دعوات ضم الضفة أو المستوطنات فيها بقلم: عدلي صادق

  • 2/17/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سمعت مؤخرا، دعوات صهيونية متطرفة لضم الضفة، ما يجعل إحدى مهمات السياسة الفلسطينية العمل على تخليق تكتل مناوئ لهذا الجنون، يكون من بين عناصره إسرائيليون معارضون للاحتلال.العرب عدلي صادق [نُشر في 2018/02/17، العدد: 10903، ص(8)] يصح القول إن ظاهرة المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين يدحضون الرواية الرسمية الإسرائيلية عن الصراع، ويؤيدون الرواية العربية، تمثّل بالنسبة للفلسطينيين، سببا إضافيا لوجاهة الأخذ بالمنهجية السياسية الصحيحة، وترك لغة الطنين الخطابي التي تضر ولا تنفع. فهؤلاء المؤرخون ليسوا أشخاصا هامشيين، بل هم أساتذة مرموقون في علم التاريخ، توفروا على وثائق إسرائيل وانفتح لهم أرشيفها، وخرجوا بنتيجة كانت محصلة عمل بحثي اتسم بالمهنية والحصافة، وقالوا بملء أفواههم، إن الرواية الإسرائيلية الرسمية عن الصراع، كاذبة من ألفها إلى يائها. في المشهد السياسي الإسرائيلي، وفي مجتمع صهيوني بلا ضمير، نهض هؤلاء دونما أي خلفيات حزبية يسارية أو عربية في داخل الدولة، ليقولوا إن للشعب الفلسطيني حقوقاً أساسية في أرضه، وأن إسرائيل دولة ملفقة، وتأثرت بهؤلاء حلقات شبابية وأكاديمية، مثّلت شيئاً يسيراً من صحوة الضمير في داخل المجتمع المغلق على أساطيره ومعتقداته وتطرفه! ومع مرور الوقت، تنامت فعاليات تكذيب الرواية الإسرائيلية، في إسرائيل نفسها، بينما عناصر في بلدان عربية، بدأت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعبّر عن قناعتها برواية إسرائيل الرسمية، وذلك في أسوأ انعكاسات الضجر والخوف على مصائر بلدانها. لكن تنامي ظاهرة التكذيب في الأوساط الشبابية الإسرائيلية، لم تأخذ المنحى المتطابق مع التمنيات الفلسطينية القصوى. فقد ركز هؤلاء، على العاهة الأخلاقية لاحتلال 1967 والممارسات العنصرية التي وصفوها بكونها الصيغة الإسرائيلية لبلدات السويتو المجاورة لجوهانسبورغ التي كانت الرمز الأكبر للابرتهايد، وقالوا لقد أصبح الاحتلال الإسرائيلي للضفة، بعد نصف القرن من بدء الاستيطان الاستعماري المنفلت العقال، في الفضاء الجغرافي الضيق المتبقي للشعب الفلسطيني، شبيهاً بالنظام العنصري في جنوب أفريقيا. وفي سياق هذه النتيجة الأكثر مأساوية، تتمادى إسرائيل في ظلمها للفلسطينيين. وقد تعرّض مناوئو الاحتلال الإسرائيليون إلى طوفان من الكراهية من قبل العنصريين القتلة، وكان رد مساندي التسوية على أساس حدود 1967 أن رموز التيار الاستيطاني المتطرف، مثل نائبة وزير الخارجية في حكومة نتنياهو تسيبي حوتوبيلي، ووزير الجيش أفيغدور ليبرمان، محض جهلة، ولا يعرفون أنهم يكررون عبارات قالها الناطقون بلسان الحكم في ألمانيا النازية، عندما كانوا يتحدثون عن القتال ضد الأعداء الخارجيين والأعداء الداخليين للدولة. أحد هؤلاء المتطرفين كتب في صحيفة هآرتس يُشبّه مجموعة “نحطم الصمت” الإسرائيلية المناوئة للاحتلال، بحركة حماس الفلسطينية، على الرغم من أن كل ما تفعله مثل هذه المجموعة، تعتمد على تضامن حلقات صغيرة ودوائر ومراكز أهلية في المجتمع الإسرائيلي، طلبا للخروج من القطيع، وهي لا تتقبل التحريض على المظلومين الفلسطينيين، ويمارس أفرادها حقهم في التعبير عن آرائهم، والقول بالفم الملآن، إن ما تفعله الدولة غير قانوني وغير أخلاقي، ومن هنا رآهم المتطرفون الصهاينة، خطرين وينبغي محاصرتهم واضطهادهم. حيال مثل هذه الظاهرة، يمكن للمرء أن يتقصى تأثير الخطاب الأقصوي الفلسطيني والعربي، المشبع بمفردات اقتلاع إسرائيل وتدميرها، على الموقف الأدبي لمجموعات كسر الصمت وصحوة الضمير. فهو قطعا سيعزز مكانة خطاب التطرف العنصري والدعوات إلى ضم الضفة وتهجير أهلها. ذلك لأن خطاب التشدد الفلسطيني رغم صواب معطياته التاريخية، لا يطرح قراءة تاريخية وحسب، وإنما يهدر مؤذنا ببدء الهجوم على إسرائيل، بينما ليس هناك أي هجوم ولا هم يحزنون. المؤرخ الإسرائيلي البروفيسور دانيال بالتمان، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية، يفاخر بتنامي ظاهرة الاعتراض على الاحتلال، ويشرح دوافع المقاومين الفلسطينيين في الضفة، ويراها أمرا طبيعياً، وينوّه إلى إن ما كان يُقال همساً وفي الغرف المغلقة، ضد الاحتلال اللاأخلاقي؛ أصبح مسموعاً ومرئيا، ولذلك لا بد من الوقوف بالمرصاد ضد ما يُسمى “الحل النهائي” للقضية الفلسطينية الذي يطرحه منظرو الاستيطان، وعلى رأسهم أحد أعضاء الكنيست من ممثلي المستوطنين الذي دعا إلى إبادة الفلسطينيين. وذهب المؤرخ بالتمان، إلى حد تبرير عمليتي قتل الحاخامين زريال شيفح وإيتمار بن غال، في الضفة الفلسطينية، فقال إن العمليتين أعادتا إلى جدول الأعمال الصراع الدائر بين ما يسمى “الإرهاب الفلسطيني” ومجموعة المستوطنين التي تستولي على أراض ومناطق يسكن بها شعب آخر، وتشن بمساعدة الدولة حربا لاقتلاع السكان المحليين من أرضهم. ويرى في هذا السياق أن العمليتين الفدائيتين اللتين قتل خلالهما الحاخامان، من مستوطنتي حفات غلعاد وهار براخا هما عبارة عن نمط من العنف، ينتجه الواقع الكولونيالي بطبيعته. قُصارى القول، إن هدف الوصول إلى دولة فلسطينية على أراضي 1967 ليس سهلاً، سواء رآه البعض من الفلسطينيين أمنية قصوى أو رآه البعض الآخر عبارة عن مرحلة. لذا فإن منطق السياسة في حال أن يتوخى الفلسطينيون تحقيق هذا الهدف، يفرض عليهم طي خطاب الطنين اللاواقعي، ومحاكاة الرأي العام الدولي، المناوئ لاحتلال 1967 بما فيه رأي المجموعات الإسرائيلية المساندة للتسوية، وهذا منحى يتقبّله العالم. لقد سُمعت في الآونة الأخيرة، دعوات صهيونية متطرفة لضم الضفة، ما يجعل إحدى مهمات السياسة الفلسطينية العمل على تخليق تكتّل مناوئ لهذا الجنون، يكون من بين عناصره إسرائيليون معارضون للاحتلال. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :