كان أول قرار اتخذه السيد بول برايمر الحاكم العسكري في العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين 2003م، هو حلّ الجيش العراقي، وهي الخطوة القاتلة التي وضعت العراق فعلا في عين العاصفة، ولا تزال تهدد وحدته الوطنية بالتقسيم، على قاعدة أن الجيوش الوطنية كمؤسسات شرعية بعقائدها العسكرية هي الضامن الوحيد لتماسك الوحدة الوطنية والترابية في أي بلد في العالم. أيضا تعرض الجيش المصري أثناء قيام الثورة ضد نظام الإخوان إلى محاولة للتضييق عليه بإيقاف المعونات العسكرية الأمريكية، بغية إخراجه من انحيازه للشعب، لولا صموده وعراقته في فهم وإدراك مغزى محاولات النيل منه، وبالتالي قطع الطريق عليها بتماسكه وثباته. كذلك الحال بالنسبة لليمن، لم تتدهور الأمور فيه إلا بعدما تم المساس بمؤسسة الجيش، مما أدّى إلى إضعافه، وإتاحة الفرصة لقوى طائفية صغيرة كالحوثيين لتتولى زمام المبادرة. وقبل هذا وذاك عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الحرب ضد نظام معمر القذافي على تعزيز قوة الفصائل والميليشيات، وسلمتها الأمر بعد انهيار نظام القذافي، دون أن تحاول إعادة بناء الجيش الليبي ليكون هو النواة لقيام الدولة الليبية الراشدة، وها نحن نرى ما آلت إليه الأمور هناك، من عجز يكاد يبلغ مرتبة الفشل في استعادة النظام والسيطرة على تلك الميليشيات المتناحرة. وفي لبنان ظل الجيش اللبناني محروما من أي فرصة لتعزيز وحداته العسكرية، ومما يمكنه كقوة شرعية من الإمساك بقراره، لتتفرد ميليشيا حزب الله بالسيطرة على قرار لبنان الوطني. الاستثناء الوحيد ربما حدث في تونس، حيث استطاع الجيش التونسي أن يبقى بمنأى عن خلافات السياسيين، ليحفظ بالنتيجة للشعب التونسي وحدته الوطنية. ما نريد أن نصل إليه من خلال استعراض هذه الوقائع، هو أن هذه الاجراءات ضد الجيوش الوطنية في هذه البلدان، لا يمكن أن تتم بمحض الصدفة، إن لم تكن مقصودة بالفعل؛ لغرض تمرير مشروع الفوضى الخلاقة التي كانت قد أعلنت عنها السيدة كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في فترة رئاسة بوش الابن الثانية، وذلك لأن تماسك الجيوش كقوى شرعية كان الضمانة الوحيدة للحيلولة دون انهيار الدولة، حتى وإن انهار النظام الذي يحكمها؛ لأنها تستمد شرعيتها من عقيدتها العسكرية التي تقوم على حماية الوحدة الوطنية، ومنع قيام أي ميليشيات أو فصائل من أي نوع للعبث بوحدة الوطن وسيادته على أرضه، وهذا ما يفسر هذا الانتقال المريب من شرعية الجيوش إلى انتهازية الميليشيات التي تعمل الآن على تفتيت السيادة، خدمة لذلك المشروع. وهو ما يؤكد أن من وقف خلف ضرب تلك المؤسسات الوطنية، أو حلها أو محاولة التضييق عليها، إنما كان يخطط بالفعل لإعادة إنتاج سايكس بيكو جديد لهذه المنطقة، باستغلال قوى الأمر الواقع التي ليس لديها أي مانع من المساومة على سيادة الأوطان، طالما أن هنالك من سيمنحها الغطاء أو يغض الطرف عنها وعن مشاريعها على الأقل، وإلا فما هي المصلحة من تكرار المشهد مع الجيوش العربية في غير دولة، لو لم تكن النية هي إعادة رسم جغرافيا المنطقة مجددا، وهو ما كانت ستحول دونه الجيوش التي ستنحاز بلا شك للشعوب والأوطان فيما لو بقيت على تماسكها. وازاء هذا المشهد من حولنا نؤكد أن مملكتنا الحبيبة تدعم جيشنا الوطني، وتعمل على أن يكون درعا منيعا لكل المحاولات التي تنال أو تستهدف أمننا الوطني.
مشاركة :