يواصل النظام القطري السير على حافة الهاوية، ولكن بكثير من المكابرة المصطنعة التي برزت مرة أخرى في حديث وزير خارجية «الحمدين» محمد بن عبدالرحمن أمام مجلس الشورى، أول من أمس، عندما أعاد التركيز على إسطوانة مشروخة عنوانها «احترام السيادة»، رغم أن الجميع يدرك ألا أحد سعى للمساس بسيادة قطر، وأن العكس هو الصحيح، فنظام الدوحة هو الذي طالما عمل على الاعتداء على سيادة الدول الأخرى عبر التدخل المباشر وغير المباشر في شؤونها الداخلية والمساس بأمنها واستقرارها، وحبك المؤامرات ضدها، ودعم قوى التطرف والإرهاب، ساعياً بذلك إلى إعادة رسم خريطة المنطقة. وقد تبين ذلك من خلال التدخل القطري في شؤون دول الخليج العربي وبقية الدول العربية كمصر وليبيا واليمن وسوريا وفلسطين والعراق وتونس وموريتانيا وغيرها، ومن خلال تمويله وتسليحه للميليشيات والجماعات المتشددة، تحت غطاء ما سمي بالربيع العربي، ومن خلال توجيه أبواقه الإعلامية في الداخل والخارج للتأثير في الرأي العام، والعمل على بلورته وفق حسابات أيديولوجية تتجاوب مع تطلعاته «الإخوانية» التي لم تعد خافية عن أحد. أما ما ذكره الوزير القطري عن المبادئ الرئيسية لأي حوار، فلم يأت بجديد، لأن الدول المقاطعة هي التي سبق ووضعت شروطاً لأي حوار، تتأسس على جملة المطالب التي سبق لأميره أن وافق وأمضى عليها والتزم بها في «اتفاق الرياض 2013» وكذلك الاتفاق التكميلي في 2014، والتي تم تحديدها خلال يونيو الماضي في 16 طلباً، لا تراجع عنها، ولا تبديل ولا تحوير فيها. هروب للأمام وعندما يصف وزير خارجية نظام الدوحة إجراءات الدول المقاطعة بأنها «غير مسبوقة في التاريخ الحديث لدولة قطر»، وبأنها «عملية غدر»، فإنه يتجه من جديد للهروب إلى الإمام، لأنه من المفترض أن يكون أول المدركين لهوية الطرف المعتمد على الغدر في توجهاته وحساباته ومخططاته، وهو النظام الذي يعمل في ركابه، فالجميع بات يدرك كيف غدر تنظيم الحمدين بالدول الشقيقة من خلال دعمه للإرهاب ولسفك دماء الأبرياء في البحرين واليمن وشرق السعودية ومصر وتبنيه للمتآمرين على أمن دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوفيره الملجأ الآمن لرموز التكفير والخيانة، وتحالفه مع نظام الملالي في إيران، وتسليحه وتمويله للجماعات التخريبية والعصابات الطائفية في أكثر من بلد عربي. كذبة كبيرة وأما كذبة أن ما تريده دول المقاطعة هو أن تكون قطر تحت وصايتها لاستغلال مواردها، فلا شك أنها مثيرة للشفقة، لأن تلك الدول لديها من الإمكانيات والمقدرات ما يتجاوز بكثير موارد قطر، ولم يحدث أن سجل التاريخ أنها حاولت التدخل في دول أخرى نهب ثرواتها وسرقة خيراتها، تماماً عكس ما يسجل عن نظام الدوحة في تعامله مع الملف الليبي عندما كان يستهدف الهيمنة على النفط والغاز، أو عندما سعى لوضع اليد على قناة السويس وأرض سيناء زمن حكم الإخوان. تأثر بخطاب الملالي ادعاء الوزير القطري دفاع نظامه عن المستضعفين في العالم، فنستشف منه تأثراً واضحاً بخطاب الخامنئي وعموم الملالي، وبفكر الإخوان وتنظيم القاعدة، فالمستضعفون عند هؤلاء، هم الطائفيون والمتطرفون والإرهابيون المطاردون من قبل الأمن والقضاء بسبب تآمرهم على سيادة الدول واستقرار المجتمعات. وبخصوص العلاقات القطرية الإيرانية، قال: «بيننا وبين إيران نقاط خلافية كثيرة حول السياسة الخارجية، ومازلنا نختلف بشأنها»، وهو يقصد أمراً واحداً دون شك يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، فالنظام القطري يعتبر حليفاً استراتيجياً للكيان الصهيوني، وداعماً أصيلاً لسياساته، حتى إن حلفاء تل أبيب في واشنطن، أطلقوا على قطر اسم «إسرائيل الخليج»، ويبدو أنهم لم يخطئوا في ذلك.
مشاركة :