أبوظبي: رشا جمال اعتبر خبراء وأكاديميون أن خطورة «حزب الله» اللبناني تتمثل في كونه جماعة ما دون الدولة تجمع بين استخدام السلاح والخطاب الهُوياتي، أو الطائفي، ويتشابك دورها مع أهداف إيران التي تطمح إلى الهيمنة على المنطقة، مؤكدين أن مشروع «حزب الله» يقوم على تحطيم الدولة القائمة لبناء دولة أخرى تتماشى مع توجهاته، وتخدم مصالحه، كما اتفقوا على أن بقاء «حالة الحرب» تمثل شرطاً لبقاء هذا الحزب واستمراره، إذ يعد الحزب تعبيراً عن مشروع توسيع النّفوذ الإيراني، المسمى ب«تصدير الثورة»، وأداةً رئيسية من أدواته.جاء ذلك خلال حلقة نقاشية نظمها أمس، مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي تحت عنوان «تفكيك شيفرة حزب الله»، التي تضمنت ست جلسات عمل بحثت آليات مواجهة «حزب الله» وتهديداته للمنطقة في ظل الدعم الإيراني له. ورأت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيس المركز، أن تورط الحزب في الحرب السورية يعني أن اضطلاعَه بدور الوكالة لإيران لم يعد يقتصرُ على حدودِ الساحة اللبنانية، بل يتعداها إلى جغرافيا المنطقة برمتها، ما يعني أن الحزب أصبح أداة رئيسة من أدوات المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة برمتها.وقالت، خلال كلمة لها في افتتاح الحلقة النقاشية، «سعى النظام الإيراني في السنوات الأخيرة إلى تصدير نموذج «حزب الله» إلى دول المنطقة التي تضم مجتمعات شيعية، كما أن الجماعات الطائفية في العراق والجماعة الحوثية في اليمن أخذت تسعى إلى محاكاة تجربة «حزب الله» في الهيمنة على الدولة بسطوة السلاح وتجييش الطائفة»وأضافت «بمشاركة «حزب الله» قتالياً في الحرب السورية، وتوفيره المستشارين والتدريب والدعم اللوجستي، وربما التسليح للجماعات الشيعية المسلحة في العراق، والجماعة الحوثية في اليمن، يكون الحزب بذلك قد تحوّل من لاعب لبناني إلى لاعب إقليمي؛ ما يعني أن الحزب أصبح أكبر من الدولة اللبنانية». ولفتت إلى أن استخدام الحزب سلاحه خارج حدود لبنان، في معركة ليست ضد «إسرائيل»، ينطوي على تهديد محتمل لأمن المنطقة واستقرارها.وأشارت ابتسام الكتبي إلى اكتساب الحزب قدرات قتالية جديدة، فضلاً عن أنه بسبب تزويد إيران له بالأسلحة تحول من ميليشيا إلى جيش شبه نظامي، وهذا الأمر له انعكاسات مهمة على مكانة الحزب ضمن الدولة اللبنانية وضمن الإقليم. وأوضحت أن خطورة «حزب الله» تتمثل في كونه جماعة ما دون الدولة تجمع بين استخدام السلاح والخطاب الهُوياتي، أو الطائفي، ويتشابك دورها مع أهداف إيران التي تطمح إلى الهيمنة على المنطقة. استخدام العنف وتناولت الجلسة الأولى التي عقدت تحت عنوان «الشيعة والدولة اللبنانية» خطورة «حزب الله» على الإقليم، ورأى محمد علي مقلد، باحث سياسي، أن خطر «حزب الله» يكمن في مشروعه السياسي وليس سلاحه فحسب؛ إذ يطمح مشروع «حزب الله» السياسي إلى تقويض الدولة اللبنانية القائمة وإقامة محلها دولة «دينية»، وهو يتوسل طريق العنف لتحقيق هدفه، ويتبنى احتكار السلطة وإلغاء التنوع.وأكد أن مشكلة «حزب الله» في عدم إيمانه، مثل بقية الأحزاب الأصولية، بأوطانها ككيانات نهائية، معتبراً أن نجاح إيران ارتبط بأمرين، الأول هو أن تعداد الوجود الطائفي في لبنان يقارب ثلث عدد السكان؛ والثاني هو أن النظام السوري بأجهزته الأمنية هو الذي سهّل العبور الإيراني إلى لبنان. وقال: «يحتاج «حزب الله» إلى الذرائع ليبرر احتفاظه بسلاحه في لبنان؛ فبعد انسحاب الجيش «الإسرائيلي» من لبنان عام 2000، طرح الحزب مسألة تحرير مزارع شبعا، ثم تحرير القرى السبع، ثم الدفاع عن المياه اللبنانية، وصولاً إلى حاجته إلى السلاح دفاعاً عن «المقاومة» حين اجتاح بيروت في السابع من مايو/ أيار عام 2007، وبعد تورطه في الحرب الأهلية في سوريا ساق سلسلة أخرى من التبريرات الطائفية التي انتهت بالمجاهرة بولائه لدولة الولي الفقيه، ويقوى «حزب الله» بضعف الدولة اللبنانية» ويَضعف كلما قويت الدولة؛ لذا يكمن الحل لظاهرة «حزب الله» في إقامة الدولة المدنية أو دولة القانون والمؤسسات». تصدير الثورة واعتبر لقمان سليم، خبير وأكاديمي لبناني، أن «حزب الله» هو ابن «الحرب الأهليَّة» اللبنانية، وبقاء «حالة الحرب» تمثل شرطاً لبقاء الحزب واستمراره، إذ يعد الحزب تعبيراً عن مشروع توسيع النّفوذ الإيراني، المسمى «تصدير الثورة»، وأداة رئيسية من أدواته. ولفت إلى أنه وحتى الآن ليس بمقدور أي طرف، وفي المقدمة الدولة اللبنانية، نزع سلاح «حزب الله»، ولا يمكن أن تتم مواجهة حزب الله من دون تكاليف جانبية عالية. وتطرقت الجلسة الثانية إلى «الرهانات والتفاعلات الاستراتيجية الإقليمية»، حيث رأى جوزيف الأغا، باحث متخصص في الشؤون الإيرانية، أن «حزب الله» يتحلى بالواقعية السياسية ويطبع مصالحه حسب الظروف المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى تركيزه على القوة الناعمة والصلبة والذكية، وهو ما جعل الحزب يتأقلم مع السلم والحرب ويجعله لاعباً محلياً وإقليمياً.وقال الدكتور يوسف الحسن، الكاتب والدبلوماسي السابق، في مداخلة خلال الحلقة النقاشية، إن مخاطر «حزب الله» لا تخفى على أحد خاصة في ما يتعلق بالجانب العسكري، لافتاً إلى ضرورة وجود آلية سياسية وبرنامج محدد لمواجهته. تشابك الهوية وأشار الباحث مايكل اينزتات خلال الجلسة الثالثة التي تناولت «هوية حزب الله»، إلى أن الهوية تتغير حسب الأحداث الكبرى، وفي الشرق الأوسط تطبق نفس الآلية، مشيراً إلى أنه في حالة «حزب الله» هناك تشابك في الهويات، نتيجة العصبيات المحلية، خاصة أن «حزب الله» يستخدم الروابط الأسرية لترسيخ مفاهيم الجهاد والتضحية. وقال «حزب الله» يعمل على تأسيس هوية إقليمية تضم الشيعة في منطقة الشرق الأوسط، ويستخدم أيكونات معينة لتوحيد قواعد طائفية. مصادر التمويل وتطرق الباحث ماثيو ليفيت إلى عملية تمويل الحزب قائلاً: «حرص «حزب الله» على تنويع محفظته المالية، تحسباً لتراجع التمويل الإيراني، بخاصة أن الدعم الذي يحصل عليه من قاعدته الاجتماعية يرتبط بوجود المؤسسات الاجتماعية والخدمية الضخمة، ومن مساعي التنويع توسيع شبكة الجمعيات الخيرية، فضلاً عن النشاطات المالية الإجرامية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية». وأضاف «يتألف النشاط المالي للحزب من ثلاثة أنواع: أفراد ليسوا من «حزب الله» يعيشون في الشتات، وهؤلاء يرسلون أموالاً إلى عائلاتهم التي تقوم تالياً بمنح جزء من هذه الأموال إلى «حزب الله». والنوع الثاني هم أفراد مرتبطون «بحزب الله» يقومون بنشاطات تجارية مشروعة، وغير مشروعة، لمصلحة «حزب الله»، والنوع الثالث هم أفراد ليسوا من «حزب الله» لكنهم منخرطون بأنشطة مالية إجرامية ويساعدون مع «حزب الله» في دعم هذه الأنشطة».وأكد نزار حمزة، باحث متخصص في الشان السياسي، أن مصادر تمويل الحزب تأتي من إيران، ثم الخُمس، ثم التبرعات من الشبكات الخيرية، وأخيراً موارد الأنشطة التجارية. وتُقدر ميزانية الحزب بمليار دولار أمريكي، عدا الموارد العسكرية التي يقدمها الحرس الثوري إلى الحزب.ورأى أن مستقبل «حزب الله» يتوقف على ثلاثة عناصر، هي مدى الدعم الذي يقدم إلى الحكومة اللبنانية من قبل الأطراف العربية والدولية، ومدى حصول تسوية بين سوريا و«إسرائيل»، وكذلك حصول تقارب بين إيران والولايات المتحدة، أما العامل الثالث فهو مدى الدعم الذي يوفره للمجتمع الشيعي.
مشاركة :