ظللت أحتفظ وأتمسك باسم "الصحفي الحزين" الذي أطلقه عليّ المفكر الراحل الدكتور عبدالقادر طاش في التسعينيات، حتى قامت ثورة يناير في بلادي فآثرت التخلي عن المُسمَّى، قبل أن أعود إليه مرة أخرى الأسبوع الماضي!. لقد رن في رأسي صوت المسلمة البوسنية منيرة سوباسيتش التي أعلنت الخميس الماضي عثورها على قطعتين فقط من رفات ابنها الذي قتل في سربرنيتشا قبل نحو 18 عامًا.. تقول منيرة وهي تنتحب: قررت دفنهما لأنني لن أعيش عمرين، ولا يمكنني أن أنتظر أكثر من ذلك للعثور على بقية رفات الابن لأدفنه في مقابر المسلمين مع رفات الأب!. لقد أعادني صوت منيرة البوسنوية إلى نفسي قبل أن يعيدني لأي شيء آخر!. كنت في الهند في منتصف الثمانينيات عندما وقعت مذبحة المسلمين في ولاية أسام الواقعة شمال شرق البلاد.. يومها عدت إلى لندن أبكي على حال أمتي وهوانها قبل أن يتم تكليفي بالذهاب لمعسكرات أو مخيمات المسلمين على نهر الجاش.. هناك بين إريتريا والسودان.. وحين كتبت ما كتبت خصني العلامة الراحل الشيخ محمد الغزالي بفصل كامل في سِفره الشهير "الحق المر".. عندها استكنت للتسمية وعشتها وعايشتها وأجدني أحن إليها اليوم وأنا أطالع في الأخبار الواردة ليس من مصر فقط وإنما من أنحاء متفرقة من أمتي الإسلامية والمسلمة التي يرى بعض مدّعي الفكر والثقافة في مصر أنها لم تعد جزءًا منها!. على أن ما يجري للمسلمين الآن في ولاية أراكان وفي عموم دولة بورما يجعل الحزن أمامي كتبًا مصفوفة والشعب لا يقرأ!. وأراكان هي شريط ترابي ضيق على خليج البنغال، وهو همزة الوصل بين آسيا المسلمة والهندوسية من جهة، وآسيا البوذية من جهة أخرى.. وهناك تتم على مرأى ومسمع من العالم المتحضر وبشهادة الأمم المتحدة أكبر وأضخم مأساة لأقلية بشرية على وجه الأرض!!. وفي الفلبين -حيث زرت جنوبها بصحبة الصديق الأعز نور ميسوراي- انهار اتفاق وقف إطلاق النار بين الجيش الفلبيني ومسلمي "مورو" وبقدر ما تألمت لمحنة المسلمين هناك تألمت أكثر لاعتقادي أن ميسوراي مات قبل سنوات، قبل أن اقرأ ما يفيد أنه تحدث هاتفيًا مع نائب الرئيس!. لقد أدى الصراع المحتدم بين الطرفين إلى مقتل نحو 120 ألف شخص، وتشريد مليونين من أبناء الإقليم الذي يسعى للانفصال بقيادة جبهة "مورو الإسلامية للتحرير". ولم نذهب بعيدًا وعلى مرأى البصر أخوة عرب مسلمون فلسطينيون لهم أصهارهم في كل دولة عربية يتعرضون لأكبر محنة منذ عام 1948؟!. ووفقًا لوكالة المساعدات الدولية "أوكسفام" فإن حياة الفلسطينيين الآن هي الأسوا منذ اتفاق أوسلو.. إنها نفس المدة التي أتحدّث هنا عنها وهي العشرون سنة الماضية التي شهدت كمًّا هائلاً من مذابح ومجازر ومحن المسلمين. تقول "أوكسفام": إنه منذ عام 1993 ضاعفت إسرائيل عدد المستوطنين من 260 ألفًا إلى 520 ألفًا، ووسعت المستوطنات لتصل إلى 42% من الأراضي الفلسطينية. بالأمس فقط "16 سبتمبر 2013" مرت ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها السفاح "شارون"، وقناصة إسرائيليون.. المثير في الأمر أن شارون فاعد الوعي منذ عام 2004 أجرى عملية جراحية الأسبوع الماضي "حيث اتضح أنه يتمتع بنشاط دماغي" بينما يموت ضمير العالم كل يوم! فإن قلت مثلي: إن ما يجري في مصر ولمصر وما يجري في تونس ولتونس وما يجري في ليبيا ولليبيا وما جرى ويجري في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي السودان وفي اليمن له علاقة بما يجري على أرض فلسطين قالوا لك: أنت من رواد نظرية المؤامرة.. وسأرد: نعم أنا من روادها إلى أن يثبت العكس.. قلتها قبل عشرين عامًا وأقولها اليوم بثقة ويقين.. وجع في قلب إسرائيل ومن يعمل لصالح إسرائيل. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :