سامي الجميل سياسي يعتبره اللبنانيون المعارض الحقيقي الوحيد بقلم: صلاح تقي الدين

  • 2/17/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

صفات عديدة تجتمع في شخصية السياسي سامي الجميل تميّز تحت قبة البرلمان بمداخلاته المثيرة والمحببة والشعبوية.العرب صلاح تقي الدين [نُشر في 2018/02/17، العدد: 10903، ص(12)]سامي الجميل زعيم ماروني شاب تقوده أقدار غيره اتخذت التقاليد في لبنان طابعا يعكس التوازنات والسياسات ومتغيراتهما بشكل فائق. ولذلك فإن حدثا ما، مهما كان صغيرا، قد يفضح شرخا ما بين القوى السياسية والزعامات. ولعل أحدث تلك الأحداث هي مقاطعة ممثلي الرئيس أمين الجميل ونجله رئيس حزب الكتائب سامي الجميل للاحتفال بذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي مرت قبل أيام قليلة. فوسط استغراب الحاضرين، غادر الوزير آلان حكيم احتفال البيال بالذكرى الثالثة عشرة لاغتيال الحريري. وعبر عن انزعاجه لأنه لم يعط كرسيا ليجلس عليه في الاحتفال. كذلك غادر نديم الجميل رئيس حركة الاستقلال لنفس السبب. وربما كان غياب الكرسي له رمزيته، فمن لم يحسب حسابه بكرسي لن يحسب حسابه في الصفقات السياسية وحصصها. أما سامي الجميل فقد اجتمعت في شخصيته صفات عديدة، ليست من بينها صفة واحدة هينة، بل هي في غالبيتها ثقيلة على كاهله الشاب. إذ ليس سهلا أن تكون حفيد مؤسس حزب “الكتائب” اللبنانية ونجل رئيس سابق للجمهورية وشقيق نائب تم اغتياله وابن أخي رئيس تم اغتياله أيضا، لكي تخوض الشأن العام من دون أن تكون الأنظار كلها متجهة صوبك. كل هفوة قد ترتكبها ستكون بمثابة خطيئة وكل عمل محمود تقوم به لن يسجّل لك سوى في خانة “يقوم بواجباته”. هذه هي حال الشيخ سامي الذي انخرط في الشأن العام منذ العام 2003 حين ترأس مصلحة الشباب في “الحركة الإصلاحية الكتائبية” في عز الانقسام الكتائبي قبل أن يشارك في تأسيس “حركة لبناننا” في العام 2005 وانسلاخه عن “العائلة” ليقود معركته السياسية الخاصة. معركة توحيد الكتائب لم يكن مقدّرا للابن الثاني للرئيس أمين الجميل أن يتابع مسيرته السياسية في ظل شقيقه النائب الراحل بيار الجميل الذي كان له الفضل الأكبر في إعادة توحيد الحزب الماروني البارز، ومن ثم الفوز بمقعد نيابي في عز المعركة ضد “الكتائب”. لكن الحقد الذي كان سمة الفريق المناهض للسيادة والاستقلال أبى إلا أن يصيب بيار برصاصاته، ليجد شقيقه الشيخ الشاب نفسه أمام قدر لا مفر من أحكامه، فيصبح الوريث الشرعي لرئاسة الحزب الذي أبقى للشيخ أمين الرئاسة الفخرية، وللمقعد النيابي الذي خسر الشيخ أمين معركته الفرعية قبل أن يستعيده سامي في العام 2009. ولد سامي الجميل في العام 1980 في بلدة بكفيا المتنية، معقل آل الجميل التاريخي. وحاز على إجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في العام 2002، وعلى الدراسات العليا في القانون الدستوري من الجامعة نفسها في العام 2005. بدأ نجمه يلمع أواخر التسعينات عندما قاد تظاهرة مناهضة للوجود السوري في لبنان، وقام بحرق العلم السوري مطالبا بانسحاب جيش الأسد ومخابراته وخروج المعتقلين من السجون السورية. وفي الجامعة اليسوعية ترأس الحركة الطلابية لحزب الكتائب، واعتبرت سياسته محافظة وأكثر قومية من سياسة والده، فكانت خطاباته النارية تدفع مؤيديه إلى تشبيهه بعمه الرئيس بشير الجميل الذي قضى اغتيالا في العام 1982.مداخلات رئيس حزب الكتائب في المجلس النيابي تثير جدلا واسعا. ولعلّ موقفه المعارض الحاد تجاه التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل هو الذي طبع المرحلة الأخيرة من ممارسة الجميل بطابع خاص أطلق الجميل حركة “لبناننا” المستقلة كليا عن حزب “الكتائب”، وأعلن أن هدفها إعادة توحيد المسيحيين اللبنانيين المنقسمين سياسيا. فاستقطبت حركته تأييدا لدى الشباب الذين رأوا في السياسات التقليدية التي كانت تهيمن على المناخ المسيحي في البلد سبب تراجع مكانتهم، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى الوجود السوري المسلّح في لبنان الذي هيمن على كل شيء بما في ذلك الحريات التي يعتبرها سامي المتنفس الوحيد والسبب الرئيس لوجود لبنان. ضد الغطاء المسيحي لحزب الله الجميل من أشد المنتقدين للجناح العسكري لـ”حزب الله” ويتهمه بأنه يسعى إلى “إقامة دولة إسلامية في لبنان” ولا يوفّر مناسبة إلا ويهاجم فيها الحزب الذي “يتصرّف كأنه بلد مستقل بذاته: سلطة سياسية، سلطة اقتصادية، ولاء اجتماعي وقوى عسكرية”، كما لا يوفر في انتقاداته “التيار الوطني الحر” بزعامة العماد ميشال عون، الذي يعتبر أنه بتوقيعه على مذكرة التفاهم مع “حزب الله” في العام 2006، وفّر له الغطاء المسيحي الذي كان يجهد للحصول عليه ولم يعثر عليه إلا لدى عون. غير أن اغتيال شقيقه بيار، وضع الجميل أمام معضلة الاستمرار في تحركه السياسي بعيدا عن كنف العائلة والحزب، أو وراثة شقيقه على رأس الحزب وفي المقعد النيابي في المتن. وهكذا قرر الشيخ الشاب العودة إلى عرينه في حزب الكتائب، فتولى رئاسة مجلس الشباب والطلاب، وراح يشق طريقه داخله إلى أن تولّى مسؤولية منسق اللجنة المركزية في الحزب، ما أهّله إلى الامساك بجميع مفاصل الكتائب وصولا إلى انتخابه رئيسا لها في العام 2015. لم يكن موت أخيه حدثا عابرا في حياة الجميل الذي لم يستطع كبت مشاعره وذرف دموعه في كل مرة كان يأتي فيها على ذكره، لكنه زرع في قلبه مكانا “للحقد والضغينة” ضد الجهة التي يعتقد أنها كانت السبب وراء إطلاق رصاصات الغدر على صدر ورأس بيار، وفي معقله في المتن. فصمّم بعد خسارة والده الرئيس في الانتخابات الفرعية لملء المقعد الذي شغر بوفاة بيار على الترشّح إلى الانتخابات النيابية في العام 2009، لـ”الانتقام” من هذه الجهة بتحقيق الخرق الكبير بلائحتها، ونجح رهانه وفاز بالمقعد النيابي. تميّز الجميل تحت قبة البرلمان بمداخلاته المثيرة والمحببة و”الشعبوية”، حتى أن الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب كان لا يكتم سروره بإعطاء الكلمة له سواء بالنظام أو أثناء المناقشات العامة. وغالبا ما كانت مداخلاته في المجلس تثير جدلا يأخذ مداه حتى بعد انتهاء الجلسة، ولعلّ موقفه المعارض الحاد تجاه التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل هو الذي طبع المرحلة الأخيرة من ممارسة الشيخ الشاب بطابع خاص. لا يوفر مناسبة إلا ويوجه انتقاداته اللاذعة إلى التيار وباسيل، ولا يستثني في انتقاده رئيس الجمهورية ميشال عون، تارة في موضوع صفقة البواخر لاستجلاب الكهرباء والتي يصفها بأنها صفقة الرشاوى والجيوب، المثير أنه لا يطلق كلماته جزافا بل يتزوّد دائما بالوثائق والأدلة التي تؤكد صحة ما يقول، وتارة أخرى في موضوع النفايات إذ كان في طليعة من رفع الصوت عاليا وحشد ما يلزم من أنصاره للنزول إلى المكب المستحدث في منطقة برج حمود، وهي المنطقة التابعة لدائرته الانتخابية، رافعا الصوت عاليا وقاطعا الطريق أمام آليات المتعهد التي كانت تنقل النفايات إلى المطمر المذكور. نحو فدرلة لبنانالجميل يتهم بأنه ينطلق في معارضته من دوافع شعبوية، وأن خطاباته للاستهلاك السياسي عشية الانتخابات النيابية المقررة في 6 مايو المقبل، بعد أن خسر والده مقعده في انتخابات سابقة ثم ما لبث الشيخ الشاب أن استعاده اتهم كثيرا بأنه ينطلق في معارضته من دوافع شعبوية، وأن خطاباته ليست سوى للاستهلاك السياسي عشية الدخول في الانتخابات النيابية المقررة في 6 مايو المقبل، غير أن الجميل كان يردّ على هذه الاتهامات باتهامات مضادة متحديا السلطة أن تكّذب كلامه، حتى أنه أعلن استعداده لطلب رفع حصانته النيابية لكي يواجه الدولة أمام المحاكم. من مواقف رئيس الكتائب الشهيرة وقوفه بشدة إلى جانب “فدرلة” لبنان، إذ اعتبر أن دستور الطائف الذي نص على إلغاء الطائفية السياسية صعب التطبيق، خصوصا وأن “الطوائف اللبنانية حذرة دائما من بعضها البعض”. لذلك فهو يعتبر أن الفدرالية قد تكون الحلّ الأمثل، إذ أن في ذلك تأكيدا على ما نص عليه الطائف أيضا لناحية اللا مركزية الإدارية، والإنماء المحلي، لكن هذا الموقف بالذات كان محل معارضة قوية من باقي الفرقاء السياسيين، وهم وإن اعترضوا لكنهم لم يطرحوا حلا بديلا. ورغم العلاقة الأخوية التي كانت تربط شقيقه الراحل بيار بالرئيس سعد الحريري، إلا أن الشيخ سامي لم يكمل الطريق الذي بدأه إلى جانب الحريري، فأخذت معارضته لحكومته الطابع الشخصي ومهاجمته في الإعلام حتى وصل الأمر بأن غادر الحريري قاعة المجلس النيابي لدى اعتلاء الشيخ سامي المنصة لدى مناقشة البيان الوزاري لحكومة الحريري. في آخر إطلالات الشيخ سامي لدى إطلاق الماكينة الانتخابية لحزب الكتائب في مطلع الشهر الجاري، وقف ليدعو اللبنانيين إلى أن يعتبروا الانتخابات النيابية المقبلة “فرصة لكل اللبنانيين من أجل بناء لبنان جديد. هذه فرصة لنقول لا لهذا الأداء وفرصة لإعطاء الحق للأوادم في هذا البلد”، مضيفا بلغة حادة متوجها إلى كل من أدلى بصوته في انتخابات العام 2009 “أنتم لم تخطئوا، والمهم أن تحاسبوا اليوم على الأداء والمواقف والخطوات وتقوموا بالخيار الصائب في 2018. حاولوا تشويه صورتنا واتهمونا بأننا شعبويون ومع كل هذا الضغط لم نتراجع وجعلنا السلطة السياسية لسنتين تعيش على نبض مؤتمراتنا الصحافية ومراجعاتنا الدستورية ونزلاتنا على الأرض”. سامي الجميل، نبض شاب ومن جيل “يحلم” بأن يتنعّم بعيشه في لبنان الذي دخل في دوامات الحروب والأزمات لأن هناك جهات داخلية لا تريد أن “تكون لبنانية”، وفي ذلك يوجه كلامه إلى حزب الله تحديدا الذي يصرّح أمينه العام السيد حسن نصرالله “أفتخر بأننا جنود في جيش ولاية الفقيه”، لكنه في الوقت نفسه يصوّب السهام تجاه الآخرين ممن لديهم ارتباطات وحسابات إقليمية ويفضّلون خدمة مصلحة هذه الجهات قبل مصلحة لبنان. كثر من السياسيين في لبنان يغبطون الشيخ الشاب على جرأته وصراحته، لكن هناك آخرون “يخافون” عليه، ويخشون أن يصيبه أي مكروه، ويكررون على مسامعه المثل الشعبي اللبناني القائل “ما متت، ما شفت مين مات؟”. وربما ليس من دون دلالة جاءت تلك التسمية الشعبية التي تطلق على الجميل والتي تعتبره “المعارض الحقيقي الوحيد في لبنان”.

مشاركة :