واقع الحال الفلسطيني الآن يختلف كثيراً عمّا كان عليه في فترة صعود دور «منظمة التحرير»، خاصّةً في الفترة ما بين العامين 1967 و1982، حيث كانت حركة «فتح» بقيادة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هي التنظيم الأكبر المهيمن على مقدّرات «المنظّمة». والأكثر تأثيراً في عموم الأماكن التي يوجد فيها الفلسطينيون. اليوم هناك تعدّدية في القضايا والاهتمامات والقيادات لدى الفلسطينيين المنتشرين في معظم أنحاء العالم، بل يمكن وضع هذه التعدّدية الفلسطينية في خمس دوائر: دائرة الضفّة الغربية والقدس، دائرة قطاع غزّة، دائرة الوجود الفلسطيني في أراضي العام 1948، دائرة المخيمات واللجوء الفلسطيني في الدول العربية المجاورة، ثمّ دائرة المهاجرين الفلسطينيين المنتشرين في العالم والذين معظمهم من أصحاب الكفاءات المهنية العالية. أسبابٌ كثيرة مسؤولة عن هذا الواقع الانقسامي الفلسطيني بعضها مردّه الحال العربي، الذي كانت أولى مراحله بالمعاهدة المصرية/الإسرائيلية في نهاية عقد السبعينيات، ثمّ ما تلا ذلك من حربٍ إسرائيلية على لبنان في العام 1982، ثمّ الانعكاسات السلبية على «منظمة التحرير» بسبب غزو صدام حسين لدولة الكويت. وها هي تطوّرات الحاضر، بعد أكثر من ربع قرن مرّ على «اتفاقيات أوسلو»، تؤكّد خطأ السياسة التي انتهجت في المراهنة على دورٍ أميركي ضاغط على إسرائيل من أجل بناء الدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود العام 1967. وها هو الاستيطان يأكل الأخضر واليابس في الضفّة والقدس مع دعم «ترامبي» مفتوح لسياسة حكومة نتنياهو في الأراضي المحتلّة وخارجها. ولعلّها فرصة تاريخية الآن لقيادات الشعب الفلسطيني أن تبدأ صفحة جديدة من كتاب النضال الفلسطيني الذي عمره أيضاً مئة عام، والذي كانت فيه محطّة مهمّة هي تأسيس «منظمّة التحرير الفلسطينية» في مطلع عقد الستينيات، بمبادرة من القيادة الناصرية لمصر آنذاك. حيث حرصت القاهرة حينها على تحويل القضية الفلسطينية من «مسألة لاجئين» إلى قضية مقاومين.وفي العودة للنصوص المنشورة على موقع «وكالة وفا» الفلسطينية عن نشأة «منظمة التحرير»، نجد هذا النص الذي هو خير ما يمكن قوله الآن في هذه المرحلة، على المستويين العربي والفلسطيني، عن إعادة بناء المنظمة: تقدّمت وزارة الخارجية المصرية بتوصية إلى مجلس جامعة الدول العربية، في مارس (آذار) 1959 من أجل العمل على إبراز الكيان الفلسطيني، فوافق، في دورته الحادية والثلاثين في 9 مارس على قرارات تتعلّق بالشعب الفلسطيني، بعد بحث مجلس الجامعة للمرّة الأولى موضوع «إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني وإبراز كيانه شعباً موحداً، لا مجرد لاجئين بواسطة ممثلين يختارهم». ودعت قرارات المجلس إلى إنشاء «جيش فلسطين في الدول العربية المضيفة». وواكبت هذه الدعوة إنشاء «الاتحاد القومي الفلسطيني»، في مصر وغزّة وسورية (حصل ذلك في فترة الوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة)؛ ودعوة جمال عبد الناصر لإنشاء كيان فلسطيني، غايته: «مواجهة نشاط إسرائيل لتصفية المشكلة الفلسطينية وإضاعة حقوق شعب فلسطين». لكن عدم تنفيذ القرارات المتعلّقة بالكيان الفلسطيني، دفع القاهرة إلى تقديم مذكّرة إلى الجامعة العربية، تطالب بإبراز الشخصية الفلسطينية؛ وذلك خلال اجتماع مجلس الجامعة في شتورة (لبنان)، في أغسطس (آب) 1960. حدّدت لجنة الخبراء التابعة لجامعة الدول العربية في يوليو (تموز) 1962، شكلاً للكيان الفلسطيني، يقوم على أساس الدعوة إلى مجلس وطني، يضمّ التجمّعات الفلسطينية. وتنبثق منه جبهة وطنية تقود الشعب الفلسطيني؛ ويكون لها اختصاصات عسكرية وسياسية وتنظيمية وإعلامية ومالية. إلا أن الخلافات بين بعض الدول العربية، حالت دون تقديم المشروع إلى مجلس الجامعة. وأكّدت قرارات الجامعة العربية أنّ الشعب الفلسطيني، هو صاحب الحق الشرعي في فلسطين. وأنّ من حقّه أن يستردّ وطنه، ويقرّر مصيره، ويمارس حقوقه الوطنية الكاملة. وفي الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1963، عقدت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة جلسة خاصّة، بحثت فيها قضية فلسطين وموضوع اللاجئين الفلسطينيين بصورة رئيسية. تحدّث أحمد الشقيري، رئيس الوفد الفلسطيني. فقال: إنّ الوفد يطالب بعودة اللاجئين إلى وطنهم، وليس إطعامهم فتات الخبز. وإنّ قضية فلسطين، ليست قضية لاجئين نفتش عن تأمين إعاشتهم وإطعامهم وإسكانهم؛ وإنّما هي قضية وطن، تعرّض لأكبر غزوة استعمارية صهيونية، طردت منه مليون فلسطيني. علينا شجب الغزوة الاستيطانية الاستعمارية الصهيونية، وإعادة المليون فلسطيني إلى بلادهم وبيوتهم وأراضيهم. *مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن
مشاركة :