تونس الديمقراطية.. - يوسف الكويليت

  • 10/29/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تونس صنعت بدايات الربيع العربي، وقد عاشت المخاض كأي حركة شعبية وثورية تحتاج للاختبار وتقديم نفسها إلى الشعب إما بتحقيق طموحاته وأهدافه وفق الشعارات التي رفعها المواطنون أو العودة لحالات الاضطراب، كالتي سادت في بقية الدول العربية التي اجتاحتها هذه الموجات ووضعتها أمام الاختبار الخاسر.. ولأن هذا البلد العربي هو الوحيد الذي عاش معترفاً بحقوق المرأة خارج السياق العربي، وهي الخطوة التي رآها البعض قفزة للمجهول لأن بورقيبة حاول أن يضع بادرة جديدة يقلّد بها دساتير الغرب وتحديداً فرنسا، فإن هذه الخطوة، وإن ظلت مقبولة في المدينة، ومرفوضة، إلى حد ما في الريف وبادية الصحراء، فهي أحد أسباب تطور الشعب هناك؛ لأن الأم التي عاشت فضاءً مختلفاً عن مناطق العزل في بقية الدول العربية، استطاعت أن تدرس وتتثقف وتدخل ميدان العمل بتحديات ذاتية، ومعها أصبح مجتمع الذكور لا يستطيع خلق الفواصل بتهميشها أو إعادتها لحظيرة الحريم والتي حاوب حزب النهضة قهر تلك التجربة بسنّ تشريعات أدت إلى محاكمة خطواته داخل المجتمع ونزول شعبيته من النسب العليا إلى الثانوية.. ومثلما صنعت تونس البدايات لتلك الزلازل التي اجتاحت المنطقة، فهي تعيد فرز نفسها في الانتخابات التشريعية الجديدة، والتي اتفق الجميع، بما في ذلك حزب النهضة على فوز «حزب تونس» صاحب المنهج العلماني باقتراعات حرة وبنسب لم تكن شاملة بسبب الممتنعين عن التصويت في الأحياء والمدن المهمشة التي لا تثق بإصلاحات السياسيين، ومع ذلك فقد ظهر للمواطن التونسي غياب بريق وعود الإسلام السياسي حتى لو لم يصطدم، كما فعلت حركة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها ممن تبنى تلك التيارات وحاول أن يحتكر السلطة ويختزل المجتمعات في مشروعه الضيق وثقافته أحادية الجانب، وهذه التجربة الجديدة قد لا تؤثر في بقية من اجتاحها الربيع؛ لأن حالات الانقسام والحروب الأهلية أو شبه الأهلية التي اجتاحتها لا تدلل على أخذ النهج التونسي لتباعد مسافة الوعي بين شعب فرض خياراته الوطنية، وآخر غلبت دولة الفصيل والطائفة والعشيرة على سلوكه، وقد كان المواطن التونسي سباقاً بوعي متقدم عن غيره، ولذلك حين تحرك في بدايات احتجاجاته وثورته، لم يكن خياره يقع على الرهان بين الفكر الضيق الذي يغلّب المذهب على مشروع الوطن، وهذا ما تسبب في نجاح التجربة وعبورها إلى السلام الوطني ووحدته.. وحتى لا نظلم حزب النهضة فإنه لم يقع في أخطاء غيره، وحتى لو حاول احتكار السلطة، فهو استفاد من فشل غيره، وخاصة إخوان مصر القريبين أو المنتمي لهم بالنهج والتفكير، إلا أنه كان يعرف كيف يخرج مسالماً بدلاً من أن يكون مصادماً، ويخسر كل شيء، وهذا يُحسب له كحزب يريد، إن لم يكن في رأس الحكم، أن يبقى في المعارضة، ويجنب نفسه دخول معارك غير محسوبة النتائج.. تونس هي الوحيدة التي خرجت من ضباب الربيع، إلى التحالف الوطني الناجح، وهذا يؤهلها لأن تصبح النموذج الديمقراطي الجديد الذي أفرزته أول ثورة شعبية قررت أن تكون كلمة الشعب القوة الطاردة لغيرها، وتحقيق نتائج مبهرة في عمل جديد، وفي فضاء عربي لازال يلفه العمى والظلام..

مشاركة :