حرص تونس على الديمقراطية يقصيها عن قمة الديمقراطية

  • 11/11/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حرص تونس على الديمقراطية يقصيها عن "قمة الديمقراطية" إقصاء تونس من “قمة الديمقراطية” هو ضربة توجه إلى مفهوم الديمقراطية ذلك أن التجربة التي أشادت بها كل ديمقراطيات العالم تحاصر لإتاحة الفرصة لقوى إخوانية لرفع الصوت بالمظلومية وادعاء التهميش والتغييب. ديمقراطيات ناشئة تغيب عن القمة القاعدة الذهبية لتقييم أي حفل هي النظر في قائمة المغيّبين وليس المدعوين. التغييب موقف يعني التجاهل والإقصاء، وحتى العقوبة أو التلويح بها أحيانا، أمّا الاستدعاء فلا يعني - بالضرورة - التكريم والتبجيل.. قد يكون رسالة موجهة إلى الغائب قبل الحاضر. هذا ما نستشفّه في قمة الرئيس الأميركي جو بايدن للديمقراطية المزمع عقدها الشهر المقبل، والتي تجاهلت كافة الدول العربية باستثناء واحدة وهي العراق. القمة التي ستركز - حسب زعمها - على مسألة التحالف من أجل الإنترنت، وتهدف إلى حرية التعبير عبر الشبكة العنكبوتية، تبدو انتقائية واستفزازية أكثر منها حريصة على صون الحريات المهددة والديمقراطيات المتراجعة منذ عام 2006، وفقا لمؤسسة فريدوم هاوس.     الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، بتصحيح المسار الديمقراطي وتطهير البلاد من الفساد الذي استشرى مع سيطرة الإسلاميين على المنظومة الحاكمة من شأنها أن تعطل تجربة ديمقراطية رائدة في أفريقيا والعالم العربي يتمثل هذا الاستفزاز في استبعاد ديمقراطيات ناشئة مثل تونس التي أشادت بتجربتها مؤسسات حقوقية عريقة في العالم، وتمكين دول أخرى ذات سجلات سوداء من حضور هذه القمة الافتراضية التي تسعى لـ”تحفيز التجديد الديمقراطي في جميع أنحاء العالم”، بحسب قول أحد مسؤولي الإدارة الأميركية. ولسائل أن يسأل: ما هي المقاييس التي اعتمدتها إدارة بايدن، المتهمة أصلا من طرف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتزوير الانتخابات، في تصنيف الدول الديمقراطية من عدمها؟ لنبق في العالم العربي دون أن نذهب بعيدا نحو دويلات أفريقية تهددها المجاعات والانقلابات، وتلقت دعوات لحضور قمة “ديمقراطية بايدن”. ولنأخذ العراق، الدولة المنهكة اجتماعيا وسياسيا، والهشة أمنيا بسبب عربدة الميليشيات المدعومة من إيران، هل أن مجرد انتخابات برلمانية أشادت بها إدارة بايدن وعدد كبير من المعلقين والخبراء المستقلين، كفيلة بانضمامها الآلي إلى نادي الديمقراطية، ومهما كانت هذه الانتخابات شفافة على المستوى الإجرائي؟ وفي المقابل، هل أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، بتصحيح المسار الديمقراطي وتطهير البلاد من الفساد الذي استشرى مع سيطرة الإسلاميين على المنظومة الحاكمة من شأنها أن تعطل تجربة ديمقراطية رائدة في أفريقيا والعالم العربي، وتمنع مشاركة تونس من الانضمام إلى خيمة القمة الديمقراطية التي يدعو إليها الرئيس الأميركي؟ قد نأخذ دعوة دول ذات ديمقراطيات هشة أو مشكوك فيها إلى القمة على سبيل التشجيع والمساعدة و”التوريط” في المسار الديمقراطي، لكن تغييب دولة مثل تونس ذات الديمقراطية الواعدة عن هذه القمة أمر فيه “إنّ”. كان تصريح السفير الأميركي السابق في تونس غوردن غراي صادما للأوساط السياسية والمدنية في تونس، حين قال إن الرئيس جو بايدن يتجه لاستبعاد تونس من القمة الديمقراطية التي يُنتظر عقدها بشكل افتراضي في ديسمبر المقبل. رسالة موجهة إلى الغائب قبل الحاضر رسالة موجهة إلى الغائب قبل الحاضر وزاد غراي الأمر حيرة وتعقيدا حين كتب على صفحته في موقع توتير متسائلا “تشير التقارير الأولية إلى أن حكومة تونس لن تُدعى إلى القمة من أجل الديمقراطية.. ماذا عن استحقاق منظمات المجتمع المدني التونسي؟”. هل أن منظمات المجتمع المدني في تونس لن تتحرك وستبقى مكتوفة الأيدي في حال استشعارها بأن الديمقراطية مهددة أو متراجعة وهي الفطنة دائما والمعروفة بكثافة نشاطاتها منذ عهد الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي بل هي التي قادت الحراك الاجتماعي الذي تكلل بإعلان الرئيس سعيد تجميد البرلمان وحل الحكومة يوم الخامس والعشرين من يوليو؟ الكل يجمع في تونس على أن الديمقراطية مصانة أكثر من أي وقت مضى، وأن ما أقدم عليه الرئيس سعيد يصب في هذا المنحى ويسعى لتجذرها وتصحيح مسارها كي لا تكون واجهة لتلميع الفساد وتبييض الاستبداد. هل فات الإدارة الأميركية أن الديمقراطية الحقيقية ليست تلك التي تعقد لأجلها المؤتمرات العالمية عبر منطق تجميعي وتأليبي كالذي سوف يحصل الشهر القادم، بل هي الالتزام بالدستور والقوانين المدنية.. وقبل ذلك كله، ثقافة تتشربها العقول حتى تصبح قناعات لا تتزحزح.. والدولة التونسية لم تفعل غير ذلك، وبشهادة كل المراقبين في الداخل والخارج إلى درجة أن الرئيس سعيّد يتعرض يوميا إلى التهجم على شخصه من طرف الإسلاميين ولم يحرك دعوى قضائية واحدة ضدهم؟ أما إذا كانت الديمقراطية في نظر إدارة بايدن هي صناديق الاقتراع الشفافة في ظاهرها ثم الإتيان بمن يناقضها في الحكم وإتاحة الفرصة لاستشراء الفساد، فهي عندئذ، تشبه المراكب التي يتم حرقها بعد الوصول. كيف لدولة عظمى تدعي الذود عن القيم الإنسانية الكبرى أن تقبل على نفسها أن تغزو بلدانا تحكمها دكتاتوريات دينية أو عسكرية كما هو الشأن بالنسبة إلى أفغانستان والعراق ثم تنسحب منها لتتركها لمصيرها المفجع وقد بدأت شعوبها بالترحم على ماضيها مهما كان قاتما.     التغييب موقف يعني التجاهل والإقصاء، وحتى العقوبة أو التلويح بها أحيانا، أمّا الاستدعاء فلا يعني - بالضرورة - التكريم والتبجيل.. قد يكون رسالة موجهة إلى الغائب قبل الحاضر. وفق هذا المنطق، لم يبق لإدارة بايدن إلا أن تعلن حكومة طالبان “ديمقراطية ناشئة” إن هي جاءت بصناديق اقتراع وألزمت الناس تحت الوعيد والتهديد (دون النساء طبعا) بعملية انتخابية “شفافة”. إقصاء تونس من “قمة الديمقراطية” هو ضربة توجه في الصميم إلى مفهوم الديمقراطية نفسها، ذلك أن التجربة التي أشادت بها كل ديمقراطيات العالم بمن فيها إدارة الرئيس باراك أوباما وقتها تحاصر عبر هذه القمة الإقصائية لإتاحة الفرصة للقوى الإخوانية ومن تحالف معها من فاسدين لرفع الصوت بالمظلومية وادعاء التهميش والتغييب. مثل هذه الانتقائية غير البريئة من شأنها أن تدق آخر مسمار في نعش الديمقراطية لأنها تمنع من أن تجعل الديمقراطية سلوكا وثقافة ينشآن في بيئة صحية وينموان بالتدرج، وتمكّن بالمقابل، قوى التطرف والفساد من احتلال الواجهة، لا لشيء، وإنما لأنها قدمت عن طريق صناديق الاقتراع. هكذا تصبح الديمقراطية وفق منطق بايدن، محفلا أو ناديا مغلقا يَختار له أعضاءه بحسب مقاييس ليست ديمقراطية، وإنما خدمة لمصالح معروفة. أن تعطي الضوء الأخضر للقوى المعادية للديمقراطية والتنمية البشرية التي تلازمها ثم تطلب من المعني بالأمر أن يكون “ديمقراطيا” هو أمر يشبه القول المأثور “ألقاه في اليمّ مكتوفا ثم قال له إياك.. إياك أن تبتل بالماء”. حكيم مرزوقي كاتب تونسي

مشاركة :