مكتبة الإسكندرية: الفن والأدب في مواجهة التطرف

  • 2/13/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وثائق إسلامية وتاريخية بمكتبة الإسكندرية التي افتتحت رسميا في 23 أبريل (نيسان) 2002- المكتبة العريقة أسسها بطليموس الثاني بالأسكندرية عام 295 قبل الميلاد (غيتي) القاهرة: خالد أبو الروس* د. مصطفى الفقي: العالم يموج بتيارات الفكر المظلم والمتطرف، التي ينبغي علينا أن نواجهها معاً. * د. أبو الحسن سلام: الإرهاب يخرج من شرنقة التطرف، الذي يخرج بدوره من دائرة اليأس من الرفض السلطوي العنيف. * العميد خالد عكاشة: الحدود الغربية المصرية هي الساحة الأكثر خطورة والعنوان الحقيقي للتهديد المستقبلي لمصر وشمال أفريقيا. وضع المؤتمر الرابع لمكتبة الإسكندرية والذي جاء هذا العام بعنوان «الفن والأدب في مواجهة التطرف»، بحضور 400 خبير سياسي وإعلامي وأكاديمي، الكثير من الملاحظات فيما يخص مواجهة العنف والتطرف من قبل التيارات والحركات الإرهابية، وعلى مدار ثلاثة أيام ومن خلال ورش نقاش، تطرق الحاضرون لعدد من الأوراق البحثية المقدمة للمؤتمر. وأكد الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية في بدء فعاليات المؤتمر، أن مؤتمر التطرف يأتي في وقته تماماً، حيث يموج العالم بتيارات الفكر المظلم والمتطرف، التي ينبغي علينا أن نواجهها معاً، معرباً عن سعادته لوجود هذا الجمع الهائل من الحضور مؤكدا أن المكتبة قررت أن يكون عام 2018 هو عام الجدية في مواجهة التطرف، حيث ستوجه المكتبة طاقاتها للشباب والفئات العمرية الأصغر، وستعمل على التواصل مع المؤسسات الدينية بهدف تنظيم زيارات مكثفة وبرامج خاصة لهم في المكتبة، بهدف تقديم برنامج ثقافي مدروس فكرياً تنويرياً، يواجه آفة التطرف، ونشر ثقافة التسامح والمواطنة وقبول الآخر في المجتمع، مؤكدا على أهمية الأدب والفن في صناعة الحياة واستمرارها، أما التطرف فهو أداة لتدمير الحياة وإنهاء الوجود. وكشفت الورقة البحثية المقدمة من الدكتور السيد أمين شلبي عن أن البحث عن مصادر التطرف المؤدي للإرهاب مر بمرحلتين، كانت الأولى بعد أن تصاعدت موجات الإرهاب في الولايات المتحدة وعواصم أوروبية، واتجه الباحثون إلى استكشاف دوافع الإرهاب والإرهابيين، وباعتبار أن معظم العناصر التي ارتكبت العمل الإرهابي ضد الولايات المتحدة ومؤسساتها الاقتصادية والعسكرية جاءت من أقطار عربية إسلامية، اعتبروا أن تكوينهم الذي أدي إلى ذلك أن بيئاتهم ومجتمعاتهم تتصف بشمولية الحكم الذي يحول دون التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية، وأوضاعها الاقتصادية تتسم بالفقر والبطالة والفساد، غير أن هذا التفسير لمصادر التطرف والإرهاب ما لبث أن تطور بعد صعود جماعات إرهابية وتوسع وجودها، حيث تبين أن معظم العناصر التي جندها تنظيم مثل «داعش» قد حصلت على تعليم متقدم، وتركوا وراءهم وظائف ومصادر عيش، وأن عددا غير قليل منهم نشأ في مجتمعات ديمقراطية تتمتع بحرية الرأي والتعبير. وأضافت الورقة البحثية: من هنا اتجهت الجماعات المتطرفة لتجنيد عناصر عن طريق العامل الثقافي والفكري حيث خضع هؤلاء لعمليات من التضليل الثقافي والفكري، وبث التنظيم فيهم فهما منحرفا للدين، بدعوات أن الدين يكفر هذه المجتمعات ويشجع على قتالها، ومن هنا ظهرت الدعوة إلى تقديم الصورة والجوهر المتسامح للإسلام، كما ظهرت الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وتنقية تراثه من التشوهات التي تستخدمها قوى التطرف في تجنيد عناصرها، وبالتوازن مع الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، يجب أن يكون جزء من التجديد، ثقافيا شاملا يشيع التنوير في مواجهة القوى الظلامية، وقد ساهم عدد من المفكرين المصريين والعرب في التركيز على العامل الثقافي في مواجهة الفكر المتطرف، ولا شك أن العامل الثقافي يشمل الأدب والفنون وفي مختلف أشكالها من الكتاب، والمسرح والسينما وفنون الأوبرا. ومن جانبه قال الدكتور أبو الحسن سلام إنه من المعلوم أن الإرهاب يخرج من شرنقة التطرف، الذي يخرج بدوره من دائرة اليأس من الرفض السلطوي العنيف لمطالب الرفض المعارض للممارسات التسلطية، ذلك الرفض الذي ارتقى من طور المعارضة إلى أطوار الرفض المتدرجة من الفردية إلى الجماعية غير المنظمة؛ فالمنظمة، ومن أشكال المعلن إلى أشكال التعبير المدبرة في الخفاء، ومن أشكال التعبير الإرهابي المخطط ضد شخصيات أمنية وإعلامية ورموز ثقافية، إلى أعمال إرهابية تستهدف التمويل المالي بالسرقة وأعمال السطو المسلح، إلى الإرهاب المستهدف للمؤسسات المدنية وحركة السياحة وصولا إلى الأشكال العشوائية للأعمال الإرهابية، فظاهرة الإرهاب السياسي إذن تبعث من رفض التسلط ومواجهة العنف بعنف مقابل، غالبا ما يصيب الأبرياء، تحقيقا لمبدأ إثارة الذعر والهلع بين أكبر عدد من الناس ولإيقاع أضرار بالغة في الأرواح وفي الممتلكات وللإعلام عن ذلك الفعل، للضغط على الحكومات والأنظمة من أجل تلبية مطالب الجماعة الإرهابية بغض النظر عن منابع الانتماءات العقائدية الدينية أو السياسية أو الحزبية لهذه الجماعة الإرهابية أو تلك.الدكتور أبو الحسن سلام وكشفت الورقة البحثية عن أن مصادر الفكر الإرهابي للجماعات الإرهابية لا يبتعد عن فكر أبو الأعلى المودودي، ممثلا في كتيبه الصغير بوصفه مصدرا وثائقيا يشكل دستور العمل الإرهابي عند تلك الجماعات على مختلف تصنيفاتها وهو «نظرية الحكم في الإسلام» مع أنهم يعلمون أن ظروف صدور ذلك الكتاب قد ارتبطت بالجهاد الإسلامي لمسلمي الهند بسبب الاحتلال البريطاني لها، قبل انفصال باكستان وبنغلاديش عنها، أما مصدرهم الفكري الثاني فكتاب سيد قطب «في ظلال القرآن» والذي يبيح لهم تكفير المجتمع المدني وهجرته، على نحو ما جاء في ذكر خروج موسى ببني إسرائيل من مصر الفرعونية مستحلين مجوهرات المصريات وسرقتها بالاحتيال، كذلك تستحل الحركات الإرهابية أموال من لا يتبع طريقة تفكيرها وبرامجها، وهكذا تحولوا من النصوصية إلى اللصوصية طالما رأوا المجتمعات المدنية مجتمعات كفر. من جانبه، أكد الدكتور عبد السلام الطويل، كاتب وصحافي مغربي، في ورقته البحثية على فرضيتين أساسيتين، الأولى هي أن العنف والتطرف والإرهاب والتشرد هو نتيجة مباشرة لفشل مشروع الثقافة، والثانية أن مظاهر العنف والتطرف هي نتيجة لفشل مشروعات الإصلاح والتجديد على مدار عقود ما بعد الاستقلال، فمشروعات الإصلاح والتجديد هي التي شكلت مسار الحداثة الأصلي الذي يقوم على السياسة التاريخية لتحرر الإنسان بحيث يكون مسؤولا وفاعلاً في تاريخه. وأشار الطويل إلى أن ظاهرة انفجار العنف هي مؤشر للخلل الذي أصاب النظام الثقافي داخل المجتمعات، وأنه كلما زادت القدرة على السيطرة وتوجيه العنف ازدادت قيمة وأثر الثقافة لدى أفراد المجتمع وتراجعت مظاهر العصبية والنفاق والضغينة وازدادت فكرة التسامح والتقدم.الدكتور عبد السلام الطويل فيما حذر اللواء محمد إبراهيم، وكيل جهاز المخابرات العامة المصري السابق، في ورقته البحثية، من نشاط العمليات الإرهابية في مصر مع قرب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، لممارسة ضغوط على الدولة، داعياً أجهزة الدولة المختلفة إلى اليقظة والاستمرار في مواجهته باستخدام مختلف القوى، مؤكداً أن الإرهاب ليس هو التحدي الوحيد الذي يواجه مصر، مشيرا إلى التحديات الداخلية التي تتعرض لها البلاد، والتي تتضمن التحدي الأمني الذي يتعلق بالعمليات الإرهابية التي تؤثر على استقرار الدولة ووضعها الإقليمي والدولي، والتحدي الاقتصادي ومدى قدرة مصر على مواصلة خريطة الإصلاح، أما التحدي الثالث فهو مدى قدرة الدولة على دمج الشباب في منظومة الدولة ككل وأن يكونوا عنصراً فعالاً في دفع عجلة التقدم، وأخيراً تحدي الإعلام فلا بد أن يكون مساعدا لتنفيذ استراتيجية الدولة. وأوضحت الورقة أن الجانب الآخر من التحديات التي تواجهها مصر، والتي تتمثل في السياسات المعادية التي تقوم بها بعض الدول ضد مصر للتأثير عليها وعلى دورها الإقليمي من بينهم قطر وإيران وتركيا، بالإضافة إلى الصراعات القائمة في المنطقة وتحديداً في سوريا وليبيا، أما التحدي الثالث فيتمثل في القضية الفلسطينية، فعدم حلها يؤثر على الأمن القومي العربي والمصري. وقالت الدكتورة بدرة قعلول، رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والعسكرية ومدرس بالأكاديمية العسكرية في تونس في ورقتها البحثية، إن الوطن العربي أصبح يعاني الآن من ظاهرة العنف الآيديولوجي، ويرجع السبب في ذلك إلى أنها مبنية في الأساس على آيديولوجيات متنوعة، فأصبح الكل يعتقد أنه يمتلك الحقيقة، ويحاول فرض سيطرته ورأيه على الجميع. وأضافت قعلول أن العنف ظهر على السطح عبر الثورات العربية، وأصبح الجميع يمارسه باسم الحرية وحرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن الشعور بالتهميش هو ما يمهد للتطرف والإرهاب؛ متابعةً: «وهذا أمر خطير، فأنا لا أنزعج من الإرهاب لأنه يمكن مواجهته بالحرب المباشرة، ولكن الخطر الحقيقي فيما يمهد له الأرضية وهو العنف»، موضحةً أن العنف أخذ أشكالا مختلفة مثل العنف اللفظي، وأصبح هناك خطر على الهوية العربية في ظل الفترة الحساسة التي تشهدها المنطقة والتي تكاد تكون أسوأ فترة يشهدها العرب عبر التاريخ، منتقدة عدم وجود علماء اجتماع مؤثرين يدرسون بشكل أكاديمي الظاهرة ووضع المجتمعات العربية لمعرفة موضع الخلل.الدكتورة بدرة قعلول وأشارت قعلول إلى أن الوضع في تونس أخذ منحنى خطيراً وهذا ما ظهر في تنفيذ عمليات اغتيالات سياسية بتحريض خرج من المساجد، وهو ما ينذر بتغير شكل الحرب. وحول أسباب تفشي ظاهرة التطرف في تونس، قال العميد المختار بن عمر، في ورقته البحثية إن التطرف هو المسار الذي يؤدي بالفرد لمقاطعة المجتمع الذي يعيش فيه والتوجه إلى آيديولوجيا عنيفة تسمى خطأ «الجهاد»، وإن التطرف يتجسد في تقاطع مسار نفسي، وشعور بالتهميش وعدم الاعتراف وشعور بالضرر، ومع بداية 2011 وانطلاق الشرارة الأولى للثورة التونسية انهارت المنظومة الأمنية بفرار الكثير من العناصر الأمنية بأنواعها، فنشأت فوضى عارمة في البلاد تبعها فراغ أمني أدى إلى فرار الكثير من المساجين ومغامرة كثير من الشباب بركوب البحر بحثا عن آفاق أخرى في بعض الدول الأوروبية، فنشطت مجموعات التطرف في الاستقطاب ونشأت شبكات تسفير إلى بؤر التوترات، وقد حاولت السلطة في تونس التصدي لتفاقم ظاهرة تسفير الشباب للقتال إلى أكثر من جبهة فتم منع قرابة 23 ألف شخص من مغادرة البلاد في اتجاه أماكن الصراعات على امتداد السنوات الأخيرة، وتطور العنف الجهادي في تونس وأخذ أشكالا متعددة وظل يتخذ منحني تصاعديا عبر سنوات. وأضافت الورقة البحثية أن التحول السريع للتيار الجهادي عبر أنشطته الدعوية وشبكات التواصل الاجتماعي وبالدعوة إلى الجهاد في الخيام وفي الأسواق وأمام المدارس والمعاهد وطال هذا النشاط السجون والجامعات والجوامع والجمعيات الرياضية، وفي كل مكان انتشرت الدعوة إلى العنف ضد المجتمع الذي اعتبر كافرا في نظرهم، وتم تشكيل شرطة أخلاقية في بعض الأحياء، وفي عام 2013 تطور العنف الجهادي وتنوع ودخل التيار الجهادي في مرحلة الاعتداء على الدولة ومصالحها ومن يمثلها واستنزاف قوات الأمن وكانت استراتيجية هذا التيار تتمثل في إضعاف مؤسسات الدولة وضرب المسار الديمقراطي ونشر مناخ من الخوف. ورأى حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، في ورقته البحثية أن هناك بعض المحاولات لوضع القيود للحقوق الممنوحة في الدستور المصري من خلال مشروعات قانون مقدمة للبرلمان بحجة مواجهة الإرهاب، فضلا عن مشروع قانون يقيد حرية المعتقدات، وهو ما يخالف نصوص الدستور بالإضافة إلى مخالفته للمواثيق العالمية التي تكفل حرية الفكر والاعتقاد، معتبرا أن الأقباط هم أكثر من دفعوا ثمن مواجهة الإرهاب في مصر خلال السنوات الماضية. وأضاف أنه على الرغم من موجة العنف والإرهاب التي تشهدها مصر خلال السنوات الماضية فإن الدستور المصري عزز من مبادئ حقوق الإنسان في دستور 2014. مشيراً إلى أنه من أهم الدساتير المصرية التي عززت مبادئ حقوق الإنسان وزادت عليه ما هو مستحدث في العالم. وفيما يتعلق بمشروع قانون تنظيم الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي، قال أبو سعدة في الورقة البحثية، إن هذا المشروع سيكون من الصعب تطبيقه والحل هو مزيد من الحرية وإضافة محتوى موازٍ للرد على الأفكار المتطرفة الموجودة على هذه المواقع. وقال: «إن المواثيق الدولية تشكل مرجعية مع الدستور المصري وإن أي تشريعات تخالف ذلك تسمى انتهاكا للقانون والدستور». وفيما يتعلق بالتطرف والإرهاب، أضافت الورقة أن هناك أشكالا من التطرف في كل العالم وبالتالي التطرف بشكل عام ليس مجرما أو محظورا ولكن المحظور هو التطرف العنيف وهذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار خلال وضع التشريعات في مصر، لافتا إلى أن التشريعات الموجودة في مصر كافية ويوجد بها نصوص كافية لمواجهة هذه الظاهرة. أما الورقة البحثية المقدمة من العميد خالد عكاشة، رئيس المركز الوطني للدراسات الأمنية، فقد أكدت أن الحدود الغربية المصرية هي الساحة الأكثر خطورة والعنوان الحقيقي للتهديد المستقبلي ليس على مصر فقط ولكن الشمال الأفريقي بصفة عامة، مشيراً إلى أنه ومع بداية الثورات العربية تم استهداف ليبيا باعتبارها الحلقة الأضعف بالمقارنة مع الدول المجاورة لها في المحيط الإقليمي.العميد خالد عكاشة وأضاف عكاشة أنه خلال تلك الفترة تم وضع بذور الفوضى في ليبيا لاستقبال أعداد من الإرهابيين وتكون بمثابة محطة لتدريبهم، ولاستثمارهم في مرحلة مقبلة، موضحاً أن ما يحدث الآن من تضييق في المساحات أمام المنظمات الكبرى في العراق وسوريا لا يوازيه في ليبيا، ولكن على العكس فهناك تعميق للصراعات بشكل متعمد والأطراف الدولية حاضرة بقوة لفرض مصالحها. وأشار عكاشة إلى أن الأزمة السياسية الليبية معقدة والانشقاق متزايد، كما يتم محاصرة الجيش الوطني الليبي من قبل أطراف دولية حتى لا يتمكن من استعادة قوته، يأتي هذا في ظل انشغال الدول في قضايا سياسية داخلية ومشاكل اقتصادية.

مشاركة :