نعيش معًا كأخوة أو نموت معًا كحمقى

  • 2/17/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أيام مرَّت ذكرى أليمة في نفوسنا جميعاً، ذكرى اشتعال أحداث فبراير ومارس، ذكرى بات مرورها مناسبة لاستحضار الدرس القاسي والمهم الذي تعلمناه جمعياً: إما أن نعيش معاً كالأخوة، أو نموت معاً كالحمقى! بدءًا من القرن السادس عشر وعلى مدى أكثر من 200 عام أغرقت شعوب أوروبا نفسها في سلسلة حروب طائفية أزهقت أرواح الملايين من الناس، وقسَّمت المجتمع إلى طائفتين أساسيتين متحاربتين، هما البروتستانت والكاثوليك، ونتج عنها مجموعة شائكة من الانقسامات السياسية والدينية والاجتماعية الأخرى، واليوم، تشعر أن العالم العربي يمزق نفسه في شكل مماثل من الصراعات والمنازعات غير المجدية. أعتقد الآن أن معظم الناس باتوا مقتنعين بضرورة التعايش وتقبل الاختلاف، وأننا جميعا إخوة وأخوات علينا أن نتعلم العيش معاً، لكن المشكلة هي أن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» التي يستمر في خوضها أولئك الثيوقراطيين المتسلطين محبي الدماء، وأظن أن الأمر قد يستغرق عقودًا قبل عودة الوئام من جديد بين الأطراف المتصارعة في دول مثل سوريا والعراق وليبيا، واقتناع الجميع مجدداً بعبثية الصراع وأن التسامح أساس صنع السلام. رويداً رويداً يتكشف لنا أن العناصر المتناحرة في سورية استنفدت قواها، واستهلكت جميع مواردها بعد أن شاح رعاتها الأجانب بوجههم عنها، ولكنهم يواصلون القتال رغم ذلك لأن الحرب هناك تتبدل أشكالها وأهدافها. النظام السوري الدكتاتوري يستنزف خزانه البشري في معارك على جميع المناطق السورية، ويحتال حتى على داعميه الروس من أجل الحفاظ على كرسي الحكم، حتى لو لم يبقَ في سوريا كلها حجر على حجر، فيما بعض الفصائل المسلحة التي تقاتل الآن باسم تركيا مثلاً بدَّلت اتجاه فوهة بنادقها مرات ومرات خلال السنوات السبع الماضية، من النظام إلى داعش إلى الأكراد. تحاول أمريكا وحلفاؤها تجنب الدخول في صراع مباشر مع روسيا على الأراضي السورية، وفي الوقت نفسه نرى أن جنود تركيا والولايات المتحدة، وكلاهما من حلف شمال الأطلسي وحلفاء مقربين، يقاتلون حرباً بالوكالة ضد بعضهم البعض، فيما التطور المفاجئ لحدة القتال بين إسرائيل وحلفاء النظام السوري في الأيام الأخيرة يهدد بإحالة الصراع السوري إلى مستويات جديدة تماماً. هل يستغل الدين لأغراض سياسية أم أن السياسة تستغل لأغراض دينية؟ هل من فهم واضح لما يجري؟ إن استغلال الدين لأغراض سياسية هو إساءة للدين ذاته، فحتى لو فازت القوى الدينية في ساحة المعركة، فإنها تشوه سمعتها عندما تصبح متورطة في صراعات دموية وغير أخلاقية، إن ما تعلمه الأوروبيون من حروبهم الدينية هو أنه على جميع المؤمنين الحقيقيين أن يعرفوا أن الدين هو علاقة شخصية بيني وبين خالقتي، لا دخل لأحد بها. إذا كنا نوجه بندقية على رأس شخص أو نهدده بقتل أسرته فيمكننا إرغامه على الصلاة بالطريقة التي نريد، ويمكننا إخضاعه لدورات شرعية، وتحفظيه جميع الكتب السماوية، لكن هل ذلك العنف يضمن لنا أن الإيمان قد دخل إلى قلبه بالفعل؟ بالمقابل، لقد أزال الاتحاد السوفيتي البائد جميع معالم الشعائر الدينية من البلاد، ومنع الناس حتى من التواصل الروحاني مع خالقهم، خاصة في جمهورياته الإسلامية مثل كازاخستان وأوزبكستان، لكن بمجرد انهيار الاتحاد السوفياتي بعد نحو سبعين عاماً من إنشائه عاد الناس هناك بسرعة لبناء المساجد ورفع الآذان. داعش وإيران يمكن أن يفرضا نسختهم الخاصة من الإسلام على الناس في الأراضي التي يسيطرون عليها، ولكنهم في نهاية المطاف لن يتمكنوا من إقناع الناس بممارستهم الدينية على النحو الذي يريدون، إذا كان داعش يضربني إذا دخنت السجائر أو لم استخدم يدي اليمنى في تناول الطعام، فأنا لن أغير سلوكي لأن خالقي يريد ذلك، وإنما أفعل هذا على مضض، بمرارة واستياء. هذا ليس ديننا، لا إكراه في الدين. هل يجبر داعش وإيران الناس على حب الله والإنسانية؟ بالطبع لا، وإنما يعتمدون في منهجهم على ممارسة السيطرة على الناس الأضعف، مع حب التعذيب، والإهانة وإسكات المعارضة. إنه عكس كل شيء جاء به ديننا. الإيمان الحقيقي يقدم لنا الراحة والسعادة، الإيمان الحقيقي هو خيار، وهو قرار نتخذه بحرية بشأن من نحن وما نؤيده، الإيمان الحقيقي هو استخدام عقولنا وقلوبنا معاً. وباستخدام الدين كمبرر للوحشية، فإن داعش وإيران لم يجلبا للإسلام إلا العار، في أوروبا عندما أقول للناس أنا مسلم فإنهم وبشكل لا إرادي يخطون خطوة إلى الوراء، وفي كل مرة تبدأ فيها مناقشة حول الإسلام في العالم الغربي، يخيم شبح الإرهاب والتطرف حتى مع أشخاص لا يكنون العداء للإسلام، واشعر كما لو أنني يجب أن أشكرهم على استبعادي من الصورة النمطية للمسلم!.  اكتشف المسيحيون منذ قرون عديدة أن قتل عائلة البروتستانت ليس وسيلة ذكية لجعلهم كاثوليكيين، وهذا واضح للجميع، ولكني لا أتوقع أن تتوقف دماء الطائفية في العراق وسوريا في أي وقت قريب. لا يمكننا نشر الدين من خلال السيف، ولكن من خلال أن نصبح قدوة حسنة لغيرنا، وإذا ما بدأت الغالبية العظمى من المسلمين تتبنى بالفعل تعاليم إسلامنا الحنيف، التي تنص على مساعدة الأرامل والأيتام والفقراء، وإظهار الحب والرحمة تجاه الإنسانية جمعاء، وتكريس كل طاقاتنا في عملنا، ومن خلال التعليم والتنوير، فأنا متأكد أن العالم كله سيأتي إلينا طالبًا الاهتداء بنا. الإسلام دين أمل، الوعد بمستقبل أفضل والتقدم للبشرية، وفي القرون الأولى من الإسلام أطلق العنان لموجة مذهلة من الإبداع والتقدم البشري: الفلسفة، والعلوم، والرياضيات، وعلم الفلك، والفن والأدب. عندما نستوعب دروس الإسلام الحق، ونضع جانباً التخلف والتعصب والتطرف والكراهية، يمكننا كمسلمين استعادة عظمتنا التاريخية كخير أمةٍ أخرجت للناس.

مشاركة :