عاصرتُ سبعةً من ملوك المملكة العربية السعودية، الى تاريخه: عبدالعزيز؛ سعود؛ فيصل؛ خالد؛ فهد؛ عبدالله؛ و سلمان.. لكن، و إضافة لمجرد ‘معاصرتهم’، فمنهم من كنتُ ايضاً قد قابلته، و صافحته و جلست في حضوره؛ بل و تعشيّت في معيُته. (و الفئة الأخيرة شملت الملك خالد و الملك فهد؛ و الملك سلمان.) * *** *الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمان: 1953-1902م.لقد كانت رؤيتي للمرحوم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمان آل سعود عجيبة و غريبة و فريدة.. إبّانَ طفولتي؛ و لعلّ احداً غيري لم يحظ بما شاهدتُ؛ و كان ذلك عن كـَـثـَب؛ و في السوق الصغير، بمكة المكرمة.لقد حدث اني رأيت الملك عبدالعزيز، و لعلي كنتُ وقتها في السابعة من عمري او اقل قليلاً او اكثر قليلاً. حدث ذلك امام متجر والدي في السوق الصغير، في مكة المكرمة. و كان ذلك في ضحى ذات يوم بعد ان اتم جلالة الملك طواف الوداع بالمسجد الحرام.. و بعد ان خرج من باب ابراهيم (الذي كان وقتها الباب الأكبر للحرم المكي الشريف).قطع موكب سيارة جلالته كامل شارع السوق الصغير من باب ابراهيم من الحرم المكي الى نهايته، لتتجه سيارته في زاوية تقاطع مع زقاق الصَّوَغ/سوق الصاغة مباشرة عند و امام متجر والدي.وصادف ان كنتُ لحظـَتها واقفاً على رصيف المتجر.. فإذا بي اشاهد امامي جلالة الملك عبدالعزيز في سيارة فخمة سوداء ضخمة، لابساً نظارته، جالساً في المقعد الخلفي؛ و أمامَه على مقعدٍ مصممٍ ليكون بمقابلة جلالته كان نجله الثاني -و نائبه على الحجاز- صاحب السمو الملكي الأمير فيصل الذي كان بمواجهته و يحمل في يمينه مروحة مستطيلة من سعف موشاة بشيئ من القماش يهف بها في رِقـّة على وجهِ ابيه.ولقد توقفت السيارة لثوانٍ امام متجر والدي مباشرة قبيل الانعطاف الى اليمين، لبدء ولوجها زقاق الصّوَغ؛ و كان حارسان اسمران مصاحبين للسيارة.. و كانا يعتليان رفرفين مُخصّصين لوقوفهما على جانبي السيارة بجهة المقعد الأمامي و السائق.كان الحارسان (الزّگرتيان) في بذلتين مميزتين مزركشتين، و كانا متمنطقين بحزامين افقيين حول خصرهما و ايضاً رأسيين يلف؟ان صدريهما و كتفيهما.وكان الحارسان ينزلان من على الرفرفين الجانبيين للسيارة الفخمة ليمشيان للحظات كلما توقفت خلالهما السيارة، او حينما تمهلت لتقارب الوقوف؛ ثم يعودان للوقوف ليعتليان رفرف السيارة في جانب كل منهما، و بينما يمسك كل منهما مقبضاً مثبتاً بجوار باب السيارة الامامي.(زِگـِرتي، هي لفظة اصلها من (سيكورتي) Security.. و لو أن اللفظة تطوّرت فتبلورت فيما بعد بمعنى محلي يشير الى بهاء المظهر و أناقة الهندام).واصلت سيارة جلالة الملك سيرها لتقطع زقاق الصوغ، ثم برحة (ابراهيم) رشيدي، و منها لبقية الشارع بوسط حارة الشبيكة مروراً بمقر عمدة الشبيكة الشيخ احمد زين الدين، ثم مدرسة الفلاح؛ ثم شارع حارة الباب، الى ريع الرسّان (الرسّام)، فحارة جرول فمنطقة التيسير و الهنداوية حتى منطقة ‘البيبان’: (بابان مصممان بعقدين كأنهما كانا يشيران لحدود مدينة مكة المكرمة في هذه الجهة؛ او انهما كانا في موقع سور سابق هناك). و من عندهما توجهت سيارة و موكب جلالته في الطريق الموصّل الى جدة.كانت رؤيتي تلك لجلالة الملك عبدالعزيز في سيارته المارة امام متجرنا هي النظرة الأولى و الأخيرة. و أظنها كانت زيارة جلالته الأخيرة لمكة المكرمة؛ و انها كانت في سنـته الأخيرة، 1953م.د. إبراهيم عباس نــَـتــّـوعميد سابق بجامعة البترول
مشاركة :