تحاول هذه المقالة الإجابة عن السؤال: كيف وصلت الرواية السعودية إلى القارئ الغربي؟ وكيف تعمل الترجمة على إعادة رسم مكانة الرواية السعودية في السوق الأدبي العالمي. وقبل ذلك، سأعرض بإيجاز تاريخ الأدب العربي في المشهد الأدبي الغربي وظروف ترجمته إلى اللغة الإنجليزية (اللغة العالمية المهيمنة)، موضحة كيف أدت مجموعة معينة من العوامل إلى اختيار روايات سعودية معينة للترجمة وبالتالي دخول الفضاء الأدبي العالمي. لقد اكتسبت الرواية العربية أهمية في الغرب منذ عام 1988، عندما حصل الكاتب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب. وقبل هذا العام كانت الترجمة للأدب العربي محدودة جدا باستثناء ألف ليلة وليلة وتفسير القرآن، ولم تكن أي من الأعمال [العربية] المترجمة إلى اللغة الإنجليزية قد اكتسبت قراءة واسعة. ويرى Altoma (2005،ص 54) أنه من الممكن أن نقسم مراحل ترجمة الخيال العربي المعاصر إلى اللغة الإنجليزية إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى:- 1947-67 حيث كان الاهتمام بالترجمة الإنجليزية للرواية العربية محدودا، ولم ينشر سوى عدد قليل من الروايات العربية حوالي 16 رواية (باللغة الإنجليزية)؛ مرحلة الترجمة الموسعة من 1968 إلى 1988 كانت هناك تطورات أكثر إيجابية، حيث ارتفع عدد الترجمات الإنجليزية إلى أكثر من «50 رواية و35 مجموعة قصصية» (Classe، 2000، ص 65)، و 1988 فصاعدا بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، بدأت الأعمال العربية تترجم بتواتر وانتظام أكبر، وأصبح العديد من الناشرين ضالعين في تقديم الترجمة مع زيادة الطلب على الروايات العربية. ويشير تقرير إحصائي حديث إلى أن حوالي 300 عنوان أدبي ترجمت من العربية إلى الإنجليزية ونشرت خلال الفترة 1990- 2010(Buchner,,Guthrie، 2011، ص 23). ويشير Allen,2003)) إلى أن الاهتمام بالأدب العربي وترجمته اقتصر أصلا على الدوائر الأكاديمية، حيث شجعت بعض الجامعات الغربية المتخصصين في الترجمة الأدبية الحديثة، بما في ذلك السرد العربي الحديث لترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية. تؤكد Casanova (2004،ص 146) أن منح جائزة نوبل هو نوع من التكريس الأدبي ليس فقط للفائز نفسه ولكن لجميع أولئك المؤلفين الذين ينتجون الأعمال الأدبية بلغتهم الأصلية. وبحسب Casanova (2004، ص 147)، «لا يوجد مقياس أفضل لتوحيد الحقل الأدبي الدولي من الاحترام العالمي الفعال الذي تقوده هذه الجائزة»، وهذا لعب دورا رئيسيا في تشجيع ترجمة ونشر الأدب العربي المعاصر. ومنذ ذلك الحين، أصبحت العديد من دور النشر في الولايات المتحدة وإنكلترا تبدي اهتماما بنشر ترجمات لأعمال الكتاب العرب من بينهم عبد الرحمن منيف وجمال الغيطاني والطيب صالح ونوال السعداوي وحنان الشيخ. وبعد أحداث 11 سبتمبر، ازداد الاهتمام بالمنتج الثقافي العربي، بما في ذلك الأعمال الأدبية السعودية، بشكل كبير حيث كانت هناك رغبة في معرفة المزيد عن المنطقة وثقافتها. وظهرت دراسات كثيرة تناقش وجهات نظر مختلفة حول تأثير «الحرب على الإرهاب» على تطور الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وعلى استقبال هذه الأعمال الأدبية العربية. ومع ذلك، يرى آخرون أن هذه الأحداث السياسية قد أثرت سلبا على مجال الترجمة الإنجليزية للأدب العربي، حيث إن الروايات تقرأ الآن كأفلام وثائقية اجتماعية من قبل أولئك الذين يسعون للحصول على معلومات حول السياسة في الشرق الأوسط بدلا من التركيز على القيمة الفنية للأعمال الأدبية. وفيما يتعلق بالروايات السعودية على وجه التحديد، شهد العقدان الأخيران أعدادا متزايدة من الترجمات حيث أبدى الناشرون الغربيون اهتمامهم بأعمال النشر والتسويق من قبل بعض الكتاب السعوديين. على سبيل المثال، العديد من الروايات التي كتبها عبد الرحمن منيف قد ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التيه (1984)، والأخدود (1986)، وتقاسيم الليل والنهار (1989) و النهايات (1977). ويعتبر منيف أول كاتب سعودي يترجم إلى لغات أجنبية، وقد أشاد به روجر ألين في كثير من الأحيان وبأسلوب كتاباته التي لا تزال تعتبر «نوعا من المغايرة الجذرية في الكتابة الجديدة من حيث السياق والتقنية الفنية». علاوة على ذلك، تُرجمت أيضا ثلاث من روايات غازي القصيبي إلى اللغة الإنجليزية، وهي شقة الحرية (1994) ترجمت عام (1996)، وسبعة (1998) ترجمت في عام 2001، وحكاية حب (2001) ترجمت في عام (2002) جنبا إلى جنب مع بعض قصائده وأعماله النثرية الأخرى. وفي أعقاب أحداث 11/ سبتمبر، ازداد الاهتمام كثيرا بترجمة الروايات السعودية المختلفة لإتاحتها للقراء الغربيين. وعلى سبيل المثال، تم ترجمة بعض روايات تركي الحمد مثل العدامة (1997) والشميسي (1998) إلى اللغة الإنجليزية عام (2003) و(2004). وقد تم اختيار الشميسي (2 004، ترجمة Paul Starkey) ضمن القائمة الطويلة المؤلفة من 16 عملا في جائزة The Independent Foreign Fiction Prize 2005 . وفي الوقت نفسه، بدأت الكتابة النسائية السعودية تجتذب الاهتمام الغربي، وبدت رواية الكاتبة السعودية أعمالا تستحق الترجمة والنشر باللغة الإنجليزية. كرواية بنات الرياض التي ترجمت إلى 40 لغة أجنبية. والسبب الذي أثار هذا الاهتمام من قبل المترجمين سيتم مناقشته في وقت لاحق من هذه المقالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجوائز الأدبية التي منحت للروائيين السعوديين أتاحت فرصة عظيمة لترجمة رواياتهم إلى لغات أجنبية واكتساب جمهور جديد. على سبيل المثال، يمهد الفوز بلقب (البوكر) الطريق لترجمة الأعمال الفائزة إلى اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات. وفي العديد من الحالات، تمت أيضا ترجمة روايات سعودية مدرجة في القائمة القصيرة والقائمة الطويلة لهذه الجائزة. لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو كيف تم تلقي هذه الروايات السعودية في الغرب، حيث لاقت بعض الروايات السعودية اهتماما كبيرا في حين أن البعض الآخر لم يجد ذلك الاهتمام، على الرغم من أن هذه الأعمال قد قوبلت بحماس جيد في العالم العربي. وعلى سبيل المثال، نالت بنات الرياض شعبية كبيرة وترجمت إلى لغات مختلفة كثيرة بينما لم تترجم رواية (ترمي بشرر)، التي فازت بجائزة الرواية العربية (البوكر) في عام 2010، إلا إلى لغتين أجنبيتين، ولم تترجم رواية (طوق الحمام)، التي فازت بذات الجائزة في عام 2011، إلا إلى خمس لغات أجنبية، على الرغم من إشادة النقاد العرب في كثير من الأحيان بالأعمال الأدبية لرجاء عالم وعبده خال. وكما يوضح Allen (1988)، أن القارئ الغربي لا يزال متأثرا بشدة بالصورة النمطية الاستشراقية المتعلقة بالأدب العربي. ولهذا تأثرت عملية استقبال ونشر الروايات السعودية خارج الفضاء الأدبي العربي بمجموعة من العوامل منها على سبيل المثال لا الحصر استراتيجيات التسويق ودور دور النشر والقضايا التي يعالجها العمل الأدبي والصور الذهنية النمطية للعالمين العربي والإسلامي. وبالتالي، هناك حاجة إلى معالجة مسألتين رئيسيتين في هذا السياق: كيف تؤثر القوالب النمطية الاستشراقية على استقبال الروايات السعودية؟ وكيف استُقبلت هذه الروايات السعودية من مجتمعات تفسيرية مختلفة من القراء الغربيين؟ ** والتي سنحاول الإجابة عنهما في الجزء القادم.
مشاركة :