجيرة للمونودراما، فضلاً عن ترجمتها إلى اللغة الفرنسية. وأشارت البغلي إلى أنها تحرص على قراءة الكتب الخاصة بالمسرح، للاطلاع على المصطلحات الخاصة بالفن المسرحي، والحصول على المعلومات، كما أنها تسجل البروفات وتدوّن الملاحظات من خلال جهاز التسجيل واللاب توب. وعرجت البغلي على الحديث عن تجربتها الإعلامية، لافتة إلى أنها التحقت بالدورة التأسيسية الخامسة للمذيعين الجدد التي أقامتها وزارة الإعلام، وحصلت على المركز الأول، مما أهلها لدخول الوسط الإعلامي والعمل كمذيعة رسمية في وزارة الإعلام. سحر العجمي أول كفيفة تحترف الغناءالعجمي تشارك حسين الجسمي الغناء في هلا فبراير حُرمت نعمة البصر ولَم تفقد البصيرة، وعوّضها الله تعالى بصوت شجي لتطلق العنان لحنجرتها في خدمة الوطن، وليكون بارقة أمل لأقرانها من ذوي الإعاقة الموهوبين.. إنها سحر العجمي أول كفيفة كويتية تحترف الغناء. «هزمت الظلام بنور صوتي وبإيماني بموهبتي».. هكذا استهلت العجمي حديثها، الذي لم يخلُ من الأمل والإرادة، مشيدةً بدعم أسرتها لها ولفنها. وذكرت أن موهبتها الغنائية ظهرت منذ كانت في العاشرة من عمرها، ورغم أنها لم تدرس الموسيقى، فإنها تعتمد على حسها الفني في صقل موهبتها بجانب حسن استماعها إلى الأغاني وإجادتها حفظ الألحان. ووفق قولها، فإن عزيمتها الصلبة أذابت كل العوائق التي واجهتها، وكانت لها مشاركات غنائية مع كبار الفنانين في الأوبريتات الوطنية، لافتة إلى أن المكفوفين ينقصهم الدعم المعنوي والمجتمعي وكذلك التوعية الإعلامية بمواهبهم . كتب «برايل» «الإبداع والموهبة يحتاجان إلى توفير كتب مطبوعة بطريقة برايل أو كتب صوتية في مختلف المجالات؛ لتكون في متناول المكفوفين ومساعدتهم على الاطلاع عليها».. هذا ما أكدته مريم البغلي، لافتة إلى أن عدم توافر هذه الكتب يجعل الكفيف يتحمّل التكاليف الباهظة لطباعتها بطريقة برايل أو تسجيلها صوتيا.. شركات الإنتاج انتقد منصور العنزي عدم وجود شركات إنتاج تهتم برعاية الملحنين الشباب الجدد ودعمهم، مثلما كان في السابق، فضلا عن اختلاف آلية الانتاج الفني مقارنة بالسابق، والتي بدأت تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل كسب قاعدة جماهيرية عريضة. جائزة تشجيعية.. وأجهزة تعويضية طالَب العنزي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بتخصيص جائرة تشجيعية للمبدعين من ذوي الاعاقة في المجال الفني. وناشد الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة توفير الأجهزة التعويضية الخاصة بالمكفوفين، لتعينهم على مواصلة تعليمهم بشكل عام وتعلم «النوتة الموسيقية» بطريقة برايل بشكل خاص، حيث إن تكلفة الأجهزة المساعدة على تعلم «النوتة» بطريقة برايل مكلفة.  مسابقات المواهب تمنّى منصور العنزي على وزارة الاعلام الاهتمام بالملحنين الشباب، لا سيما المكفوفين، من خلال تنظيم مسابقات تنافسية لاكتشاف ذوي المواهب والمبدعين، فضلا عن إشراك الموهوبين المكفوفين في الحفلات الغنائية للأعياد الوطنية والمهرجانات لدمجهم وإعطائهم الفرصة لإثبات ذاتهم. «هلا فبراير»: لا دخول لذوي الإعاقة إلا بتذاكر عبر سفير المعاقين عبدالكريم العنزي في تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر، عن استغرابه عدم السماح له بالدخول إلى حفلة الفنانة نوال الكويتية والفنانة شيرين إلا بتذكرة الدخول. وقال «صدمت بهذا المنع، فقد عودنا مهرجان فبراير الذي يقام سنويا في صالة التزلج على توفير مقاعد مخصصة للجمهور من ذوي الإعاقة وتقديم التسهيلات والضيافة مجانا». وأضاف: نطالب بالسماح للمعاقين بدخول الحفلات بلا تذاكر.

مشاركة :