مجمع التحرير بناه فاروق وافتتحه عبدالناصر لمحاربة البيروقراطية فأصبح رمزاً لها

  • 2/11/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دوامة البيروقراطية الملعونة هي الصورة الذهنية التي قامت عليها حوادث فيلم "الإرهاب والكباب" الذي عرض عام 1992. عمل سينمائي دارت حوادثه في مكان فريد لا يوجد لا مثيل في مصر، مثله في ذلك مثل برج القاهرة: مجمع التحرير. مبنى مجمع التحرير المصمم على شكل قوس لكي يتناسق مع شكل الميدان، يقع في الجانب الشرقي من ميدان التحرير أحد أشهر ميادين القاهرة، والذي حصلت فيه ثورة 25 يناير. يقبع هناك شاهداً على حركة العاصمة التي لا تتوقف، على نيلها وعلى ثورة أهلها. يسمع أحاديث زواره في النهار وهم يقفون في طوابير تمتد فيه، يعرف مشاكلهم التي يبحثون عن حلول لها في مكاتبه. يتكون المبنى من 14 طبقة بارتفاع 55 متراً، ويطل من جهة على مسجد عمر مكرم ومقر جامعة الدول العربية ومن ناحية أخرى على شارع القصر العيني. فما هي حكايته؟رمزاً للبيروقراطية والروتين الحكومي في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، قرر الملك فاروق الأول ملك مصر إنشاء مبنى ضخم يضم المصالح الحكومية الخدمية كافة في مقر واحد؛ من منطلق التسهيل على المواطن الذي يمكنه إنجاز جميع المعاملات بسهولة ويسر، إلا أن هذه المبنى المعروف باسم "مجمع التحرير" أصبح رمزاً للبيروقراطية والروتين الحكومي. تم الانتهاء من بناء مجمع التحرير عام 1951، ويعتبر أكبر مجمع خدمي إداري في مصر، تشغله 10 جهات حكومية، وتبلغ مساحته الإجمالية 12500 متر مربع، والمساحة الفعلية للمبنى، بخلاف الحديقة، 5000 متر مربع ويضم 1365 حجرة. أمام المبنى الضخم، إلى جانبي الممر المؤدي إلى مدخله، باعة السلع التي تتنوع بين الخضروات المعدة للاستخدام الفوري وغيرها من أصناف الطعام السريعة التجهيز، فضلاً عن أدوات مكتبية متمثلة في الأقلام والحافظات البلاستيك؛ وهي المتطلبات التي يحتاج إليها مرتادو إدارة الجوازات والهجرة الواقعة في مجمع التحرير. بعد اجتياز بوابة التفتيش السريع الإلكترونية، يُطرح على الداخل أهم سؤال "معاك كاميرا؟". فإذا كانت معه واحدة يُمنع من التصوير في المجمع أو تُصادر الكاميرا. ففي الداخل أثار رخام كان فاخراً يوماً ما باللون الأبيض ملأته خدوش باللون الرمادي الغامق. وإلى الجانب الأيمن، السلالم وإلى الجانب الأيسر 4 مصاعد يتطلب الصعود فيها الانتظار في طابور طويل. وفي حركة دائرية داخل ممرات طويلة، يتحرك المواطنون داخل المبنى بين الحجرات. تقول نجلاء رمضان، الموظفة في إحدى شركات الاتصالات، أن ظروف السفر اضطرتها لاستخراج شهادة تحركات من إدارة الجوازات والهجرة في مجمع التحرير: "كان الأمر أشبه بالكارثة من الرائحة الكريهة الخانقة إلى الروتين القاتل، فضلاً عن المعاملة السيئة من الموظفين، والزحام الشديد".أسس لمحاربة البيروقراطية عن تاريخ المبنى، يقول الدكتور حسام إسماعيل، الأستاذ في قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة عين شمس، صاحب كتاب "وجه مدينة القاهرة من ولاية محمد علي حتى نهاية حكم إسماعيل"، لرصيف22، أن مقر مجمع التحرير الحالي كان مقراً لسراي الإسماعيلية الصغرى التي بناها الخديوي إسماعيل، وأمر بتشييد مسجد عمر مكرم في الجهة المقابلة له، والذي كان سابقاً جامع "الشيخ العبيط"، وكانت المقامات كثيرة في هذه المنطقة وتم نقلها في ما بعد، عند إنشاء وسط البلد. أضاف إسماعيل أن الملك فاروق الأول آخر ملوك مصر، أراد إحداث تطوير في أسلوب الإدارة الحكومية؛ من خلال إنشاء مبنى حكومي واحد يكون الهدف منه إنهاء جميع المعاملات الحكومية بسهولة ويسر في المكان نفسه. وتابع: "بالطبع، لم يكن متوقعاً أن يكون مبنى مجمع التحرير رمزاً للبيروقراطية، وتم الانتهاء من بنائه عام 1951 وسمي في ما بعد مجمع التحرير، وافتتحه جمال عبدالناصر...بعد ثورة يوليو عام 1952". يقول إسماعيل أن المبنى صُمم على شكل قوس لكي يتلاءم مع شكل الميدان، وكان مقرراً أن يوضع أمامه تمثال للخديوي إسماعيل وكان الميدان اسمه حينذاك ميدان الإسماعيلية نسبة إليه، وكان من المقرر أيضاً أن يكون اسمه مجمع الحكومة، إلا أن هذا الاسم تغير إلى مجمع التحرير بعد أن افتتحه عبدالناصر. صمم المبنى المهندس محمد كمال إسماعيل، المعماري المشهور، وكان من ضمن المعماريين الذين كلفوا من الملك فهد بن عبدالعزيز توسعة الحرمين الشريفين، ومن أشهر تصميماته المعمارية مقر دار القضاء العالي وعدد من العمارات في وسط البلد منها عمارة الإيموبيليا. وأردف إسماعيل أن التصاميم التي وضعها اتسمت بتقديم نمط عصري فخم للعمارة يجمع بين الأصالة والرقي، وكان الرخام والغرانيت المستخدمين في البناء يُستوردان من إيطاليا. أقوال جاهزة شاركغردفكّر في بنائه الملك فاروق الأول للتسهيل على المواطن، فأصبح من رموز البيروقراطية الحكومية شاركغردناقد فني: حوادث فيلم الإرهاب والكباب الذي عرض قبل 26 سنة ما زالت مستمرة بسبب البيروقراطية الحكوميةالإرهاب والكباب كأنه فيلم معاصر على الرغم من مرور 26 سنة على إنتاجه، وهو ما يرجعه الناقد الفني رامي عبدالرازق إلى أحداثه التي تدور في مبنى مجمع التحرير.  كما أن له دلالات مرتبطة بشكل أساسي بموضوع الفيلم؛ وهو محاولة تشريح علاقة المواطن المصري ومشكلاته المرتبطة بعلاقته بالسلطة، والمجمع يجسد هذه العلاقة؛ بالتالي حوادثه لا يمكن أن تدور في مكان آخر. يكمل رامي عبدالرازق حديثه، قائلاً أن اختيار مكان مجمع التحرير كان موفقاً من الكاتب وحيد حامد لتجسيد الفكرة التي يطرحها الفيلم، والمكان كموقع تدور فيه الحوادث بجميع تفاصيله من عدد الأدوار الكثير والشكل المميز للمبنى من الخارج الذي يتخذ شكل نصف دائري من الخارج في حين أنه دائري من الداخل، إلى المشهد الشهير الذي تم فيه اكتشاف وجود إرهابي في المبنى، دار فيه الناس داخل دوائر كانت بدايتها هي نهايتها نفسها. ويتابع أن استمرار نجاح الفيلم لا يقتصر على أنه فيلم عظيم، بل لأن المبنى بجميع تفاصيله من بيروقراطية الموظفين وتعنتهم لم تتغير وإن زوّدت المكاتب بأجهزة الكومبيوتر. وما زالت مشاهد الموظفة التي تتحدث بالهاتف المحمول بدلاً من الهاتف الأرضي إلى جانب تنظيف الخضروات، وكذلك الموظف المنشغل بالصلاة والغائب عن عمله بحجة البحث عن حمام، موجودة منذ الستينيات ولم تختلف بعد 26 سنة من الصورة التي ظهرت عليها الأمور في فيلم "الإرهاب والكباب"؛ لأن الظروف لم تتغير، فالمجتمع يعيش حالة ثبات عند مرحلة معينة.جمالية المبنى في كتابه "القاهرة شوارع وحكايات"، رصد الكاتب حمدي أبو جليل تاريخ بناء مجمع التحرير والمرحلة السابقة لبنائه. يقول في لقائه مع رصيف22: "المنطقة الموجود فيها مجمع التحرير وحي غاردن سيتي حالياً كانت حدائق غنّاء فيها أشجار باسقة سكنها المماليك وكانوا يمارسون فيها تدريباتهم العسكرية، وكانت حافلة بمقامات أولياء الله الصالحين، ومع تطور الزمن، سكنت حي غاردن سيتي طبقة الباشوات وما زال حتى الآن محتفظاً بطابعه الراقي والهادئ، ولم تختلف عمارة مجمع التحرير كثيراً عن القصور والعمارات الموجودة في الحي؛ فعلى الرغم من كل ما لحق به من دمار وإهمال ما زالت قطع الرخام الأبيض تزين بعض أجزائه". وأضاف أن مبنى مجمع التحرير له جمالية خاصة، فإذا نُظِر إليه من الناحية الشرقية بدا كأنه مقدمة سفينة، ومن الناحية الغربية يبدو كأنه جزء من دائرة، وفي ميدان التحرير يأخذ شكل قوس، ومن الداخل يتخذ الشكل الدائري. يضم مجمع التحرير مرافق حكومية كثيرة، تبدأ بمكتب بريد في الطبقة السفلية، إضافة إلى فرع للبنك الأهلي وجانب من خدمات إدارة الجوازات والهجرة، والتي تشغل أيضاً الطبقتين الأولى والثانية، وصولاً إلى احتواء بقية الطبقات مديريات التعليم والقوى العاملة والشؤون الاجتماعية والإسكان والشباب والرياضة وهيئة قضايا الدولة.تعثر نقل مجمع التحرير نقلُ مجمع التحرير صرّح به مسؤولون في الحكومات المتعاقبة؛ بهدف تقليل حدة الزحام في منطقة وسط العاصمة، وكان تصريح أخير في هذا الشأن للواء محمد أيمن عبدالتواب، نائب محافظ القاهرة الذي أعلن تعثر خطة الانتقال لعدم قدرة بعض الجهات ما عدا وزارتي الشؤون الاجتماعية والتعليم العالي، على توفير أماكن بديلة لموظفيها، وهو ما يمكن أن يحله تأسيس العاصمة الإدارية الجديدة. عن احتمال نقل إدارات مجمع التحرير، قالت هند عبدالرؤوف الموظفة في إحدى الإدارات التابعة لوزارة الإسكان فيه، أن الأمر سيكون كارثة بالنسبة إليها إذا انتقل مكان عملها إلى العاصمة الإدارية الجديدة أو إلى أي مكان آخر بعيد من وسط العاصمة، نظراً إلى إقامتها في حي عابدين القريب من مجمع التحرير، بسبب تكلفة المواصلات. وما بين بقاء مجمع التحرير على وضعه أو نقل الإدارات الخدمية به وتحويله فندقاً أو متحفاً، يبقى المبنى شاهداً على حوادث كثيرة سواء في ثورات مصر أو ما تبعها من حوادث سياسية... ورمزاً للبيروقراطية الحكومية. علياء أبو شهبة صحفية ومدونة عملت في عدة صحف ومواقع إلكترونية منها روزاليوسف والوطن والتحرير.. حصلت على العديد من الدورات التدريبية مع رويترز ودويتشه فيليه ومركز كمال أدهم للصحافة التلفزيونية في الجامعة الأمريكية وحصلت على أكثر من جائزة دولية. كلمات مفتاحية مصر التعليقات

مشاركة :