«خذوا الحكمة من أفواه المجانين» لا أدري مدى مصداقية هذه العبارة. لكن أنا متأكد من عدم مصداقية بعض العبارات الرّنانة التي يصدرها بين الحين والحين بعض المتحذلقين (المحبين للأضواء) بغرض إحداث فرقعة إعلامية تجذب إليهم الأنظار كالعبارة التي تقول: «سينتهي عصر البترول قبل أن ينتهي البترول، كما انتهى العصر الحجري قبل ان ينتهي الحجر». هل يتكرم أحدكم فيفسر لنا ما هو المقصود بهذه العبارة ومن هو قائلها وفي أي مناسبة قيلت؟ لن أجهد تفكيركم فأنا سأجاوب على الجزء الصعب من السؤال وهو المقصود بالعبارة وأترك للمهتمين البحث عن الجزء السهل من السؤال وهو من هو القائل وفي أي مناسبة قيلت. العبارة تعني أن الذهب الأسود (بترول حقل الغوار) سيأتي يوم قريب تحرّج فيه ارامكو على بترولها ولا تجد من يشتريه لأن العالم سيكتشف قريبا بدائل أفضل من البترول فيستغني عنه في جميع استعمالاته سواء كوقود أو كمواد خام فيبقى بترول الغوار تحت الأرض بلا جدوى. لقد مضى على العبارة عقد ونصف (15 سنة) من الزمن، ففي عام 2000 تنبأ قائل العبارة بأنه بعد خمس سنوات (أي عام 2005) ستنهار أسعار البترول الى الحضيض ولن تقوم لها قائمة. ثم بعد ثلاثين سنة (أي عام 2030) لن يجد البترول من يشتريه. لكن الذي حدث بعد خمس سنوات من التصريح هو العكس فبدلاً من أن ينهار سعر البترول كما تقول النبوءة قفز سعر البرميل الى 62.8 دولارا ثم أخذ يتصاعد الى أن تجاوز المئة دولار وبقي لمدة أربع سنوات متوالية حوالي 110 دولارات للبرميل. ثم حدث مؤخرا ارتفاع مفاجئ لسعر صرف الدولار بالنسبة لعملات الدول المستوردة للبترول مما أدى (ضمن عوامل ثانوية أخرى) الى انخفاض الطلب في الوقت الذي زادت بعض دول اوبك إنتاجها لتعويض النقص في إنتاج بعض أعضائها الآخرين من غير أن تحسب حساب انخفاض الطلب بسبب ارتفاع سعر الدولار مما أدى الى تراكم الفوائض في أسواق البترول فانخفضت أسعاره من 115.06 دولارا في 19 يونية (قبل 4 شهور) الى ما بين 80 – 90 دولارا للبرميل الآن. أدى الانخفاض الكبير في أسعار البترول الى انتهاز كوكبة من المغردين في تويتر الفرصة بإحياء النبوءة من سباتها لجذب المتابعين لمواقعهم فغرد بعضهم قائلا: سينتهي عصر البترول قبل أن ينتهي البترول وطالبوا بزيادة إنتاج (استنزاف) البترول قبل أن تتحقق النبوءة على مبدأ بيدي لا بيد عمرو. لا حول ولا قوة إلا بالله ما هذا الهراء الذي يطالبنا باستنزاف مصدر قوتنا الوحيد في الوقت الذي يسعى العالم بكل ما أوتي من علوم وتكنولوجيا للبحث عن قطرة من البترول الرديء (يسمى Dirty Oil) في أصقاع الأرض يعصر رمالها ويكسّر صخورها ويغوص في أعماق محيطاتها ويهاجر إلى صقيع قطبها الشمالي مخاطرا بحياته ومضحيا بسلامة البيئة وتلويث الهواء والماء والنبات والحيوان. لماذا يلجأ الإنسان إلى كل هذه المخاطر معرضا الأرض للفناء إذا كان حقا سيكتشف البديل قريبا وسيستغني عن البترول؟ الجواب الشافي تجدونه في لقاء جريدة الرياض (الملحق الاقتصادي) مع المهندس عثمان الخويطر (النائب السابق لرئيس ارامكو) الأحد 24 أغسطس 2014 (قبل سبعين يوما) بعنوان: «95 % من حقول النفط التقليدي في مرحلة ما بعد الذروة». يا جماعة الخير البترول التقليدي (من نوع بترول الغوار) أصبح عزيزاً يشرف على وداعنا الوداع الأخير والمتبقي لم يعد يسمن ولا يغني من جوع والعالم لا يمكنه أن يعيش بدون الطاقة وأمامه طريق طويل لإيجاد البديل ولا خيار أمامه الآن الا أن يلجأ للبترول المدمّر إلى أن يخلق الله مالا تعلمون. موضوع زاوية الأحد القادم – إن شاء الله – بعنوان: «تعويض انخفاض سعر البترول ارتفاع سعر الدولار».
مشاركة :