دمشق - تمكن الجيش السوري من السيطرة على أكثر من 25 في المئة من الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق بعد تقدمه على جبهات عدة في مواجهة فصائل المعارضة التي اتهمت النظام باعتماد سياسة “الأرض المحروقة”. ودفع التقدم والقصف الجوي العنيف المئات من المدنيين إلى النزوح باتجاه مناطق سيطرة الفصائل، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وشهود عيان. ويعكس تقدم الجيش السوري المدعوم بميليشيات إيرانية في الغوطة الشرقية عجز المنظومة الدولية، التي اكتفت بقرار أممي أقل ما يقال عنه إنه “فضفاض”، وبدعوات إلى وقف النار لا تجد لها أي صدى سواء كان لدى دمشق أو لدى حليفتيها موسكو وطهران. وكانت آخر هذه الدعوات تلك التي صدرت الأحد عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني، حيث طالبه بالضغط على دمشق لوقف هجومها في الغوطة والسماح بوصول المساعدات، الأمر الذي يطرح، وفق ناشط سوري، تساؤلا أقرب إلى السخرية؛ هل أن ماكرون لا يعلم بأن طهران أكثر المتحمسين للحسم العسكري في سوريا؟ ومنذ 18 فبراير الماضي، بدأ الجيش السوري حملة قصف عنيف على الغوطة الشرقية، آخر أبرز معاقل المعارضة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 650 مدنيا وإصابة أكثر من 3600 آخرين بجروح، وفق حصيلة للمرصد. وتعد الغوطة الشرقية إحدى بوابات دمشق، وطالما شكلت هدفا للجيش السوري الذي يفرض عليها حصارا منذ العام 2013، باعتبارها تعد بالنسبة له ثغرة أمنية خطيرة وجب غلقها. ونتيجة الضغوط الدولية غير النظام السوري من تكتيكه العسكري حيث خفف من القصف الجوي معولا في ذلك على الهجوم البري الذي بدأ يأخذ محى تصاعديا مركزا على الجهتين الشرقية والجنوبية الشرقية. وحقق الجيش تقدما سريعا الأحد، إذ بات يسيطر “على أكثر من 25 في المئة” من الغوطة الشرقية المحاصرة. وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن “قوات النظام تتقدم من الجهة الشرقية ووصلت إلى وسط الغوطة الشرقية، وهي تبعد حاليا حوالي ثلاثة كيلومترات عن دوما” أبرز مدن هذه المنطقة المحاصرة، كما باتت على أطراف بلدتي بيت سوى والأشعري. إيمانويل ماكرون: ندعو طهران إلى ممارسة ضغوط على دمشق لوقف إطلاق النار في الغوطة وأوضح عبدالرحمن أن “التقدم السريع يعود إلى كون العمليات العسكرية تجري بشكل أساسي في مناطق زراعية، فضلا عن التمهيد الجوي العنيف”، مشيرا إلى أن “مستشارين روسا يدعمون العملية”. وتبلغ المساحة التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في الغوطة حوالي مئة كيلومتر مربع وتشكل نحو ثلث المساحة الكلية للغوطة. وفي أول تعليق رسمي للجيش السوري، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري أن “وحدات الجيش تقدمت على أكثر من اتجاه وطهرت العديد من المزارع والبلدات باتجاه حرستا (غرب) ودوما”. وأوضح المصدر أنه خلال اليومين الماضيين، قام الجيش السوري “بتوجيه ضربات بالنار والقوات على مقرات ومناطق وجود الإرهابيين فى الغوطة الشرقية”، مشيرا إلى استعادة السيطرة على بلدات وقرى بينها أوتايا والنشابية وحزرما في شرق وجنوب شرق الغوطة. وذكر قائد في التحالف العسكري الذي يساند الرئيس بشار الأسد إن الأمر يتطلب من القوات الحكومية التقدم بضعة كيلومترات فقط لشطر المنطقة إلى نصفين. ووثق المرصد منذ 25 فبراير مقتل 76 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها و43 مقاتلا من جيش الإسلام، أبرز فصائل الغوطة الشرقية. ويأتي تقدم الجيش السوري تزامنا مع هدنة أعلنتها روسيا، تسري منذ الثلاثاء يوميا بين التاسعة صباحا (07:00 ت غ) والثانية بعد الظهر (12:00 ت غ) ويُفتح خلالها “ممر إنساني” عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرق مدينة دوما لخروج المدنيين. وأوضح عبدالرحمن أن “القصف الجوي يتركز على مناطق تسعى قوات النظام للتقدم فيها مثل بلدتي بيت سوى ومسرابا”، مشيرا إلى أنها “الاستراتيجية ذاتها التي جرى اتبعاها في البلدات الأخرى مثل الشيفونية التي طال الدمار نحو 80 في المئة منها”. وفي بلدة بيت سوى، ذكر شهود عيان أن المئات من الأشخاص من رجال ونساء وأطفال نزحوا من منازلهم. وسار هؤلاء بين ركام الأبنية في الشوارع، واستقل بعضهم دراجات نارية، ومنهم من وضع حاجياته على شاحنات، في حين لم يجد آخرون سوى عربات لنقل حاجياتهم. وقال أبوخليل (35 عاما) الذي فرّ من بيت سوى مع عائلته “الناس جميعا في الطرق كأنه يوم الحشر”. وكان يحمل طفلته المصابة في وجهها وقد ملأه الغبار الناتج من قصف استهدف مبنى كان يأوي 14 فردا من عائلته. وأضاف “أنقذنا الله من تحت الردم، وأخرجنا الدفاع المدني (…) هناك عائلات كثيرة بقيت تحت الردم”. وأعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها من حدوث كارثة إنسانية، خاصة وأن قوافل الإغاثة لا تستطيع حتى الآن الدخول إلى المنطقة جراء القصف. وكان من المقرر أن تصل الأحد قافلة تضم نحو 40 شاحنة محملة بالمساعدات إلى بلدة دومة، لكنه تم تأجيل ذلك إلى اليوم الاثنين، بحسب المنظمة الأممية.
مشاركة :