كمال بالهادي سبع سنوات مرت على ما يُعرف بـ «الثورة الليبية»، غير أن الثورة لم تسفر سوى عن وجهها الدموي؛ حيث فشل الليبيون بعد هذه المدة في إرساء دعائم دولة جديدة تقطع مع دولة الفشل، التي أنتجت مثل هذا الوضع المتردي على المستوى الخدمي والإنساني والأمني.المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة دوّن على صفحته ما يشبه التنبيه إلى أنّ العودة إلى مربع التناحر المسلح بين الفرقاء السياسيين في ليبيا، هو أمر وارد في كل لحظة، وأن الجرائم التي يمكن أن ترتكب لا يمكن أن يكون ضحيتها إلا المواطن البريء. فقد كتب سلامة «حين أسمع ما يشبه قعقعة السلاح، أفكر أولاً بالمدنيين، بحقهم بالحياة، بمضمون القانون الدولي، الذي يُحرم المساس بهم، باحتمال حصول جرائم حرب ضدهم، وبواجب الحماية الذي لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله دون أن يخسر نفسه». سبع سنوات مضت على إطاحة نظام معمر القذافي؛ لكن الثورة على الفساد، التي نادى بها الليبيون في عام 2011، لم تقض على هذه الظاهرة؛ بل زادته استشراء، وأضيف إليها انتشار الإرهاب، والجريمة المنظمة، التي جعلت ليبيا بلداً يصنف ضمن أخطر بؤر التوتر في العالم. ولئن كانت الثروة النفطية هي الثروة الوحيدة في ليبيا، فإنّ الصراع على منابع النفط كان هو محرك عمليات الاقتتال الداخلي، خلال السنوات الماضية. وتشير تقارير صدرت منذ أيام، إلى أن تدهور قيمة الدينار الليبي، وشح السيولة في المؤسسات المصرفية، وانتشار الفقر في صفوف واسعة من الليبيين؛ بعد حالة الرفاه المادي، التي كانوا يعيشونها قبل 2011، تعود كلها إلى الفساد الكبير من خلال التصرف بالثروة اليتيمة في البلاد. وأشار تقرير ل«وكالة بلومبرج» الأمريكية في بداية الشهر الحالي، إلى أن السرقة والفساد يقتربان من خنق صناعة النفط الليبية. وتحدث رئيس المؤسسة الوطنية للنفط عن أن 83 في المئة من محطات توزيع الوقود غربي ليبيا لا تعمل بالرغم من تخصيص نسب من الإنتاج لها، وهذا يوضح أن هناك محطات وهمية تحصل على الوقود، وتقوم بتهريبه إلى دول الجوار أو إلى أوروبا؛ حيث كشفت صحيفة «باري ماتش» الفرنسية عن شبكة تهريب دولية تديرها المافيا الإيطالية في كل من مالطا وتونس وليبيا وإيطاليا، وتقوم بتهريب النفط الليبي من ميناء زوارة إلى وجهات غير معلومة.غير أنّ مشاكل الليبيين، لا تتوقف عند التدهور الاقتصادي، الذي يمكن التغلب عليه لو توفر الحل السياسي، الذي يعيد بناء مؤسسات الدولة، ويُمكن من تشريع دستور جديد لبلاد. فالأزمة السياسية الليبية تبدو أكثر تعقيداً وأشد خطراً من الوضع الاقتصادي المتدهور. جهود المبعوث الأممي إلى ليبيا، قد لا تحقق أهدافها المرسومة، رغم الرغبات المعلنة من الأطراف السياسية في إجراء الانتخابات. فرئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الليبي، طلال الميهوب، قال: «إنّ الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تُخطط لها البعثة الأممية بقيادة المبعوث الخاص لدى ليبيا الدكتور غسان سلامة، قد لا تتم هذا العام» الواضح أن الأطراف السياسية التي تدرك أنه لن يكون لها موطئ قدم في المشهد السياسي الجديد، الذي ستفرزه الانتخابات التشريعية والرئاسية، ستعمل بكل ما استطاعت لتعطيل مسار الانتخابات. ولا يمكن هنا أن نغفل التراخي في التعامل مع الملف الليبي، وهو تراخ استفادت منه الميليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، التي قوضت كل أسس الدولة الليبية. المسار السياسي المعطل، هو السبب الرئيسي في تعطل مسارات التحول الديمقراطي في ليبيا، والسنوات السبع العجاف، التي عاشها الليبيون، كافية لأن تنهض القوى الوطنية وتدافع عن حقها في الحياة وعن حق الأجيال القادمة في مجتمع موحد ودولة قوية، لها من الإمكانات ومن الموقع الاستراتيجي ما يجعلها دولة مزدهرة وقوة يحسب لها الحساب في الحوض المتوسط. وحدهم الليبيون يعرفون تاريخ بلادهم، وهم قادرون على طي صفحة «السبع العجاف». belhedi18@gmail.com
مشاركة :