إذا كان تقسيم الدول العربية ومن بينها تحديداً بلاد الشام هو نتاج اتفاق سايكس- بيكو الذي وقع قبل مئة عام، ووضع البذور الأولى للدولة القطرية، حيث تم وضع هذه الدول تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي، فقد تم وضع فلسطين عن سابق تصور تحت الانتداب البريطاني، إذ كانت وظيفة هذا الانتداب ترجمة وعد بلفور الذي صدر بعد ذلك إلى واقع من خلال إقامة الكيان الصهيوني. وفي هذا السياق التاريخي كان أحد الأهداف الرئيسة لسايكس بيكو هو تحويل فلسطين إلى دولة لليهود. فعملت بريطانيا على فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية، وسهلت انتقال الأرض إليهم، ثم قيام المؤسسات اليهودية. وعمل الانتداب البريطاني للحيلولة دون تنفيذ وظيفة الانتداب الأساسية بقيام فلسطين المستقلة أسوة بالدول العربية الأخرى، وصولاً إلى 1947 وهو العام الذي تأكدت فيه بريطانيا من إمكانية قيام إسرائيل كدولة، وإدراكاً منها أنها لا تستطيع أن تقوم بذلك استناداً لانتدابها، فذهبت إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار دولي يسبغ الشرعية على الكيان الجديد، وإدراكاً منها بأن الفلسطينيين والعرب لن يقبلوا بذلك، تم صدور قرار التقسيم. وهكذا كانت إسرائيل ثمرة سياسية لاتفاق سايكس بيكو، وكي تكوم وظيفة إسرائيل تنفيذ الأهداف بعيدة المدى لهذا الاتفاق. لا شك أن إسرائيل دولة وظيفية مهمة بالنسبة للدول الطامحة للاستيلاء على المنطقة العربية، وإلا لما قامت في قلبها. فالهدف الأساس عدم السماح للعرب بتحقيق وحدتهم السياسية، والتي لو تحققت لما استمرت إسرائيل كدولة، ولذا الهدف الآني هو العمل على استمرارية تفكيك الدول العربية، وتعميق النزعة القطرية، وهذا قد يكون أحد أسباب المؤامرة على الوحدة المصرية السورية التي كانت تشكل نقيضاً لاتفاق سايكس بيكو ولما كانت تشكله مع الأردن ولبنان والعراق من خطر على إسرائيل. الدول العربية ليس مسموحاً لها أن تتحول إلى قوة سياسية وعسكرية واحدة تقودها مصر. لذلك فإن أحد أهداف سايكس بيكو هو التأصيل لظاهرة الدولة القطرية المناهضة لفكرة الوحدة العربية، والعمل على تفكيك القوة العسكرية للدول العربية المحورية، ثم إثارة النوازع المذهبية والإثنية والطائفية.. وهذا ما يتحقق فعلاً. وفى ضوء هذه الأهداف نشهد التدخلات غير المسبوقة الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والروسية والإيرانية والتركية، بهدف واضح ومحدد وهو التخلص من الدولة القطرية التي أفرزتها اتفاقية سايكس بيكو، والعمل على تقسيم الدول العربية من جديد وهذه المرة على أسس إثنية وطائفية وإقامة دويلات على هذا الأساس. إسرائيل في كل هذه التحولات هي الدولة الوحيدة المستفيدة، فأولاً تم التخلص من قوة العراق العسكرية وتحويلها إلى دولة فاشلة، ومعرضة اليوم أكثر من غيرها للتفكك، ولذلك ليس مستغرباً أن تنطلق منها حركة داعش والحركات الإرهابية الأخرى، وهكذا ضمنت إسرائيل تحييد قوة العراق عسكرياً وإلى الأبد. وليس مستغرباً ما يجري في سوريا وهي العمق الاستراتيجي المهم لأية وحدة عربية، فما يجري فيها ليس بعيداً عن هذه المخططات.. وكذلك في اليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية. د. ناجي صادق شراب drnagish@gmail.com
مشاركة :