حوار: هاجر خميس أكدت سفيرة السعادة شيماء العيدي، من دولة الكويت، مؤسسة حملة «أنا أقدر»، لمحاربة مرض السرطان، وصاحبة أول موقع لعلاج سرطان الدم عند الأطفال بالخلايا الجذعية بالمجان، أن السعادة ليست لها حدود، فيمكن استحضارها حتى في أشد لحظات الألم، وهو ما فعلته هي عندما عالجت مئتي ألف وستة وثمانين طفلاً على مستوى العالم، من خلال موقعها خلال سنة وتسعة أشهر فقط، وبذلك جعلت من محنتها منحة للآخرين.قالت شيماء العيدي في حوار لها مع «الخليج»، على هامش اليوم الثاني من القمة العالمية للحكومات، إن «حملة أنا أقدر» تهدف إلى محاربة السرطان. وعلى الرغم من أنني أطلقتها في بريطانيا، إلا أنني حرصت على كتابتها باللغة العربية وليست مترجمة، وأسست ضمنها موقعاً لعلاج الأطفال المصابين بسرطان الدم، عن طريق التبرع بالخلايا الجذعية مجاناً، ويعالج الموقع جميع الأطفال على مستوى العالم من مختلف الجنسيات والأعراق والديانات، منذ الولادة وحتى 18عاماً، ويوفر الموقع المتبرع ويقوم بعملية التنسيق وفتح قناة تواصل بين المتبرع وأهل الطفل المريض، المتطابق معه في الدم وغيره من الصفات الطبية اللازمة، بحيث يمكن للطفل الاستفادة من الخلايا الجذعية للمتبرع، وذلك لتسهيل الأمر على أهل الطفل المريض في الحصول على متبرع، فهناك آلاف الأطفال ينتظرون هذا المتبرع كطوق نجاة، ولكن للأسف يصعب عليهم إيجاده أو الوصول إليه، ولهذا السبب أنشأت الموقع لتوفيره، بعد التأكد من صلاحية التبرع والتناسب مع حالة الطفل، كما يتولى الموقع عملية التنسيق بين المتبرع وأهل الطفل المريض، وتأمين مصاريف سفر المتبرع إلى الطفل في البلد الذي يقيم فيه الأخير، ومصاريف إقامة المتبرع، حتى الانتهاء من عملية التبرع وعودته إلى بلده.وحول كيفية ولادة الفكرة، قالت: الحمد لله الذي أكرمني بمرض السرطان قبل عامين ونصف، ومنذ حينها وأنا أتلقى العلاج في بريطانيا، وكنت قبل المرض أعمل معلمة لغة إنجليزية، ومتطوعة دائمة لتعليم وتدريب الأطفال من ذوي التوحد وذوي الإعاقة الذهنية، ولكن بعد أن نفذت إرادة الله وأصبت بمرض السرطان، ذهبت لأتلقى أولى جلسات العلاج الكيميائي، وقبل بدء الجلسة لاحظت أن الطبيبة لها استعدادات خاصة جداً، فأخذت ترتدي قفازات تحمي يديها ونظارة خاصة تحمي عينها، وغيرها من الدروع الطبية، وأنا جالسة أفكر بصمت: «كل هذه الاحتياطات والأقنعة، فماذا عن جسدي؟ كيف سيتحمله مباشرة؟، وسرعان ما ذهب فكري باتجاه قلبي وأحبتي الأطفال، فقلت: وإذا كنت أنا كبيرة ولدي قدرة على التحمل، فماذا عن الأطفال؟، كيف ستتحمل أجسادهم الغضة النحيلة هذه الأشعة؟، فقررت أن أقدم لهم عملاً يحميهم من عذاب الكيميائي، فكنت كلما أصبت بأعراض جانبية كالحروق في جلد الوجه وكامل الجسد وحتى الأظافر تحترق، و لا أتحمل الملابس.. كنت أفكر كثيراً في الأطفال أكثر من تفكيري في نفسي، و كلما تساقط شعري، يزداد تفكيري في الحفاظ على شعر الأطفال وحواجبهم، فقررت إنشاء الموقع.وحول كيفية التمويل المالي للموقع، قالت سفيرة السعادة شيماء العيدي: «قبل إصابتي بالسرطان كنت مدخرة مبلغاً من مالي الخاص، وأنوي أن أنشئ به مركزاً لتعليم وتدريب ورعاية أطفال التوحد والإعاقة الذهنية، وبعد إصابتي وشعوري بالآلام التي قد يشعر بها الأطفال المصابون بمرض السرطان، قررت إنشاء هذا الموقع.وقصت شيماء ل«الخليج» موقفاً من أكثر المواقف تأثيراً في نفسها، وهو تساقط شعر رأسها وحواجبها قائلة: «كنت في أحد مراكز علاج الأطفال من السرطان، وشاهدت طفلة ماسكة في يدها عروستها ذات الشعر الجميل الطويل الرائع، وفي يدها الأخرى مقص لا يتوقف عن جز شعر العروسة، فسألتها لماذا تقصين شعر العروسة إنه جميل، فأجابت الطفلة دون أن تلتفت إليّ: «لأنه جميل أنا أقصه»، وهنا أدركت كم كان الألم النفسي الذي تمر به هذه الطفلة ذات الرأس المرقع بالشعر المتقطع، فذهبت إلى منزلي وقمت أحيك لها قبعة مصنوعة من الشعر، وصنعت لنفسي واحدة مثلها لأنام بها ليلة كاملة، ليتضح لي هل إذا كانت تسبب متاعب أم لا، لأنه لا يستطيع أن يشعر بألم السرطان إلا مريضه، وجسد المريض لا يتحمل ملامسة أشياء كثيرة بعد الخضوع للكيميائي.ومن الأشياء التي يصعب علينا تحملها، وضع الشعر المستعار، لذلك لم أشتر لها واحدة، بل ابتكرت لها شيئاً يتناسب مع ظروفها التي هي ظروفي، واتخذت من رأسي مختبراً للتجربة، وبعد أن تأكدت من ملائمة ما صنعت مع ما صنع لنا القدر، أخذت القبعتين في اليوم التالي وذهبت للطفلة، وقدمتهما لها، ولم تقتنع في البداية ولكنها اقتنعت بعدما ارتديت أنا قبعتي، فتشجعت وارتدت هي كذلك، ثم بدأت تبتسم ثم تضحك ثم تعبر عن فرحتها.وكنت أنا حينها سعيدة لفرحتها أكثر منها، فذهبت وواصلت حياكة هذه القبعات بالمجان للإناث المصابات اللاتي أخذ منهن الكيميائي تاج رؤوسهن، فصنعت لهن تاجاً آخر أحيكه بالحب».وتابعت شيماء: «وبنفس الحب أبحرت في رحلة بحث عن دواء لعلاج مشكلة تساقط اللحية عند الذكور، فعثرت على دواء موضعي ينبت الشعر ثانية بالاستخدام، فجربته على نفسي أولاً، وبعد أن تأكدت من نجاحه وخلوّه من الآثار الجانبية، بدأت أوفره بالمجان لكل مريض سرطان يحتاجه».بصوت يشوبه الدفء وعيون تبرق فيها الدموع قالت شيماء: «أشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي رعاه الله، الذي التفت إليّ التفاتة لم يفعلها معي أحد من قبل، وقدمت له على رأسه قبلة من ابنة له عربية خليجية لأب تملؤه الإنسانية، فقد سبق أن أرسل لي فريقاً كاملاً إلى بريطانيا، قام بتصوير حياتي لمدة 12 يوماً، وعاش معي خلالها في المستشفى وداخل غرفة العمليات، وغرفة التخدير، ورافقني خلال خضوعي لجلسة العلاج الكيميائي، وأنا أتسوق في الشوارع وأشتري الشعر وأحيكه قبعات لأطفال السرطان من فئة البنات».
مشاركة :