مفارقة لطيفة: وزارة التعليم العالي تشرف على الجامعات، وهيئة الاعتماد الأكاديمي فيها تعلن فشل هذه الجامعات في الحصول على الاعتماد! ثلاث جامعات فقط نجحن في الامتحان، أبرزها جامعة القصيم، لأنها من ضمن الجامعات الناشئة مقارنة بجامعتي الملك سعود والملك فهد للبترول، بينما فشلت جامعة الملك عبدالعزيز. المفارقة الأخرى أن خمس جامعات أهلية نجحت على رغم أنها حديثة النشأة، وغابت جامعات كان الظن أنها عريقة ومتطورة عبر عمرها الطويل الذي أحالها إلى ضعف وتراجع، عكس كل الجامعات التي تمد جذورها في البحوث عميقاً كلما طوى الزمن عاماً من عمرها. الجامعات الناشئة غير معنية بالبحوث، أي أنها مدارس فقط، بل إنها لم تتقدم للحصول على الاعتماد، إما لأنها لا تعرفه وأما لأنها لا تعترف به، ولا ضير عليها فهي تتبع مسلك أخوات أكبر لم يسألها أحد طوال عمرها عن صحة مسارها ومتانته. كثيراً ما تفاخرت جامعات الملك سعود والملك عبدالعزيز والإمام بحصولها على تصنيف متقدم في مؤشرات ترويجية، ثبت أن قيمتها الجامعية مثل تصنيف متسول للنشاط الاقتصادي ومستقبله. كان اللجوء الى مثل هذه المزاعم سداً لخلل خطر وإدعاء نجاح زائف، ومع ذلك لم تتحرك «التعليم العالي»، كأن علاقتها بهذه الجامعات علاقة جيرة فقط، وفي أحسن الحالات صلة رضاعة لا تسمح بالتدخل وإدارة الوضع. حين كانت تظهر تقويمات متدنية لجامعات سعودية، كان الاتهام يذهب - كالعادة - إلى أنها جهل بطبيعة الحال ومؤامرات يجب الاعتداد بها، فما هو الحال والتصنيف هذه المرة، يأتي من داخل البيت ذاته؟ ماذا ستفعل «التعليم العالي» بعد هذه الخيبة؟ وهل ستمارس صمتها المعتاد، وكأن الأمر لا يعنيها؟ ما دورها في الجامعات الناشئة ومعرفة حقيقة وضعها؟ الاعتماد الأكاديمي يحدد معايير كثيرة، أهمها البحث العلمي ومصادر التعليم والتجهيزات والشفافية والعمل الاجتماعي، ما يعني أن 24 جامعة تفتقد في شكل أو آخر هذه المعايير، خصوصاً في مجال البحث العلمي الذي يشكل روح الجامعة وأساس وجودها، فإن اختل جاز التساؤل عن مستوى التعليم ومعاييره وطرق تأهيل الطلاب. بعض الجامعات لم تدخل في الاعتماد ربما لأنها مدركة أن الخلل واسع، فهل اعتمدت الوزارة هذه النتائج للنبش في الجامعات والتعرف إلى نسيجها الداخلي؟ هل تملك الوزارة تقويماً علمياً لجامعاتها أم أن جهدها مقتصر على الجامعات الدولية وتمحيص أهليتها، بينما الدارس في الداخل لا ينتمي إليها ولا تعنى به؟ في الفترة الماضية تواترت أخبار عن رفض بعض الجامعات قبول خريجين من المبتعثين، وهنا يمكن فهم أن السبب هو الفجوة الأكاديمية الحادة بين الآتي من الخارج والساكن في رحاب الجامعة. سابقاً كانت الوزارة تتهم الإعلام بالتقاط الأخبار السيئة، فماذا تقول في شهادة شاهدها؟ كيف تتصرف مع الجامعات التي لم تعترف ببرنامجها ولم ترد على متطلباته؟ 24 جامعة تضاف إلى الثانويات، فالفرق بينها هو المسمى، وربما التخصص البائس مع كل الرثاء والتعاطف مع الطلاب الذين حرِموا نعمة الابتعاث فسكنوا هذه الجامعات، ليكون الفرق بينهم وبين زملائهم هو الفرق بين العلم والأميّة المغلفة.
مشاركة :