محمد عبدالله البريكي فتح لي مشروع الشارقة الثقافي الكبير الذي يرعاه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، مجالاً كبيراً لاكتشاف المدن وجمالها من زاوية مختلفة، ففي كل جولة أحضر فيها أنشطة بيت من بيوت الشعر ضمن مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة، تتجدد الآمال، وتتضح الرؤية، وأرى مستقبل الشعر العربي أكثر إشراقاً، فبعد أن حضرت مؤخراً فعاليات بيت الشعر في الأقصر ضمن أمسياته في معرض القاهرة الدولي للكتاب التي ربما أتوقف عندها في مقال آخر، ها هي نواكشوط فردوسنا العربي المتكئ على أمواج المحيط، والمتناغم مع هديره، والراقص على أنغام البحارة الذين يداعبون موجه، ويروّضون اتساعه، ويعودون إلى الشاطئ وهم يردّدون قصيدة الفرح حاملين بأيديهم وعلى ظهورهم ما جاد به عليهم من رزق وفير، وخير كثير، لعل هذا الغناء يؤجل زحف الأطلسي على تلك الصحراء، ويرمم الشعر علاقة التعايش بينهما. ها هي نواكشوط التي تتنفس الشعر، وتشرب ماء القصيدة تقدم في كل زيارة دهشة مختلفة، وما زلت أتذكر دهشة مهرجان السنة الماضية الذي أتاح لي اكتشاف العديد من الطيور وهي تغرد بنشوة وفرح ودهشة على شجرة مهرجان نواكشوط للشعر العربي في دورته الثانية، ليكون داوود التيجاني أحد الأسماء الكثيرة التي موسقت القصيدة برقة البوح ليشارك هذا الشاعر في مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته السادسة عشرة هذا العام، والذي ينظمه بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة، ولم يخلف بيت الشعر في نواكشوط وعده في اكتشاف طيور جديدة، فقد أصبح هذا البيت حديقة كثيرة الأشجار تغوي فراشات القصيدة، وتجذب عصافير الشعر لتبوح بمواجدها في جنبات بيت أسس للشعر في بلد تخرج من تحت أحجاره القصائد، وينبت الشعراء فيه كالأشجار الشامخة على الطرقات حاملين لواء القصيدة إلى المشاعر، فالشعر يثبت دائماً أنه الجمال الذي يلوّن الحياة بالحب والفرح. مرة أخرى عشت تجربة تستحق المغامرة ومطاردة الغيوم، ثلاثة أيام أخرى من الشعر الخالص كافية بأن يردد عشاق القصيدة كلمة «الله» وهم يستمعون إلى قصائد تعيد للنابغة حضوره، وللمتنبي توهجه، وللمعري فلسفته، ويعلن ديوان العرب عن نفسه، وإن سلمنا بأنه قد ينطفئ، إلا أنه ينهض من جديد مثل طائر رخ ينفض عن جسده الرماد، إنه الشعر العربي الخالد، ومعجزة اللغة، ومفخرة الأمة وهويتها التي لا تهرم مهما تقادم عليها الزمن، فالكلمة العربية تتشظى، وتتوالد، وتنجب بنات جدداً، يخطبها الوجدان، وتسلب لبّ الفرسان، ويتزاحم عليها فكر الإنسان، إنها نواكشوط التي تحتفي بالضيف مثلما تحتفي بالقصيدة، فلا تكاد تحط الرحال إلا وتجد البسمة هي من تصافحك، شعب كلماته مثل نسمة الريف حين يستقبل الضيف، وقد غمرتني السعادة وأنا بصحبة عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، ووفد الشارقة، ونحن نحضر الدورة الثالثة لمهرجان نواكشوط للشعر العربي الذي ينظمه بيت الشعر في نواكشوط والذي أتابع أنشطته بشغف كبير، لكن حضور مهرجانه له مذاق خاص، حيث ألتحم مع جمال الكلمة، وضوء الشعر، وتفاعل الناس مع أنّات الحروف وهي تجلجل بين جنبات بيت الشعر في عرس الشعر الذي يحتفل بزفاف خطّاب القصيدة الذين يتطلعون إلى مطاردة ظباء الحروف، وغزلان المعنى في تلك الصحراء التي تقيم احتفالاتها عند ولادة شاعر يحفظ ماء القصيدة، ويجدّده. hala_2223@hotmail.com
مشاركة :