اسمع قصّتي.. أسمَع قصتك

  • 9/16/2013
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تأملات الإثنين كل منا قصة.. وكل منا يصلح رواية، ملحمة، قصيدة شعر، لحناً فالتاً بين السماء والأرض. عشتُ طيلة حياتي، أقرأ القصص، وأتبعها، وأتتبعها، ووجدتُ نفسي في النهاية لاقطاً للقصص، والقصصُ تختلط في نسغ عروقي من الدماغ للقدم جعلتني أروي، وأحب أن أروي ما قرأت ما سمعت، وما توارد إلي. لم تبقَ أمّة تكتب قصص أفرادها وتنشرها وتنتشر لم أقرأها تقريبا، من قصة جلجامش بحضارات ما بين النهرين، وقصص أساطير الإغريق، والهند والصين، وشمال أوروبا من ليتوانيا حتى قصة بحّار تعس عاش في قرية منسية غافية على الساحل في البرتغال، وقرأت قصص العشق من الفراعنة وحضارة النوبة، وعذريات العرب، وعذوبة القصص الفارسية والهندية، تراجيديا القصص اليابانية والصينية، ويباس القصص في جبال وسط آسيا من الأفغان للشيشان، وقصص أمريكا، وقصص حضارات الأزتيك والمايا، وقصة عشق أسطورية قرأتها مرات ومرات بين فتاة أزتيكية ومستعمر شاب إسباني، ومنها اُستُمدَّت واحدةٌ من أكبر قصص استيطان الغرب للأمريكتين، قصة البنت بوكاهانتاس. كلهم أفراد من أول التأريخ لهذه الساعة التي نتأرجح بوجودها. لما طلب مني الأصدقاءُ في مجلة باريس نجد، كتابة شيء من مذكراتي تصورت لو أني عصرتها لما خرج إلا سطرٌ أو سطران.. ثم خرجتْ بالتتابع أربع عشرة حلقة، نشرتُ منها أربعا، وكعادتي، توقفت عن الباقي، وزعل علي الإخوة في المجلة. وجدت الناس يحبون أن يقرأوا قصص الناس.. لذا من أكثر الكتب رواجاً هي كتب المذكرات الشخصية. بدأتُ كتابة مذكراتي بعنوان يوم احتفل الأمريكانُ بيوم ميلادي، وكانت استدعاءً من يوم ولادتي، فأنا ولدتُ في الرابع من شهر يوليو، وهو عيد الاستقلال الأمريكي ووضعتني أمي قبل ميعاد مولدي بشهر، وخافوا علي ألا أعيش بمستشفى أرامكو بالظهران، ووضعوني في حاضنة واجتزتها، بدليل وجودي معكم الآن. هاتفَتْ أمي وكانت مراهقةً صغيرة والدتها في الكويت، وقالت لها: يمّه الأمريكان قاعدين يحتفلون فرحانين بنجاة ولدي... ولم تنقل أمي مشاهداتٍ خاطئة، فكانت الأعلامُ الأمريكية تملأ المكان والبالونات الزرقاء والحمراء والأشرطة الموزعة على الأسقف والجدران.. على أنه مع الأسف لم يكن الأمريكان يحتفلون بيوم مولدي، إنما.. بعيد استقلالهم! الغريب، وأنا كنت أظن أن المعلومات ستكون قطرات، إذا بسدِّ الذاكرة ينهمر، وتأتي الأحداث التي مضت من حياتي كالسيل حتى أني بالكاد التقط نفسي لأتابع الكتابة. كما ترون نحن قصص، وليست قصصنا عبثا، فمثلاً خرجت أسماءٌ قديمة من أيامي الأولى من الحضانة إلى الابتدائية، ثم رحت في رحلة بحث عنهم، بدأتُ بـ مس جمال وهي لبنانية عاشت في أمريكا، ووجدت أنها توفيت وأخبرتني ابنتها، وكانت صورة من أمِّها، ثم أخبرتني ما حدث لجدتها، ساعات وهي تروي وزوجها، قصة جعلتني جامدا صامتا طيلة الوقت. ثم بحثت عن معلم لا أنساه، من بيت آل البنعلي، ثم وجدت أنه توفِّيَ في قطر، وعرفت قصته من صديق طفولتي حسن البنعلي.. ملحمة أخرى. ثم زميل صفي في الابتدائية ناصر البيشي، ووجدت أنه مع الأسف غرق مع ولديه في سيل بالجنوب ــ يرحمهم الله ــ وأصحاب آخرون يملأون الآن حياة التجارة ومناصب الدولة ولكل منهم قصة يرويها.. هذه فقط فائدة واحدة، وكأن قصصنا لو ذهبنا في رحلة ذهنية استعادية هي أيضا عبرٌ لنا، وتحسّن من حاضرنا وتفيدنا، وتفتح لنا آفاقا ما كنا نعتقد يوما أننا إليها سنشد الرحال. كان لأبي جلسة أسبوعية يجتمع فيها العمال وموظفو أرامكو ومثقفو الضاحية التي كنا فيها، وأمريكان، وسعوديون من جميع الطوائف والمناطق، كانت مدرستي الأولى لاستيعاب وهضم والتولع بالقصص الحقيقية لأناس حقيقيين، وعرفت الكثير، عرفت طبوغرافية المناطق التقليدية من سماعها فتولعت بالجغرافيا والتضاريس وعلم الطقس، وتولعت بالتاريخ الأنثروبولوجي، والجيولوجيا، والكيمياء، واستخراج النفط، والثورات، ومدارس الفكر.. من ذلك المجلس فقط، وأنا في الابتدائية. لم نعد نجلس مع بعضنا ونتبادل قصصنا. ليت مجموعة، أو مجموعات شبابية تشكل عملا مدنيا اجتماعيا بعنوان، اسمع قصتي.. وقل لي قصتك أعتقد الكثير سيحدث أكثر مما نتوقع. القصة الشخصية تربط ماضينا بفرص مستقبلنا.

مشاركة :