خرقت الهدنة الإنسانية التي أعلنتها روسيا لخمس ساعات يومية ودخلت حيز التنفيذ صباح اليوم (الثلثاء) في الغوطة الشرقية، بضربات جوية جديدة شنها الطيران السوري، وإطلاق قذائف من قبل الفصائل المقاتلة التي تسيطر على المنطقة، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان والاعلام الرسمي. وأعلن المرصد السوري استهداف الطيران السوري للغوطة بغارات جوية وإلقاء برميلين متفجرين، فيما اتهم الاعلام الرسمي الفصائل المقاتلة باطلاق قذائف على المعبر، الذي من المقرر أن يخرج منه المدنيون «لمنع خروجهم واستخدامهم كدروع بشرية». وكانت الفصائل المقاتلة أعلنت اليوم اخراج متطرفين ينتمون لـ «جبهة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا)، وعائلاتهم من الغوطة الشرقية، بعد دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي، وفق بيان مشترك اصدرته الفصائل التي تسيطر على المنطقة المحاصرة في بريف دمشق. واعلن البيان الذي وقعه «جيش الاسلام» و«فيلق الرحمن» وحركة «احرار الشام»: «التزامنا التام اخراج مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يوماً، من بدء دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي». وفي السياق، قتحت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تحقيقاً في الهجمات الأخيرة للغوطة، لتحديد ما إن كانت أسلحة محظورة استخدمت، وفق ما ذكرت مصادر ديبلوماسية. وقالت المصادر إن «المنظمة التي يقع مقرها في لاهاي فتحت تحقيقا الأحد الماضي في تقارير تحدثت عن تكرار استخدام قنابل الكلور هذا الشهر في المنطقة القريبة من العاصمة دمشق». وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إلى وقف إطلاق النار يومياً من الساعة التاسعة صباحاً إلى الثانية ظهراً (من 07:00 إلى 12:00 بتوقيت غرينيتش)، وإتاحة ممر إنساني للسماح للمدنيين بمغادرة المنطقة»، التي أسفر قصفها عن مقتل مئات منذ 18 من الشهر الجاري. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أمس أن الإجراءات التي اتخذت بالاتفاق مع القوات السورية تهدف إلى مساعدة المدنيين على المغادرة وإجلاء الجرحى والمرضى. من جهته، قال الناطق باسم «فيلق الرحمن» وائل علوان، أحد جماعات مقاتلي المعارضة الرئيسة في الغوطة الشرقية، في تغريدة: «إجبار المدنيين على التهجير القسري أو الموت بالقصف والحصار جريمة روسية لا يمكن السكوت عنها». وتراجعت وتيرة الغارات على المنطقة المحاصرة غداة صدور قرار مجلس الأمن ليل السبت من دون أن تتوقف كلياً، في وقت تخطت حصيلة القتلى منذ بدء الهجوم في 18 شباط (فبراير) 550 مدنياً، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان. وأوضح المرصد أنه قتل اليوم 17 مدنياً بينهم أربعة أطفال، نتيجة غارات وقصف مدفعي لقوات النظام طاول تحديداً مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية والتي يسيطر عليها فصيل «جيش الإسلام». ومن بين القتلى في دوما تسعة أشخاص من عائلة واحدة تم سحب جثثهم من تحت أنقاض مبنى طاوله القصف بعد منتصف الليل. ولازم سكان دوما اليوم الأقبية خشية من تجدد الغارات، فيما خلت الشوارع إلا من حركة مدنيين خرجوا مسرعين بحثاً عن الطعام أو للاطمئنان على أقاربهم. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، إن «وتيرة الغارات والقصف تراجعت منذ التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار، من دون أن تتوقف الهجمات كلياً، والدليل استمرار سقوط ضحايا مدنيين وإن بدرجة أقل من الأسبوع الماضي». ومنذ بدء حملة التصعيد، استهدفت قوات النظام الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ العام 2013، بالغارات والقصف المدفعي والصاروخي الكثيف. وتزامن التصعيد مع تعزيزات عسكرية تنذر بشن هجوم بري وشيك. وتدور منذ صباح الأحد معارك ميدانية في منطقة المرج التي تتقاسم قوات النظام وفصيل «جيش الإسلام» السيطرة عليها. وتتركز الغارات على نقاط الاشتباك. من جهتها جددت الأمم المتحدة اليوم المطالبة بالتطبيق الفوري لقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في سورية لمدة 30 يوماً، خصوصاً في الغوطة الشرقية. وقال الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش في جنيف اليوم ان «قرارات مجلس الأمن يكون لها معنى فقط إذا طبقت بشكل فعلي، ولهذا السبب أتوقع أن يطبق القرار فوراً». وشدد على أنه آن الآوان «لانهاء هذا الجحيم على الارض» في إشارة إلى الغوطة الشرقية. وفي السياق ذاته، شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عند بدء اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسيل اليوم على أن «هذه الهدنة يجب أن تطبق فوراً». وتبنى مجلس الامن مساء السبت الماضي بالاجماع قرارا تم تعديل صياغته أكثر من مرة. ويتضمن أن تلتزم «كل الأطراف وقف الأعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً توالياً على الأقل في سورية من أجل هدنة إنسانية دائمة" لافساح المجال أمام «ايصال المساعدات الانسانية بشكل منتظم واجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة». وانتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان زيد رعد الحسين في جنيف اليوم عدم التحرك حيال النزاعات في دول عدة بينها سورية، معتبراً أنها «أصبحت مثل بعض المسالخ للبشر في العصر الحديث لأنه لم يتم التحرك في شكل كاف لمنع هذه الأهوال». من جهته، أبدى الرئيس الفرنسي ايمانويال ماكرون اليوم «مخاوف شديدة حيال استمرار الضربات على الغوطة الشرقية». وشدد خلال اتصال أجراه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن «الهدنة الإنسانية تشمل مجمل الأراضي السورية بما فيها عفرين»، وذلك غداة إعلان تركيا عزمها مواصلة هجومها في المنطقة ذات الغالبية الكردية. ويستثني قرار الهدنة العمليات العسكرية ضد تنظيمي «الدولة الاسلامية» (داعش) و«القاعدة» و«جبهة النصرة». وتفتح هذه الاستثناءات الطريق أمام تفسيرات متناقضة لا سيما أن دمشق تعتبر فصائل المعارضة «ارهابية»، ما من شأنه أن يهدد الاحترام الكامل لوقف اطلاق النار. ومع استمرار القصف على الغوطة الشرقية، أصيب 14 مدنياً على الأقل بعوارض اختناق أدت إلى مقتل أحدهم وهو طفل عمره ثلاث سنوات، بعد قصف لقوات النظام وفق المرصد الذي لم يتمكن من تأكيد ما إذا كانت العوارض ناجمة عن تنشق غازات سامة. وكان القيادي في «جيش الاسلام» محمد علوش قال في تغريدة على «تويتر» قوات النظام باستخدام غاز الكلور في القصف، في حين اتهمت وزارة الخارجية الروسية في بيان الفصائل «بالتخطيط لهجوم بمواد سامة بهدف اتهام القوات الحكومية باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين». وتكرر منذ مطلع العام ظهور عوارض اختناق وضيق تنفس تحديداً في الغوطة الشرقية. وهددت دول غربية بينها الولايات المتحدة وفرنسا في وقت سابق هذا الشهر بشن ضربات في حال توافر «أدلة دامغة» على استخدم السلاح الكيماوي. ولطالما نفت دمشق تنفيذ أي هجمات بالغازات السامة، مؤكدة أنها دمّرت ترسانتها الكيماوية في العام 2013.
مشاركة :