المرأة العربية.. متألقة في التعليم غائبة عن صنع القرار

  • 3/6/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قضية تمكين المرأة عموما، والمرأة العربية منها على وجه التحديد، لا تطرح إلا بوجهيها المتكاملين: ثقافة المرأة وتعليمها، ثم إشراكها في المساهمة في صنع القرار أو المساهمة في الشأن العام. هنا تصبح المسألة أقرب إلى المعادلة التي لا تتحقق في غياب أحد أركانها. الملاحظ عربيّا في هذا الشأن أن الفتاة العربية، ومنذ سنوات طويلة، أصبحت تحقق نتائج مبهرة على صعيد التحصيل العلمي أو النتائج المدرسية، متفوّقة في ذلك على زميلها ونظيرها. تفوّق دراسي وتعليمي يقوم على تصدّر الفتيات العربيات للمراتب الأولى في النتائج المدرسية، وعلى اقتحام المرأة لاختصاصات كانت تعتبر حكرا على الرجال، وحتى على صعيد تحوّلها إلى مربية ومعلمة ناجحة. لكنّ مياها كثيرة تجري بعد حصول الفتاة العربية على أفضل النتائج الدراسية، لتحول دون تحويل ذلك التحصيل العلمي والشهادات الدراسية إلى مشاركة فعلية في صنع القرار. الذهنيات التي كانت تحول دون تعلم المرأة، من منطلقات دينية وثقافية واجتماعية كثيرة، هي نفسها التي مازالت تقف حائلا أمام ترجمة المرأة لنجاحاتها التعليمية إلى نجاحات سياسية أو اقتصادية أو حقوقية أو غيرها. إلى درجة أن تقلّد امرأة لمنصب وزيرة أو مسؤولة في مؤسسة يعدّ حدثا يثير الابتهاج لدى المساندين، والسخرية لدى المعارضين، وهم كُثر. والابتهاج أو السخرية مؤشر على الندرة فضلا عن كونه تعبيرا على موقف من الحدث. الواضح أن تمكين المرأة ليست قضية من قبيل الترف الفكري، أو شعارا للاستعراض السياسي، بل هو مشغل من صميم مسائل الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان. إذ أن قياس سلامة المجتمعات يتحدّد وفق مؤشرات عديدة في صدارتها استفادة تلك المجتمعات من مواردها البشرية ومن كفاءاتها وتشريكها في عملية صنع القرار. المسافة بين التألق في التعليم والغياب عن مراكز القرار توحي بأن المسألة ليست مؤقتة أو طارئة بل هي عائدة إلى دواع عميقة ومترسبة، تتضافر فيها الأبعاد الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية ولا شك أن المرأة التي تميزت، مثلما أسلفنا الذكر في المجالات التعليمية، تحتاج إلى تثمين تلك النجاحات والاستفادة من تلك الخبرات والقدرات، ولا شك أيضا أن المساواة وعدم التمييز يقتضيان إيفاء المرأة حقها في أن تساهم في الشأن العام، في مواقع القرار بمختلف تمثّلاتها السياسية والاقتصادية والحقوقية وغيرها. الملاحظ اليوم أن المرأة العربية غائبة عن مراكز صنع القرار، سواء في السلطة، أو في المعارضة أو في المجتمع المدني أو في المؤسسات الاقتصادية (الحكومية أو الخاصة)، وهذا الغياب أو الحضور المحتشم، يضرب أولا شعارات المساواة والتمكين في مقتل ويحوّلها إلى حبر على ورق، ويبدّد ثانيا كل المجهود الذي تبذله المرأة والمجموعة الوطنية في تأهيل المرأة وتعليمها، ويحرم الدول من الاستفادة من تلك الكفاءات النسوية الكثيرة، ويحوّلها إلى فرص مهدورة، ويوفّر ثالثا مثالا غير محفز للأجيال النسوية القادمة عند الاطلاع على مآل أسلافهن من الكفاءات التي وضعت على رف الأحكام الاجتماعية. الأكيد أن تمكين المرأة أصبح مبحثا عالميا ولا يقتصر على الفضاء العربي، حيث يسود العام اليوم إيمان وإجماع كبيرين بأن تمكين المرأة اقتصاديا أصبح معطى أساسيا في طريق تحقيق التنمية المستدامة، وأن المواصلة في تبديد الموارد البشرية النسوية هو إهدار لطاقات كبيرة وخسارة فادحة على الدول المسارعة على تلافيها. ويكفي الاطلاع على حضور المرأة العربية في مواقع القرار لتبين البون الشاسع بين التميز الدراسي والتأخر في التمكين. ولا يقتصر الغياب على المراكز السياسية الرسمية، بل يطال منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة، التي يندر أن نجد فيها قيادات نسوية وهو ما يتناقض مع الشعارات التي ترفعها والمتعلقة بضرورة النضال من أجل المساواة ورفع التمييز. المسافة بين التألق في التعليم والغياب عن مراكز القرار توحي بأن المسألة ليست مؤقتة أو طارئة بل هي عائدة إلى دواع عميقة ومترسبة، تتضافر فيها الأبعاد الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وهي ما يجعل من تعزيز الدور القيادي للمرأة أولوية ملحة تنفتح على قضايا خطيرة ومهمة من قبيل أنها تؤثر مباشرة على عملية التحول الديمقراطي والمواطنة وحقوق الإنسان، لأن هذه المفاهيم تتحول إلى مجرد شعارات جوفاء في غياب الحضور الفاعل للمرأة. وفي هذا الصدد يشار إلى أن مخارج الكوتا أو شروط التمثيل الأدنى للمرأة في الانتخابات، التي توصلت إليها بعض الأقطار العربية، مثل تونس، ولئن عُدّت حافزا لتعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات، إلا أنها أيضا تمثّل نوعا من التغاضي عن بحث الحلول الجذرية لتكريس حضور المرأة في مواقع صنع القرار. والمسألة تحتاج ضرورة إلى نشر الثقافة الديمقراطية وعدم التمييز وإشاعة الحق في الاختلاف والتعددية.

مشاركة :