أكرام لمعي يكتب: الحرف والمعنى

  • 1/31/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما نقول كلمة طريق مثلًا يتداعى إلى ذهننا الطريق العام والطريق الخاص، الطريق ذو الاتجاه الواحد أو الطريق ذو الاتجاهين، الطريق الذى يتسع لحارتين، والطريق الذى يتسع لست حارات أو ثمانية، الطريق المسدود، والطريق المفتوح، والطريق المتدرج لأعلى وعكسه، والطريق إلى الله، والطريق إلى إبليس، والطريق إلى المجد والطريق إلى الهاوية..إلخ عندما نقرأ رواية أو قصة واقعية أو وصفًا لحدث ما.. إلخ نختلف فى فهمه وإدراكه لأن كل شخص منا يفهم من خلال خلفيته الثقافية أو العلمية أو الدينية، لذلك ظهرت نظرية «موت المؤلف» فقد صارت كل هذه الأعمال والكتابات ملكًا للقارئ وليست للكاتب، فالقارئ يفسرها بحسب رؤيته وخلفيته ومستوى ثقافته..... إلخ يقول مؤرخو وعلماء اللغة: أن اللغة جاءت سابقة للعلم والأدب والأديان وقد ظهرت اللغة أولًا بالإشارة بالأيدى والأرجل وتعبيرات الوجه وبالرقص فى الفرح والنجاح والعويل واكتئاب الوجوه فى الحزن والفشل... إلخ ثم ترجمت الأصوات إلى لغات وكانت شفهية لملايين السنين إلى أن تحولت إلى لغات مكتوبة بعد اختراع الكتابة، والتى اختلفت من مكان لآخر ومن حقبة لأخرى، فهناك لغات شفهية ومكتوبة ماتت، وهناك لغات ما زالت حية. المهم بدخول الأديان إلى عالم الإنسان ظهرت الكلمات المقدسة وهنا صرنا نعتقد بإيمان جازم وجماعى أن ما نستخدمه من مفردات وكلمات سوف يقودنا إلى «الحقيقة المطلقة» ويخلصنا من الجهل وما يتبعه أو تبعاته فالعلم «نور» والجهل «ظلام» وبالطبع أيضًا هذه الصفات تحتاج لوقفة فما أعتبره أنا نورًا يعتبره غيرى ظلامًا، والعكس صحيح، لكن بسبب اعتقادنا أن العلم الذى نعتبره نحن نورًا نؤكده بأكبر كم من المراجع الضخمة والمخطوطات والأبحاث والنظريات لعلها تنير لنا الطريق الذى نسير فيه، وهكذا المراجع الضخمة والكتب الكبيرة تعطى انطباعًا بأن ما بين دفتيها ذو فائدة عظيمة ونفع جلل وإلا لما بذل مؤلفوها كل هذا العناء والجهد فى كتابتها وإخراجها ونشرها ولما تبنتها أجهزة ضخمة. يتفق فلاسفة اللغة ومنظروها على أن الصوت - كما هو معروف - لا يُبين اللون، والعكس صحيح، فاللون لا يُبين الصوت، وطبقًا لهذه الحقيقة اللغوية العلمية الواقعية يعقبون قائلين «كيف للحرف أن يُبين المعنى والحقيقة» حيث إن العلاقة بين الحرف والحقيقة علاقة عكسية وليست طردية، كما نظن فنكثر الكلام لنشرح الحقيقة، فالمعنى تسجنه الحروف وتحده فى مجرد كلمات يقول النفري: «كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة» أى أن الإنسان الذى لديه رؤيا يصعب عليه بشدة أن يعبر عنها بالكلمات فيعيشها بحياته وسلوكه، وهنا تكون حياته أكبر وأوسع من أى كلمات تقال عنه أو تصفه سواء من تلاميذه أو تابعيه، وهم يفسرونه ويقدمونه للآخرين والعالم من خلال كلماتهم ونظرياتهم، فأصحاب الرؤى بحياتهم وتصرفاتهم وأخلاقهم وكلماتهم كانوا أكبر من كل كلمات الذين تبعوهم وعبروا عنهم، يقول جاك لاكان «إن الحقيقة تتوارى عن اللغة التى تعبر عنها» فاللغة تحد الحقيقة فى حروف وكلمات وبسبب تلك المعضلة بالتحديد أشار إيريك فروم فى كتابه الضخم «الإنسان بين الجوهر والمظهر» إلى ضرورة التمييز فى علاقة الإنسان مع العلم سواء كان علميًا أو دينيًا إلى ضرورة أن يميز بين الكينونة وتملكه لها أى بين. الفكرة فى ذاتها وكيانها وبين فهمه هو لها وتعبيره الإنسانى عنها ووهمه أن تعبيره الإنسانى هو الفكرة ذاتها بدون نقص أو زيادة. والسؤال إلى متى نعتبر أن تفسيرنا للكتب المقدسة مقدسًا وهو يساوى ويعبر بصورة كاملة عن النص المقدس ونحتقر ونحارب ونقتل من يختلف معنا فى التفسير؟ لماذا نعتبر تفسيرنا مساويًا للحرف الإلهي؟ هل ترون ياسادة المأزق الذى وضعنا أنفسنا فيه مع الله؟ هل نعى هذا؟

مشاركة :