لو حصل ويلسون بالفعل على شهادة الفلسفة الأكسفوردية العتيدة، هل كان سينال ذلك الكم الهائل من التقريعات غير المنصفة أم كان سيعد لولبا ثمينا في ماكنة الأنتلجنسيا الثقافية البريطانية.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2018/02/14، العدد: 10900، ص(14)] لا يزال الكاتب والفيلسوف كولن ويلسون حاضراً في المشهد الثقافي العالمي بعد مرور أربعة أعوام أو أكثر على وفاته عام 2013؛ فقد ظهرت بضعة كتب تتناول حياته وأعماله، منها -على سبيل المثال- كتاب كولن ستانلي المعنون بـ”كولن ويلسون: مقالات عن فلاسفة” عام 2016، وكذلك كتاب غاري لاكمان بعنوان “ما بعد الروبوت: حياة كولن ويلسون وأعماله” عام 2016. أتذكر ويتذكر جيلي تلك السنوات التي قرأنا فيها كتاب ويلسون المعنون بـ”اللامنتمي” مترجماً إلى العربية بعد وقت قصير من صدوره في بريطانيا، وقد تناغمت مفردة “اللامنتمي” مع النزعات الوجودية التي سادت عالمنا آنذاك. واجتاحتنا حمى قراءته جميعا، ثمّ قرأت لاحقاً كتباً عدة لويلسون وكان وقعها محايداً لديّ، وحسبتُ أنّ أمر الاهتمام الجماهيري المفرط بكتابات ويلسون يعود إلى الموضات التي أعلت شأن الكتابات الوجودية وكلّ ما يتصل بمظاهر التمرّد الوجودي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وبدا لنا أن ظاهرة ويلسون تماثل ظاهرة فرقة البيتلز والشباب الغاضب، ثمّ جاءت حقبة السبعينات من القرن العشرين وخفت ذكر ويلسون مثلما خفتت التوجهات الوجودية على كافة الأصعدة. وتداول مشهدنا الثقافي أحكاما جائرة بحق ويلسون اتخذت صيغة اليقين الراسخ. بعد وفاة ويلسون عام 2013 حصلت على كتاب سيرته الذاتية المنشور عام 2004 تحت عنوان “Purpose Dreaming To Some”، فوجدتني إزاء عالَمٍ فريد وممتع تماما، وحال إتمامي قراءة الكتاب الذي سحرني، عزمتُ على ترجمته إلى العربية، وانكببتُ طيلة ستة أشهر كاملة (أو أكثر قليلا) على العمل المتواصل حتى أنجزت ترجمته وظهر عن دار المدى عام 2015. ولأنني أعرف الأحكام الظالمة التي طالت شخصية ويلسون وترددت في أوساطنا، فقد أفردتُ القسم الأول من الكتاب لفصول عدّة أردتُ عبرها إلقاء ضوء جديد على مناطق معتمة من حياة هذا الكاتب- الفيلسوف الذي اقترن اسمه في الذاكرة العربية مع كتاب “اللامنتمي” فحسب، وفات القرّاء العرب الكثير من مؤلفاته الأعظم أهمية في حقل الفلسفة والسايكولوجيا والنقد والرواية. تعلّمتُ درساً ثميناً وفريداً عندما عملت على ترجمتي لكتاب “حلمُ غاية ما: السيرة الذاتية للكاتب- الفيلسوف ويلسون” هو أن يرتكن المرء في أحكامه إلى ذائقته الشخصية وينزّهها من شوائب الانحيازات والأحكام المسبقة، وأن يقرأ العمل الذي بين يديه وكأنه وديعة استودعها الكاتب لديه؛ فلا يجور عليها بأفكار سائدة صارت بمرتبة اليقين الذي لا يطاله الشك -حول ويلسون- حتى لو كانت أفكار أكاديميين لهم الكلمة الفصل في تشكيل الرأي الثقافي العام السائد في دوائر الأنتلجنسيا البريطانية المتعالية، وهذا ما حصل مع كولن ويلسون، عندما ناصبه النقّاد البريطانيون العداء لأنه غير منتمٍ طبقيا ودراسيا إلى الحلقات العليا لدوائرهم الأكاديمية، ورأوا في أعماله خروجاً على تقاليد الأنتلجنسيا البريطانية، وأذكرُ مقطعا في كتاب “حلم غاية ما” تنصح فيه الروائية- الفيلسوفة آيريس مردوخ ويلسون بألّا يتأخر عن دراسة الفلسفة في جامعة أكسفورد، ولكنه لم يفعل. ترى لو حصل ويلسون بالفعل على شهادة الفلسفة الأكسفوردية العتيدة، هل كان سينال ذلك الكمّ الهائل من التقريعات غير المنصفة أم كان سيُعدّ لولباً ثميناً في ماكنة الأنتلجنسيا الثقافية البريطانية؟ كاتبة عراقية.لطفية الدليمي
مشاركة :