النظام الضريبي في مصر حجر عثرة أمام تحقيق طموحات الحكومة المتعلقة بضم الاقتصاد الموازي إلى المنظومة الرسمية، بعد أن تزايد ابتعاده عن رادار السجلات الرسمية للهروب من الضرائب؟ وقال هشام كمال رئيس جمعية مستثمري القاهرة الجديدة للصناعات الصغيرة، لـ“العرب” إنه لا يوجد حصر دقيق بعدد المصانع والشركات العاملة بالقطاع غير الرسمي، مؤكدا أن تلك الشركات لن تظهر إلا بمحفزات مالية تشجعها على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي. وتعج الأسواق المصرية بمنتجات مجهولة المصدر يطلق عليها منتجات مصانع “بئر السلم” ويقصد بهذا المصطلح المصانع التي تعمل في القطاع غير الرسمي، وغالبية تلك المنتجات في مجال الصناعات الغذائية ومستحضرات التجميل وقطع غيار السيارات. وأوضح كمال أن الحكومة تتعنت في منح القطاع إعفاءات ضريبية وتأمينه، إلى جانب حوافز في مجال الطاقة والكهرباء لمدة لا تقل عن خمسة أعوام، وبالتالي لن تفلح الجهود والخطط الحالية لتوفيق أوضاع هذا القطاع. وقال عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبية في تصريح لـ“العرب” إنه “إذا كنا نتحدث عن توسيع قاعدة المجتمع الضريبي، فإن جذب الاقتصاد غير الرسمي هو الأصل في توسيع هذه القاعدة”. وتقول هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري إن “استراتيجية مصر 2030” تستهدف ضم السوق السوداء إلى المنظومة الاقتصادية الرسمية بشكل كامل من خلال عدة حوافز منها إعفاءات ضريبية ومزايا تأمينية على أصحاب المشروعات والعاملين بها. وتتضارب التقديرات حول حجم الاقتصاد الموازي بالبلاد، فبينما أكدت السعيد لـ“العرب” أن “حجم الاقتصاد غير الرسمي يبلغ 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد”، تقول اللجنة الاقتصادية بالبرلمان إن حجمه يصل إلى نحو 60 بالمئة. وتشير تقديرات أخرى إلى أنه يصل إلى نصف الناتج المحلي الإجمالي البالغ حوالي 233 مليار دولار.هشام كمال: تعنت الحكومة سبب رئيسي في نمو القطاع والحوافز شرط أساسي ويكشف ذلك عن عدم اتساق في السياسات العامة حول مواجهة الاقتصاد غير الرسمي، حيث تسعى وزارة التخطيط لتوفيق أوضاعه من خلال إعفاءات ضريبية، بينما تسعى وزارة المالية لاستغلاله في زيادة حصيلتها الضريبية. وقال المنير إن “وزارة المالية أصدرت تعليمات لتشجيع الورش والمصانع التي تعمل دون ترخيص لترتيب أوضاعها ومنحها إعفاءات عن كافة السنوات الماضية وعلى أن يكون العام المالي الحالي هو موسم بدء خضوعها للضرائب”. وأوضح لـ“العرب” أن هناك حرية أمام المصانع حتى نهاية العام الحالي وبعد ذلك “سنقوم بحملات تفتيشية، وفي حال ضبط أي مصنع سيتم محاسبته وفق تقديراتنا عن السنوات الخمس الأخيرة”. وتستهدف موازنة العام المالي الحالي حصيلة ضريبية بنحو 34.3 مليار دولار، مقارنة بنحو 26.25 مليار دولار خلال العام الماضي. وقال اتحاد المصارف العربية إن تعاملات 38 بالمئة من البالغين في العالم تتم خارج الأنظمة المصرفية، وهم يمثلون الأغلبية في دول جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتستهدف القاهرة استغلال الانتشار الكبير لشبكات الهاتف المحمول لضم القطاع إلى الاقتصاد الرسمي عن طريق تقديم خدمات مصرفية إلكترونية بهدف حصر حجم هذا القطاع. ورغم تجاوز عدد مشتركي الهواتف المحمولة حاجز 100 مليون مشترك إلا أن كفاءة وجودة الشبكات داخل المحافظات لا تشجع على نشر التعامل بالمدفوعات عبر هذه الأجهزة أو نشر ثقافة ما يعرف باسم “موبايل بانكينغ”. وتتفق كافة مبادرات دمج القطاع غير الرسمي في منظومة الاقتصاد الرسمية من خلال دخول البنوك طرفا رئيسيا في تلك المعادلة، لكن ارتفاع الكثافة المصرفية وانتشار الأمية يقفان حجر عثرة في هذا الطريق. ويصل عدد البنوك العاملة في مصر نحو 39 بنكا، بينما يصل عدد فروعها إلى نحو 3910 فروع موزعة على كافة أنحاء البلاد، لكن يبدو أن هناك حاجة ماسة إلى فروع جديدة بمختلف المحافظات لتقليل طوابير الانتظار. ويقول البنك المركزي المصري إن عدد المواطنين الذين لديهم حسابات في البنوك وصل إلى حوالي 17 مليون مواطن، من إجمالي 54 مليون مواطن مسجلين في قواعد بيانات اللجنة العليا للانتخابات، وهم الراشدون المؤهلون لفتح حسابات مصرفية. وقدر المركزي حجم النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي بنحو 25 مليار دولار، كما يصل إجمالي حجم السيولة المحلية بالبلاد إلى نحو 140 مليار دولار. وأسست القاهرة في فبراير الماضي أول مجلس قومي للمدفوعات الإلكترونية بهدف خفض استخدام التعامل بالسيولة النقدية خارج البنوك من أجل تحفيز طرق الدفع الإلكتروني لمراقب التعاملات وحصر الأنشطة غير الرسمية في البلاد.
مشاركة :