عيسى الحربي- سبق- الرياض: فيما كشفت هيئة مكافحة الفساد نزاهة عن مشكلات كبيرة وعميقة تواجهها في تنفيذ مهامها واستخدام صلاحياتها على أرض الواقع، مطالبةً بمزيد من الدعم والمساندة من الجهات المختلفة، فاجأها أعضاء في مجلس الشورى الأسبوع الماضي بأن استراتيجيتها في أداء عملها لم تكن مكتملة، وأنها تجاهلت بعض المهام التي كان ينبغي القيام بها منذ بدء تأسيسها قبل نحو أربعة أعوام؛ ما أضاع على الدولة فائدة كبيرة، كان يفترض أن تجنيها من وراء تأسيس هيئة تعنى بمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين. ونجح تقرير نزاهة السنوي للعام 1434 ـ 1435هـ، الذي قدمته لمجلس الشورى قبل أيام، في كشف واقع هيئة مكافحة الفساد، وما لها وما عليها، منذ كلفها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بأن تلاحق الفساد في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام. وجاءت انتقادات عدة، وجهتها لجنة حقوق الإنسان والعرائض في مجلس الشورى لـنزاهة؛ لتظهر واقعها وصورتها بوضوح في المجتمع السعودي ؛ إذ ألمحت اللجنة إلى أننزاهة لم تقم بالدور المطلوب منها كاملاً، وأنها أخطأت الطريق عندما لم تلتزم بالأسس والثوابت التي نص عليها مرسوم تأسيسها. يضاف إلى ذلك وقوعها في تناقض واضح؛ يبعث على الاندهاش والتساؤل في آن. عرقلة الأداء وأقرت نزاهة في تقريرها بوجود عدد كبير من المشكلات التي تعرقل أداء عملها، وكأنها تنبه من يهمه الأمر إلى أن الفساد سيحتفظ بدرجة انتشاره وتوغله في الدوائر الحكومية إذا لم تبادر الجهات المعنية بالتجاوب معها، وإيجاد حلول لتلك المشكلات والعراقيل. وتقول هيئة مكافحة الفساد إنها تعاني جملة من المشكلات التي أوجزتها في عدم اكتمال هيكلها التنظيمي، وعدم البت في قضايا الفساد بالسرعة المطلوبة، وعدم صدور اللوائح التنفيذية كلائحة الإبلاغ عن حالات فساد وقواعد حماية النزاهة، ومنح المكافآت للمبلغين لتشجيعهم على كشف مزيد من قضايا الفساد في المال العام، وعدم إقرار القسم الوظيفي لبعض مسؤولي الدولة، وأخيراً وليس آخراً عدم تجاوب كثير من الجهات الحكومية في الرد على استفسارات الهيئة وملحوظاتها، وتزويدها بالمعلومات خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ إبلاغها. استراتيجية لم تكتمل في المقابل، رأت لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى، التي ناقشت تقرير نزاهة، أن الأخيرة لم تُكمل استراتيجية عملها المناطة بها، وأنها تجاهلت أموراً مهمة وأساسية في عملها، كان يفترض الاهتمام بها من أول يوم باشرت فيه الهيئة عملها. وأول هذه الأمور عدم الاهتمام بإنشاء قاعدة معلومات وطنية، تحوي المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بقضايا الفساد وأنواعها، وعدم قيامها باتخاذ أي إجراءات تعمل على استرداد المال العام الضائع وعائداته، والعمل على تحسين صورة السعودية كدولة تحارب الفساد، ونشر أحكام قضايا الفساد، لتعزيز هيبة الدولة في نظر أفراد المجتمع. وطالب أعضاء في الشورى نزاهة بأن تحدد آلية تعاطيها لقضايا الفساد، ومعايير هذه الآلية، من باب نشر ثقافة محاربة الفساد في المجتمع. استثمار الصلاحيات ويلمح أعضاء الشورى إلى أن نزاهة لم تستثمر الصلاحيات الممنوحة لها في المرسوم الملكي لتأسيسها قبل أربع سنوات، ولضرورة أن تفرض هيمنتها الرقابية على كل مؤسسات الدولة ومشاريعها كافة، وجميع المسؤولين كائناً من كان بحسب نص المرسوم، الذي شدد أيضاً على أهمية أن تتعاون الجهات الحكومية مع نزاهة، وتوفر لها ما تحتاج إليه من معلومات وملفات، تكشف جرائم فساد في المال العام؛ إذ يرى أعضاء الشورى أن نزاهة لم تستغل الصلاحيات التي منحها لها المرسوم الملكي، وتسعى بعد أربع سنوات لترسيخ هذه الصلاحيات على أرض الواقع، واكتسابها من جديد، بعد ن تركتها طوعاً. معايير دقيقة ويوضح أعضاء الشورى أن الدور الأساسي لـنزاهة لم يكن له وجود طيلة السنوات الماضية، ويتركز هذا الدور في وقف الفساد في المال العام، بأساليب محكمة ومعايير دقيقة، تساهم في الصعود بمرتبة السعودية دولياً في مصاف الدول المكافحة للفساد، والعمل على تتبع حركة المال العام المهدور أو المنهوب، والعمل على إعادته إلى خزينة الدولة، وتوعية المجتمع بتعزيز ثقافة النزاهة، وإعلان آلية اكتشاف عمليات الفساد، وضرورة الإبلاغ عنها، دفاعاً عن المال العام، وحقوق المواطن فيه، وهو ما لم تقره نزاهة في التقرير صراحة، مكتفية بتحديد مطالب ليس لها علاقة بتحقيق هذه الأساسيات، مثل تفعيل القسم بالنسبة لبعض موظفي الدولة، وسرعة الحكم في قضايا الفساد، وإقرار لوائح تعزز صلاحيات موظفي الهيئة في تعاملهم مع المؤسسات والشركات الحكومية. استفزاز وتساؤل ويبدو أن تلميح نزاهة بأنها نجحت في إثبات وجودها في المجتمع السعودي، وتأكيدها بأنها فرضت حضورها في أذهان أفراد المجتمع من مسؤولين ومواطنين، استفز أعضاء مجلس الشورى، الذين رأوا أن ثمة تناقضاً بين ما أشارت إليه نزاهة وشكوتها القديمة الجديدة بعدم استجابة الجهات الحكومية لها في توفير المعلومات المطلوبة، وأكدوا أن تقرير نزاهة يناقض نفسه بشكل واضح عندما أكد في موضع آخر أن الجهات الحكومية لا تستشعر جدية الدولة في محاربة الفساد، وملاحقة الفاسدين؛ ولذلك لا تبدي التعاون المطلوب معها. وقف الفساد ويشدد المنتقدون على أن تاريخ نزاهة كان خالياً من أي برامج وفعاليات تحد من هدر المال العام، وقالوا إن الهيئة نصبت نفسها محققاً في قضايا الفساد، ويوجه التهم، ويرفع ملفات الفساد للمحاكم حتى يحكم فيها القضاة، ونسيت الهيئة أن تتواصل مع الجهات المعنية، ويصلون معاً إلى آلية وأنظمة وقوانين، تحد من هدر المال العام، وتوقف النزيف عن طريق تفعيل برامج المراجعة الداخلية، أو شفافية المناقصات الحكومية، وإعلان نتائجها وأسباب ترسيتها على الملأ، وحق الجميع في التظلم من هذه الترسية، وغير ذلك من البرامج. ويرى هؤلاء أن نزاهة فشلت طيلة أربعة أعوام في وقف الهدر، رغم عدد القضايا التي تولت التحقيق فيها، وكشفت فيها عن مهدري المال العام، موضحين أن الوظيفة الرئيسية للمؤسسات الرسمية العاملة في حماية الأموال العامة في بلاد العالم هي الوصول إلى طرق لوقف الهدر نهائياً، وليس القبض على الجناة، وتقديمهم للمحاسبة القضائية فقط.
مشاركة :