هل يسير الإعلام الروسي على النمط السوفياتي؟

  • 2/9/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نيويورك – جوزيف براودي** زيارة بوتين الخاصة إلى استوديو «آر تي» العربية حظيت بنسبة مشاهدة عالية على موقع «يوتيوب» * وجد كل طرف من القوى العظمى في الحرب الباردة، طريقة لاستخدام برامجه الإذاعية خارج نطاق التواصل مع الجمهور. * المديرون التنفيذيون في بعض أكبر الإذاعات والمنشورات الأصلية يعملون من تلقاء أنفسهم لتعزيز ثقافة الخطاب المدني والمبادئ المتساوية وسيادة القانون. * الأميركيون سيعملون على دعم القيادة المحلية في كفاحها ضد وسائل إعلام مضللة في إطار نهج منسق في أواخر العام الماضي، كتب العالمان المهتمان بالشؤون الروسية وهما ميتشيزلاف بودوزينسكي (Mieczyslaw Boduszynski) وفيليب بريدن (Philip Breeden)، مقالاً لمركز الدبلوماسية العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا، وصفا فيه التحدي الذي تشكله حملات التضليل الروسية على الولايات المتحدة في الداخل والخارج. وأشارا إلى أن الاتحاد السوفياتي وجد صعوبة في الماضي «في الحصول على الدعم للتضليل في وسائل الإعلام الأميركية أو الغربية السائدة، أما اليوم فيستطيعون نشر مثل هذه القصص مباشرة عبر الإنترنت». وبالإضافة إلى استغلال الانقسامات بين الأحزاب اليسارية واليمينية في الولايات المتحدة، لاحظا أن موسكو تستغل المشاعر المعادية للولايات المتحدة على الصعيد العالمي لإضعاف العلاقات بين الولايات المتحدة والقوى الخارجية. واقترح مؤلفا المقال أنه من بين التدابير المضادة الأخرى، يجب على الأميركيين دعم برامج تطوير وسائل الإعلام في البلدان التي تفتقر فيها الصحافة إلى المصداقية. كما وصفا إضافة تعليم التفكير الناقد داخل الولايات المتحدة وفي الخارج، للمساعدة في وقاية الجماهير من التلاعب العاطفي والأخبار الملفقة. وستواجه هذه النصيحة السليمة اختباراً صعباً بشكل خاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعمل فلاديمير بوتين على تقويض تحالفات واشنطن العربية وتوسيع نفوذه الخاص. وكجزء من جهوده، فإن قناة «روسيا اليوم» (آر تي) العربية تشوه سمعة الولايات المتحدة على مدار الساعة وتروج التاريخ المحرّف لأعمال موسكو في المنطقة، وتعزز عبادة الرئيس الروسي. وتفعل القناة ذلك بطريقة لافتة للنظر ومصممة خصيصاً لحساسيات المنطقة، والملايين يتابعونها بكثب.«آر تي» العربية وسيلاحظ طلاب الدعاية السياسية على النمط السوفياتي الذين يتابعون قناة «آر تي» المواضيع المألوفة والتكتيكات المعتمدة لأغراض الشرق الأوسط. أجريت مثلا مقابلة مؤخرا مع جنرال روسي متقاعد، استذكر فيها استقباله بالزهور عندما غزت قواته أفغانستان في عام 1979. واستخدمت هذه القصة غير الصحيحة لعكس الفكرة السائدة بأن موسكو جلبت الخراب إلى البلاد. كما مهدت لرواية «آر تي» الأوسع نطاقاً حول المشروع الإمبريالي الأميركي، الذي قدمته القناة على أنه المصدر الحقيقي لعدم الاستقرار في المنطقة. وتم ذكر هذه الرسالة أيضاً في برنامجٍ حواري حديث نقل فيه مواطن روسي آخر يتحدث اللغة العربية بفصاحة الحكمة الدينية لفلاديمير بوتين رداً على تحذيرات من ضيفه بشأن خطر «التوسع الأميركي». وساعد مقطع فيديو منفصل عن زيارة بوتين الخاصة إلى استوديو «آر تي» العربية، والذي حظي بنسبة مشاهدة عالية على موقع «يوتيوب»، على إضفاء الطابع الشخصي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين. وأضافت مؤثرات خاصة مذهلة – تتضمن الألعاب النارية لتحية بوتين وصورة ثلاثية الأبعاد لطائرات تقصف استوديو «آر تي» – الحياة والنكتة الساخرة إلى العرض.مصادر الأخبار بسبب هذه العروض، حظيت «آر تي» العربية بشعبية كبيرة في البلدان العربية المحورية، وخاصةً بين السكان الشباب المتنامين في المنطقة. على مدى السنوات الأربع الماضية، استخدمت خدمة ترتيب مواقع الإنترنت «أليكسا» لمقارنة شعبية «آر تي» العربية مع منافسيها على الإنترنت. كان صادماً على الرغم من أنه ليس مستغربا أن القناة بين أول خمسة مصادر للأخبار الدولية الأكثر شعبية في المناطق التي يهيمن عليها الأسد في سوريا، فالكثير ممن يعيشون هناك يعتبرون بوتين وقواته المسلحة المنقذين. ولكن حتى في مصر ذات الأغلبية السنية، تتمتع القناة بالملايين من المشاهدين أيضاً. وفي يناير (كانون الثاني) 2017. تخطت القناة منافستها الأميركية وهي قناة «الحرة» في مصر بعامل من عشرة إلى واحد. (واستشهدت قناة «آر تي» الشهر الماضي ببوابة التحليلات «سيميلارويب» لتدعي أنها قد تخطت «العربية» و«الجزيرة» بالإضافة إلى منافسيها الأجانب البارزين مثل قناة «بي بي سي». ولا يزال هذا الادعاء الذي انتشر منذ ذلك الحين في دوائر الدبلوماسية العامة الأميركية مشكوكاً به، ولكنه ليس بعيداً عن التصديق). ما الذي يفسر شعبية «آر تي»؟ تحافظ قناة «الحرة»، وهيئة الإذاعة البريطانية، وغيرها من البرامج الإذاعية الأجنبية على التزامها بالإنصاف والمنطق – وهو عيب يكمن ضد منافس غير مثقل بالحقيقة التي تدفع بنظريات المؤامرة التي يفضي إليها كثير من المشاهدين. ولكن عندما طلبت من المشاهدين في القاهرة شرح سبب اجتذابهم للقناة، قدموا المزيد من التوضيحات. وقال الكثير منهم إنهم لا يشاهدون التلفاز بحثاً عن الموضوعية فهم يفضلون استخلاص التقرير بأنفسهم عن طريق الانتقال من بث لآخر والتدقيق من خلال الروايات المتضاربة بحثاً عن الحقيقة. وبالنسبة لهم، تعتبر وسيلة الإعلام التأييدية الخام مصدراً مفيداً للشهادة أكثر من القنوات العادلة ذات وجهة النظر الحاذقة مثل قناة «الحرة». وهناك عامل آخر ذكروه وهو تقدير روسيا كقوة تدعم حلفاءها. وقال رجل الأعمال محمد أنور السادات إن «الكثير من المصريين قد لا يحبذون اختيار روسيا لأصدقائها ولكنهم يعربون عن إعجابهم بولاء روسيا لهم في الظروف الحالكة. يريد المصريون هذا النوع من الصداقة أيضاً».القوة الناعمة وصوت أميركا وتزداد شعبية قناة «آر تي» بسبب الإرث متعدد الأجيال من القوة الناعمة التنافسية الروسية في الأراضي العربية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حافظا على البث العربي، فإن الأخير استثمر في خدمة إذاعة «موسكو» العربية أكثر من استثمار الولايات المتحدة في إذاعة «صوت أميركا». ورضيت واشنطن، التي تهتم بالدرجة الأولى بمواجهة هيمنة موسكو الإعلامية على أوروبا الشرقية، بخط رفيع نسبياً من الاتصال في الشرق الأوسط العربي: البث المرتفع لنخب المؤسسة، وعادة ما يبث بضع ساعات فقط في اليوم، وأحيانا لا يبث على الإطلاق. وفي المقابل، عملت موسكو على كسب جماهير تغطي الطبقات الاجتماعية الاقتصادية في المنطقة. وتتجلى الأولويات المختلفة للطرفين أيضاً في الموظفين في البرامج الخاصة بكلٍ منهما. فقدمت إذاعة «موسكو» مقدمي برامج روسيين يتكلمون اللغة العربية بفصاحة – إشارة إلى التزام الاتحاد السوفياتي بالعالم العربي – بفضل الاستثمار الحكومي الهائل في تدريبهم. أما إذاعة «صوت أميركا» فدفعت للمهاجرين العرب للتكلم باسم واشنطن. وقد وجد كل طرف من القوى العظمى في الحرب الباردة، عند استنباط وسائل الإعلام وبرامج المعلومات كعنصر من عناصر سياساتهما الخارجية، طريقة لاستخدام برامجهما الإذاعية خارج نطاق التواصل مع الجمهور فقط: إذ يمكن أن تسلط هذه البرامج الضوء على فكرة معينة وتضخم وتكون الدعم الشعبي للحملات على مستوى الشارع والعمل السياسي الذي كان يجري بالفعل. وعمل الناشطون السياسيون الأميركيون والروس في بيئات متنازع عليها آيديولوجياً لمساعدة الحلفاء المحليين على تحقيق القوة وهيكلة الاقتصادات، فضلاً عن التأثير على المناهج المدرسية وسياسات الحرم الجامعي والمناقشات الفكرية. وقد قام الروس، مع تركيزهم الأكبر على الشؤون العربية، بهذه المهام في الجمهوريات العسكرية في الجزائر ومصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن وبين فصائل فلسطينية ونيابة عن المنشقين الشيوعيين في الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة. وعملت إذاعة «موسكو» بمثابة واحدة من عدد لا يحصى من المواقع التي توفر لحلفائها تغطية مواتية ومنصة للمنافسة ووسيلة لنقل المعلومات – أو التضليل – للأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء. عندما أطلقت الحكومة الروسية في عام 2007 إذاعة «آر تي» العربية، اعتمدت على المشورة والدعم من بقايا العرب الذين دعموا الاتحاد السوفياتي – وحينها كانوا جماعة من الأيتام السياسيين المنتشرين من الجزائر إلى اليمن، والذين عملوا في وسائل الإعلام المحلية والمنظمات غير الحكومية والجامعات، وفي الحكومة. وقد خدم هؤلاء الحلفاء على أرض الواقع «آر تي» العربية كمراقبين ومدربين لذوي المواهب في البث الإذاعي. وبعد سبع سنوات من إطلاق «آر تي» العربية، أي عشية التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015 في سوريا، ضمت موسكو إذاعتها المتهالكة إلى وكالة أنباء «سبوتنيك»، التي يمكن متابعتها اليوم عن طريق الموجات القصيرة والهواتف الذكية وفي عدد قليل من البلدان العربية وعلى راديو «إف إم». وتشكل هذه الأصول، جنباً إلى جنب مع البنية التحتية المادية المتنامية للمرافق الثقافية والتعليمية الروسية في الأراضي العربية، منافساً هائلاً في مجال المعلومات العربية.البث الإذاعي الأميركي يتمتع البث الإذاعي الأميركي باللغة العربية اليوم بقيادة جديدة لألبرتو فرنانديز – وهو دبلوماسي سابق يجيد التكلم باللغة العربية. وعلى مدى الأشهر القليلة الأولى له على رأس إذاعة «الحرة»، أدخل إصلاحاً شاملاً وأرسل رسالة واضحة من الاستعداد لدعم الولايات المتحدة وتحالفاتها العربية. وهكذا، فسيستفيد المشاهدون المصريون، في سعيهم إلى فهم وجهة نظر أميركا في مسألة معينة، من إذاعة «الحرة» أكثر من الماضي. ومهما عملوا في بحثهم سيجدون أيضاً المعلومات ذات مصداقية. ولكن الاقتراحات التي سبق ذكرها (دعم تنمية وسائط الإعلام المحلية والتعليم من أجل التفكير الناقد) لا تقل أهمية عن تعزيز الإذاعة الأميركية في العالم العربي. وفي هذا المجال، لا يزال التزام أميركا غير واضح. وتكمن أسباب التفاؤل في استراتيجية الأمن القومي الأميركية التي صدرت حديثا، إذ إن الوثيقة تدعو إلى سياسات «المشاركة التنافسية» لمواجهة الخصوم الأجانب. وتم توضيح مفهوم المشاركة التنافسية عام 2013 في مقالة كتبتها نادية شادلو، وهي عالمة تشغل اليوم منصب نائبة مستشار الأمن القومي هربرت رايموند مكماستر. وتشمل هذه الممارسة استخدام مجموعة من الأدوات غير العسكرية – بما في ذلك النفوذ المالي والاقتصادي والاتصالات الاستراتيجية والتعليم الدولي والقدرات الأخرى – لتحدي قبضة الأطراف العدائية على الدول ومجتمعاتها. وإذا سعى الأميركيون لتطبيق هذا النهج على الأراضي العربية، سواء من خلال تطوير وسائل الإعلام أو من خلال التعليم للتفكير الناقد، فلن يحتاجوا إلى البدء من الصفر. وكما أناقش في كتاب جديد عن وسائل الإعلام العربية، فإن المديرين التنفيذيين في بعض أكبر الإذاعات والمنشورات الأصلية يعملون من تلقاء أنفسهم لتعزيز ثقافة الخطاب المدني والمبادئ المتساوية وسيادة القانون. وهم يبحثون عن شركاء أميركيين في التعليم الإعلامي وتطوير المحتوى. وتقدم «أميركا أبرود ميديا» التي أعمل كمستشار فيها، مثالاً لمجموعة غير ربحية استجابت لهذه الطلبات من خلال المشاركة في عقد حلقات عمل تعليمية ومشاركة في إنتاج برامج إذاعية وتلفزيونية. وفي الوقت نفسه، قاد الشباب في الكثير من البلدان العربية، الجهود الرامية إلى تعزيز التفكير الناقد. وبالتالي، فإن الأميركيين سيعملون على دعم القيادة المحلية في كفاحها ضد بعض وسائل الإعلام المغرضة – في إطار نهج منسق، سواء على أرض الواقع أو على موجات الأثير – في حين سيتم التصديق هلى وسائل الإعلام العربية الرائدة الليبرالية لميلها إلى عقد شراكة مع هؤلاء الأصدقاء البعيدين. جوزيف براودي: مؤلف كتاب «بث الإصلاح: الإعلام العربي كمحفز لليبرالية» (رومان وليتلفيلد – 2018)

مشاركة :