دبا الفجيرة: «الخليج» على كرسي خشبي ويد ممدودة من التعب وعينين ساهمتين، استقبلت أماني بلعج الجمهور الذي لم يكن أخذ أماكنه في المقاعد بعد لمشاهدة مسرحيتها «سمها ما شئت».بطلة العرض هي المرأة الحبيبة والمبدعة والمتمردة، صاحبة الخيبات الكبيرة والانتظارات التي لا حدود لها. جعبة كاملة من الأفكار والحالات الإنسانية عالجها العمل بالحركات الإيمائية وتمرّدات الجسد التي أتقنتها أماني بلعج.امرأة محبطة من الخيانات والانتكاسات التي تعرضت لها إثر هجران الحبيب بلا سابق إنذار، في مرحلة يعيش المجتمع فيها اضطرابات وصراعات إشكالية تودي به في أتون حرب وعدم استقرار تصل الأمور فيها إلى إغلاق مدرسة الرقص بذريعة أن هذا النوع من الفن عبارة عن كفر. في هذا الأتون المحترق من المعارك والأسئلة الخطيرة، تبدو المرأة مطالبة بجهود عالية في التصدي لعملية إزاحتها من المشهد والقضاء عليها أو إلحاقها بالآخرين في أقل توصيف. جبلّة كبيرة ومعقدة عملت فيها أماني بلعج بجسدها الذي كان بالفعل البطل الأول في العرض، فنحن أمام ديكور بسيط وهو عبارة عن كرسي من خشب وإضاءة غير مركبة مع جدارين متباعدين قليلاً سيكونان مركزاً للشمس التي ستنطلق آخر العرض كعلامة على الأمل الذي سيبقى حاضراً رغم كل الأسى والكآبة التي دقت أسافينها خلال أكثر من ساعة.اللافت في هذا العرض الصدق في تشريح الفكرة والقيام بزراعة عينين وذراعين لها كأنها كائن حي مثل البشر تماماً، فمن يتابع زخم المشاهد يكتشف مباشرة أن اللغة أو الصوت المرافق لحركات الجسد كان مرافقاً هامشياً لأن ملكة الدهشة تركزت في الأداء، ولأن الأفكار مألوفة ولا تعد سابقة في النصوص المسرحية من جهة قضايا المرأة، لكن القضية هنا هي التعبير بالحركات وتحويل العبارات إلى كتل على الخشبة.«مش حنسلّم.. مش هنبيع.. مش حنوافق» تصرخ أماني أثناء خروجها بتظاهرة ضد الشرطة التي تحضر لقمعها، تمزق الأوراق وتتناول فكرة التطرف والتكفير، تحاول إطلاق الوحش داخل كل إنسان كما تقول. تطالب بالحرية والديمقراطية، تنتقل إلى الهزائم التي تعرضت لها الأجيال وتستحضر موسيقى أغنية «خلي السلاح صاحي» لتصبح القضية التي تتطرق لها المسرحية كبيرة بوسع العالم العربي في فترة حروب فلسطين المتعاقبة والسلاح الفاسد الذي سلم للعرب وغير ذلك من الإحباطات.تصل بلعج إلى مرحلة تترجل فيها عن المنصة وتدخل بين الجمهور لتعلن أن الحب هو الخيار المخلص رغم أنه الأكثر كلفة بالنسبة للناس. الحب الخالص المصنوع بلا شوائب يبدو نادراً وشكل معضلة لبطلة العمل منذ المشهد الأول. في نهاية هذه المشاهد الملتبسة والملبدة بالحزن والأمل في آن، تقف أماني بلعج على الكرسي الخشبي القديم، تمد يدها إلى الضوء كي لا تغلق المدى تماماً أمام المشاهدين، ترفع أذرعها مؤكدة انبلاج النور، لتكون الخاتمة بالشمس التي تغنت بها منذ أول العمل حيث تشرق بين الجدارين اللذين يتصدران الخشبة على شكل دائرة من نور تتوسطها أماني فاتحة ذراعيها مرددة بلا كلام: سيشرق الضوء!شهدت الندوة التطبيقية لعرض «سمها ما شئت» للكاتب والمخرج وليد دغسني، احتفاءً كبيراً بالعرض، إذ عَدَهُ البعض إحياء لفن المونودراما وعرضاً يستحق الاحتفاء نظراً لكمال أركانه، وشارك الجمهور وحشد من المهتمين والنقاد في النقاش الذي دار بحضور البطلة والكاتب والمخرج وإدارة فراس المصري.شارك في الندوة الناقد المسرحي يوسف الحمدان والممثل والمخرج محمد غوباشي والكاتب المسرحي د.عبد الكريم رشيد والممثلة نادرة عمران وتقي سعيد. رفيق علي أحمد: تنوّع الفنون إيجابي اعتبر المسرحي اللبناني الكبير، رفيق علي أحمد الذي شارك في المهرجان ثلاث مرات قبل هذا العام، أن احتواءه على فنون متنوعة أمر إيجابي.وقال إن المهرجان يمزج بين الاحتفالات التراثية والموسيقى والأغاني والفن التشكيلي، فأصبح أكثر شمولية وتنوعاً حتى يتمكن أكبر عدد من الناس من المشاركة.ورأى أن الفجيرة صارت على الخريطة العالمية وتجمع نوعيات كثيرة من ثقافات الكرة الأرضية لهذا التلاقي والحوار والتقارب والتعارف عن طريق الفنون. وأضاف: لا نريد وضع الأعمال المسرحية في إطار ضيق للمسرحيين ونأتي نتبارى في المهرجانات بمعزل عن الناس، وأزعم أنني استطعت أن أوازن بين فنيات المسرح المونودرامي وعلاقتي بالجمهور، إذ وزعت عروضي لأشهر بلبنان ثم جلت فيما بعد في دول مختلفة، بما فيها الإمارات وأوروبا وأمريكا، واستطعت أن أكسر هذا الحاجز، فالمونودراما فن صعب، وطوعت كل تجربتي مع حرصي على ألا تكون موجهة فقط للمهرجانات التي كانت تأتي في مرحلة لاحقة بعد عروض أمام الجمهور في بلدي وخارجه. ولم يستبعد رفيق علي أحمد، المشاركة في أي عمل خليجي، وقال: الفن والأدب والإبداع تتخطى الحواجز الجغرافية والنفسية. وكمسرحي أعالج قضايا الإنسان، وإن كنت أنطلق من مجتمعي اللبناني، ولكن بانفتاحي العقلي وانتمائي لمحيطي وللإنسان عموماً، أريد لهذا الفن أن يكون عالمياً ويدخل لثنايا وأحاسيس وهواجس وخوف أكبر قدر ممكن من البشرية. ولهذا لن يكون هناك أي عائق للانفتاح على تجربة خليجية إذا ما طرح عمل مسرحي خليجي ما ووجدت فيه ما يجذبني. وهذا ينطبق على أي مكان بالعالم، لأن الفنان الحقيقي لا بد أن يكون غير محكوم بأي حواجز.
مشاركة :