دينا جوني (دبي) «حين يبدأ الدخان المكثَّف بالزحف من فوق الكتفين والرأس كغيمة كبيرة تنحدر عن سفح الجبل، يضيق الكون رويداً رويداً، وتضيع الاتجاهات في الأرض المحروقة، إلى أن يبتلع الظلام المنقذ والضحية». هو مشهد اعتيادي في حياة الإطفائي كما وصفه الكابتن ميرك ماكنزي الذي خدم لمدة 15 عاماً في أحد مراكز كاليفورنيا للإطفاء، الذي يشارك في مركز ابتكار الحكومات الخلاقة لعرض المشروع الواعد في إنقاذ حياة البشر من الحرائق «C-Thru». المشروع ليس سوى قناع للإطفائي، إلا أن الإمكانات الرقمية وثلاثية الأبعاد التي أضيفت عليه، تمنح رجل الإطفاء إحداثيات تشبه منصة طوني ستارك في الفيلم الشهير «الرجل الحديدي». واليوم، ومن خلال الكاميرات الحرارية المطورة المثبتة على الخوذة، والمرتبطة بمراكز الإطفاء، يمكن للمنقذ أن يرى خلال عمله داخل المبنى المحترق والمظلم تماماً، وعبر النظارة الداخلية للخوذة، كل كائن متحرك على شكل خطوط وظلال خضراء، تشبه ما يظهر عبر نظارة الرؤية الليلية، وبذلك يصبح إيجاد الأفراد المحتجزين سواء كانوا متحركين أو غائبين عن الوعي أكثر سهولة وسرعة مقارنة بما هو متوفر اليوم، إلا أن حدود المشروع لا تقف هنا، فتلك هي الخطوة الأولى على طريق الألف ميل في إنقاذ حياة الإنسان في أوقات الكوارث والحرائق. يقول ماكنزي من منصة: «كيف يمكن لرجال الإطفاء إنقاذ الأرواح في الظروف الخطرة وانعدام الرؤية»، أن الحالة الفيزيائية والنفسية للمنقذ من داخل المباني المحترقة تكون صعبة للغاية، فهو يتحرك في مجاهل مظلمة، ويحاول الاختيار من بين الأفراد العالقين لإنقاذهم، ولفت إلى أن المراحل اللاحقة، ستشهد إضافات ذكية نوعية على خوذة الإطفائي، تقلّص الوقت المطلوب لإنقاذ حياة واحدة بنسبة تتعدى الـ50 في المئة. ويتم العمل على تطوير الخوذة لتضمينها خريطة الموقع، وجهازاً لقياس معدل ضربات القلب. تمكّن التقنيات الجديدة كل إطفائي في المبنى نفسه، من إرسال الإحداثيات للمركز، الذي بدوره يقوم بتوجيه كل منهم وفقاً للدروب التي يمكن سلكها داخل المبنى، ومن ثم التوجّه لإنقاذ الأفراد الأكثر عرضة للموت من خلال الأرقام الواردة على الشاشة المتعلقة بحالة القلب. ذكر الكتيّب الخاص بابتكارات الحكومات الخلاقة أنه «على الرغم من أن الكاميرات الحرارية مكّنت رجال الإطفاء من الرؤية في ظل ظروف انعدامها، إلا أن التقنيات الحديثة ساهمت في رفع كفاءتهم، إذ تتسم الصور الحرارية التقليدية بالبطء مما لا يتناسب مع التحرك السريع المطلوب في الأزمات والظروف الخطرة». ولفت إلى أن هذا الابتكار المستوحى من تجربة الدخول إلى البركان لدراسته، يسمح لرجال الإطفاء بالدخول والخروج من الحريق بسرعة فائقة. يشرح ماكنزي أن فكرة المشروع متعددة المصادر، فهي بدأت حين تواصل المستكشف سام كوسنان من «الناشيونال جيوغرافيك» مع أكبر مركز إطفاء في كاليفورنيا، طالباً مساعدتهم في الرصد الميداني لأحد البراكين. ويتطلب المشروع على المدى الطويل، مسح جميع الأبنية في المدن ضوئياً، وتحميلها على الخوادم الخاصة، للولوج إليها في حالات الحريق والكوارث وتحديد أماكن تواجد الأفراد، وبالتالي يمكن التحكم بالعمليات الإنقاذية وإدارتها من مراكز الجهات المختصة، ليتحول العمل الإنساني إلى ما يشبه لعبة فيديو ضخمة ثلاثية الأبعاد.
مشاركة :