شهدت السنوات الأخيرة عودة كثير من النجوم الكبار ممن كانوا قد أعلنوا اعتزالهم، إلا أن الأعمال التي عادوا بها لم تحقق النجاح المنتظر منها، بل إنها أثارت ضدهم كثيرا من الانتقادات. السبب الرئيس أن هؤلاء المخضرمين عادوا وفي أذهانهم صورة غابرة عن مجد قديم. والجمهور، بدوره، لم يقدّر الفوارق الزمنية، وتطلّع إلى تلك الصورة القادمة مما يسمى بـ”الزمن الجميل”. قدم البعض أدوارا لم تتناسب مع تجاعيد وجوههم التي بدت واضحة رغم عمليات الشد. ووجد غيرهم ضالتهم في تقديم البرامج وآخرون في الإعلانات التجارية. ورغم هذا الحضور المكثف والعمر الفني “الكبير” فإن شيئا من بريق الماضي لم يعد مرة أخرى. من غير المنطقي أن تقنعنا امرأة في الستين بأنها شابة في العشرين، ومن غير المستساغ أن يقبل المطرب «الكبير» أن يقدم أغاني حباله الصوتية شاخت على تقديمها. فأيهما أفضل للفنان أن يعود إلى الجمهور بأي عمل أم يحافظ على رصيده الذي كوّنه على مدى سنوات طويلة؟ ليست هناك سن قانونية في الفن، ولا في أي مجال آخر، حتى في الوظائف العمومية، لا علاقة للزمن بالنضج، نحن نكبر من خلال التجارب، كما يقول جورج برنارد شو، و”لا نتوقف عن اللعب لأننا كبرنا، بل نكبر حين نتوقف عن اللعب”. لكن الأديب الأيرلندي الساخر يقول أيضا “يمكن للإنسان أن يصل إلى أعلى القمم، لكن لا يمكنه البقاء هناك طويلا”. ومثلما لكل مقام مقال فإن لكل عمر دورا ولكل مرحلة حظّها. وعليه فالاعتزال التطوّعي فيه مجد للمعتزل وحفاظ على رصيد لا ينضب من حبّ الجماهير التي قد تعزله تماما إن أخطأ الحسبة. لكن، لا غرابة في أن الفنانين الكبار في السن مراهقون في الدراما، ولا غرابة في أن يحكمنا رؤساء في التسعين والثمانين، وننتظر المبدع حتى يموت لنكرمه. ولأنهم من ذلك الماضي، فأبطال مسلسلات السيرة الذاتية دائما ملائكة لا يخطئون. ونعتبر ما كتبه القدماء، حتى في الجنس، موروثا قيما، لكن عندما تعيد فنانة شابة صياغة هذا الموروث القيم يصبح تجاوزا للخطوط الحمراء. منع مؤخرا عرض لوحة كاماسوترا للفنانة التشكيلية خديجة طنانة لأنها تجسد وضعيات جنسية استوحت فكرتها من كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر، للشيخ النفزاوي، الذي تحدد المصادر تاريخ إصداره بين عامي 1410م و1434م. لا غرابة في كل ذلك، إذا كنا مجتمعات تصر على أن الماضي دائما هو الجميل، نقف على أطلاله في أفراحنا وأتراحنا. الخبرة نقيسها بعدد سنوات العمر. و”الكبير” أدرى ويعرف أفضل. نقبل أن تتجوز بنت العشرين عجوزا في السبعين، لكن تقوم القائمة على سيدة في الخمسين إذا تزوجت شابا في الثلاثين، ولا سبب مقنعا للرفض غير أنها “كبيرة” وهو “صغير”. لا بديل عن خبرات الكبار ونصائحهم، لكن أيضا الشباب يحتاج إلى فرصته وأن يعيش حياته وفق ضوابط مرحلته لا مرحلة جده وأبيه. هناك ضرورة للجمع بين الماضي والحاضر من أجل بناء المستقبل. والتقدم مستحيل دون تغيير. وشباب كثير في المجتمعات العربية أثبت أنه قادر على إصلاح ما أفسده بعض “شيوخها” و“عقلائها”.
مشاركة :