من سخريات القدر أن يمر على الكويت منذ إعمارها بعد الغزو العراقي وحتى يومنا هذا 27 عاما، تغيّرت خلالها الموازين، تحوّلت فيها دول غنية وقوية مستقلة ذات سيادة الى دويلات فقيرة تابعة تأتمر بأمر غيرها، ويستمد زعماؤها قوتهم الغاشمة من الأجانب لحماية عروشهم، ولو كان على أنقاض بلدهم وجثث بني جلدتهم. تحوّلت منطقتنا من حال الى حال، سقطت خلالها أنظمة وزعماء، فأُعدم منهم من أعدم، وسُجن منهم من سجن، وهرب منهم من هرب. سنوات عجاف مرت على أمتنا العربية، دمّرت فيها المدن حتى سُوّيت بالأرض، قتل من سكانها الملايين، وشرد عشرات الملايين غيرهم، ما بين نازح ولاجئ ومهاجر، تغيّرت الموازين، وفتحت فيها أبواب الجحيم، تحول لا يقال عنه الا إنه مدمر ومأساوي على العراق وسوريا وليبيا واليمن. هناك مفارقة تدعو الى التأمل بين من دمّر الكويت وبين من دمّر العراق، وبين من عمّر الكويت وبين من سيعمّر العراق، فالدمار الذي حل بالكويت تسبّب فيه العراق الشقيق، أما الدمار الذي انصبّ على رأس العراقيين فسببه صدام، ومن بعده جاء البعض الذين لم يهتموا ببلدهم، وانتشرت حرب الميليشيات التي لا يقال عنها الا أنها منهجية مقصودة، فهم من دمّروا المساجد والمدن والقرى على رؤوس ساكنيها، وهم من أجبروا سكانها على النزوح في غضون محاربة «داعش»، وعندما أعلن عن القضاء على هذا التنظيم نسمع عن منع بعض النازحين من العودة الى مدنهم بهدف استكمال الفرز السكاني كما قيل. تمت إعادة اعمار الكويت المثخنة بالجراح النفسية والمادية بعد تحريرها مباشرة من دون مؤتمرات استجداء ولا طلب لمساعدات خارجية، فقد كان التمويل ذاتيا من تسييل أصول الاستثمارات التي كانت مدخرات الرصيد الحكيم لأمواله، فأموال الكويت لم تهدر على حبك المؤامرات والحروب العبثية، ولا على شراء ولاءات الأحزاب وأبواق الإعلام، أما العراق الغني، فهو مع احترامنا للعراقيين النزيهين والشرفاء، فهم يطلبون المساعدات لإعمار ما دمرته أيدي الموالين لغير بلدهم. خطة اعمار العراق تمت عن طريق الكويت بمبادرة إنسانية من سمو الأمير بعقده مؤتمر استقطب جمعيات وحكومات عربية وأجنبية، من شتى أقطار الأرض. نقول ونحن على يقين من ذلك، انه لو قام الحاكم العراقي بما قام به النظام السعودي، فاسترجع من جميع المسؤولين الذين أثروا بين ليلة وضحاها المليارات المنهوبة، لكفّت العراق إعادة اعماره حجرا حجرا، ولو صرفت المليارات الأخرى التي جمعت من سنة وشيعة العراق باسم الزكوات والصدقات لكفّت العراقيين ولأخرجت بلدهم من عنق الأزمة المالية، وللحق بأشقائه من دول الخليج العربي تنمية وطيب عيش. طلال عبدالكريم العرب talalalarab@yahoo.com
مشاركة :