يقول أنيس منصور «لا خوف على قارئ يحب أن يقرأ كل ما يقع بين يديه، المهم أن تصبح القراءة عادة وأن تصاحبها لذة المعرفة». فهذا النوع من القراء يتسم باتقاد قدراته، وتعدد ذكاءاته، واكتساب مهارة التعبير بأسلوب جاذب إذ يتمكن من سرعة التأثير على غيره لأن نشاطه الدماغي مكتنز بتجارب الآخرين مع الثراء اللغوي المعين على إيصال المعنى؛ ناهيك عن أنه قارئ سعيد لا يشكو من أمراض العصر النفسية كالشعور بالوحدة، وعدم الثقة بالنفس، والخوف والقلق وأمراض التخاطب كالتأتأة والتلعثم.. فهو يقرأ ويستمتع ويلتهم لذيذ الكلام وجميل الأفكار، وهذا النوع من القراء نتنبأ له أيضاً بتكوين مكتبة منزلية بانورامية فريدة لبناتها عُجنت من أول ورقة قرأها أو اقتناها لتكون النواة والمحور لتكوين شخصيته وإرثه لتفيض بنا للأطر والهيكلة التي ينبغي أن تكون مادة التكوين للمكتبة المثالية التي أوجزها ما نغويل في عبارة «أن يحس كل قارئ يرتادها أنها صممت لأجله، وحوت الكتب التي يميل لقراءتها». إذ يصمم القارئ ويبني مكتبة ثرية متنوعة نتيجة ولعه باقتناء الكتب في جميع المجالات، ولا ضير أن يطغى توجُّه على آخر؛ فالمسلَّم به أن لكل منا ولعاً بتخصص وتوجهاً ثقافيّاً معيناً، وهذا لا يمنع مثلاً أن يقتني المولع بكتب النقد كتب الرحلات أو السير أو السياسة والإدارة، فبذلك تتكون المكتبة كتاباً يتبعه كتاب آخر، فلو اهتم القارئ بتنويع القراءة لاتسعت مداركه وأصبحت مكتبته مع مرور الزمن مكتبة مربية يحق له أن يضع عليها شعار رابليه: «اقرأ ما شئت ومتى شئت». وعلى ضوء مقروءاته ومقتنياته سيتم تصميمها وفهرستها حيث تتبلور لمحة الخصوصية فيها، وهذا أكثر فرادة وأكثر حرية بلا وصاية تحدد له مساره العقلي. المكتبة المثالية ترمز للقارئ المثالي والمجتمع المثالي، وهذا ينفي عنها تهمة أنها مجرد وعاء للتخزين أو شكل جمالي يتم به تزيين المكان، بل يجعلها تؤكد على ضرورتها لبناء عقول مرتادين يتوارثونها، ويكملونها جيلاً بعد جيل.
مشاركة :