إصلاح أنظمة الدعم الحكومي .. ملجأ اقتصادات الخليج لمواجهة تراجع أسعار النفط

  • 11/4/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حين قالت الحكومة الكويتية في الشهر الماضي، إنها تعتزم رفع الأسعار المحلية لوقود الديزل والغاز، ذهب بعض الكويتيين الغاضبين إلى "تويتر" لشجب هذا القرار واعتبروه ظالما. كتب شخص أطلق على نفسه اسم خالد العنزي أن الزيادة الناتجة في أسعار تذاكر الطيران "ستؤخذ من عملنا الجاد". ربما يواجه المسؤولون في الكويت وبعض بلدان الخليج العربي الأخرى المزيد من الاستياء الشعبي في الأشهر المقبلة، بعد أن عومل المواطنون بدلال خلال العقود الماضية، من خلال أنظمة رعاية اجتماعية سخية من المهد إلى اللحد، تميل بعض البلدان الآن إلى تقليص المنافع، حيث إن التراجع في أسعار النفط يضغط على المالية العامة لهذه البلدان. وتعد إجراءات التقشف صغيرة مقارنة بعشرات مليارات الدولارات من الثورة النفطية، وفي بعض الأحيان لا يبدو أن المسؤولين يتخذون الإجراءات الداعية إلى الاقتصاد في النفقات، لأن المال نفد منهم – كل ما في الأمر أنهم يستخدمون التراجع في أسعار النفط ليكون حجة سياسية تهدف إلى إقناع المواطنين بالحاجة إلى الإصلاحات. لكن حين تؤخذ في مجموعها، فإن إجراءات التقشف ربما تكون أول مجهود جاد من قبل بلدان الخليج العربي الغنية نحو الاقتصاد في النفقات منذ تراجع أسعار النفط في التسعينيات ومن الممكن لهذا أن يؤدي إلى إصلاحات واسعة في المرحلة المقبلة. في الشهر الماضي، صرح درويش البلوشي، وزير المالية العماني، لـ"رويترز"، أن من المتوقع أن تبدأ حكومته في تقليص بعض مبالغ الدعم في السنة المقبلة، وأن التراجع في سعر النفط يجعل الرأي العام أكثر تقبلا للفكرة. وقال، "أعتقد أن الناس سيكونون أكثر تفهما الآن، وأكثر تقبلا. فهم يدركون أن هذه ثروة طبيعية وأنه قد بولغ في استخدامها، وتم إهدارها". وفي الكويت وافقت الحكومة على تقرير من لجنة من وزارة الزراعة والمياه يوصي بتخفيض الدعم الحكومي للديزل والجاز، وهو ما يمكن أن يرفع الأسعار التي يدفعها المستهلكون أكثر من 3 مرات. وفي تصريح لوكالة رويترز في الشهر الماضي، قال أنانثاكريشنان براساد، مدير بعثة صندوق النقد الدولي في الكويت، إنه بعد المحادثات مع السلطات الكويتية لاحظ عزما جديدا على الإصلاح. وقال "بعد فترة طويلة، بدأت أرى بالفعل بعض الإصلاحات في المالية العامة وفي الجوانب الهيكلية، وأن الأمور تتحرك". وأضاف، "أعتقد أن هناك إدراكا بين الحكومة والبرلمان أنه رغم أن نموذج التنمية الحالي باستخدام إيرادات النفط كان ناجحا حتى الآن في تحقيق النمو، إلا أنه غير قابل للاستدامة في المستقبل مع ارتفاع المخاطر العالمية". لكن التراجع في أسعار النفط لم يترك الكويت خالية الوفاض، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنها بحاجة إلى أن يكون سعر برميل النفط 54 دولارا فقط من أجل أن تتوازن ميزانية الدولية، وهو رقم أدنى بكثير من السعر الحالي لخام برنت، البالغ 85 دولارا. لكن الدعم الحكومي، المقدم بالدرجة الأولى للطاقة، يقتطع نحو 5.1 مليار دينار كويتي (17.7 مليار دولار) سنويا، أو ما يعادل تقريبا ربع الإنفاق المتوقع للحكومة الكويتية خلال السنة المالية الحالية. فهم يهدرون النفط إلى جانب المال، وهو ما يزيل أي حافز أمام المستهلكين لتقليص استخدامهم للوقود أو الكهرباء، ويشجع تهريب الوقود إلى البلدان المجاورة. على سبيل المثال، يستطيع الكويتي تعبئة سيارات الدفع الرباعي، التي تستهلك الكثير من البنزين، مقابل 0.24 دولار لكل لتر، وهو ما يعد من أدنى الأسعار في العالم، مقارنة مثلا بمبلغ 2.01 دولار للتر في بريطانيا. تعلم الحكومة أن مبالغ الدعم الحكومي ليس لها معنى من الناحية الاقتصادية، وربما تكون غير قابلة للاستدامة على الأمد الطويل، لكنها كانت تتردد في تقليص الدعم، لأنها كانت تحاول عدم اتخاذ الخطوة غير الشعبية من الناحية السياسية. والآن يبدو أن الحكومة تحسب أن الفترة الحالية من أسعار النفط الضعيفة تعطيها الغطاء السياسي للقرار. في الأسبوع الماضي استشهد أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، بالتراجع في أسعار النفط، حين أخبر البرلمان أنه ينبغي أن يتعاون مع مجلس الوزراء من أجل "حماية نفطنا وثروتنا المالية، التي هي الآن ليست ملككم فقط، وإنما هي أيضا من حق الأجيال المقبلة" حتى الآن لم تعلن الحكومة عن تاريخ رفع أسعار الديزل والغاز، ولكن وكالة كونا تقدر أن إصلاح سعر الديزل سيوفر على الحكومة نحو مليار دولار في السنة. الواقع أن عددا قليلا من الأسر يستخدم كميات كبيرة من الديزل أو الجاز في الكويت، لأن الشركات هي المستهلك الرئيس. فحيث إن متوسط دخل الفرد في الكويت هو 48 ألف دولار، وهو من بين أعلى الدخول في العالم، فإن بمقدور الكويتيين بكل سهولة تحمل الأسعار الأعلى. لكن هناك إصلاحات أخرى في الطريق. قررت الحكومة في أيلول (سبتمبر) تخفيض المصروف الذي يدفع للكويتيين الذين يسافرون إلى العلاج في الخارج، الذي كان في الأصل هو 300 دينار في الكويت مع اثنين من المرافقين، بنسبة 58 في المائة. وفي الشهر الماضي استبعد علي العمير، وزير النفط، زيادة أسعار البنزين وغاز الطبخ في الوقت الحاضر، لكن كان المسؤولون يناقشون رفع تعرفة الكهرباء والماء. يشار إلى أن رفع أسعار المرافق العامة (أي الماء والكهرباء) سوف يوجه ضربة هائلة إلى شعور الاستحقاق الذي يشعر به كثير من المواطنين الكويتيين. حين حاول وزير الكهرباء هذا العام إكراه المستهلكين على دفع فواتيرهم غير المسددة، حيث سمح للناس بدفع نصف ديونهم فورا وتسديد الباقي على أقساط لمدة 18 شهرا، اتهمه أحد أعضاء البرلمان وقال، إن الوزير غير متحضر. قال محمد السقا، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، "بطبيعة الحال الجمهور سوف يقاوم أية محاولة لرفع الأسعار وإلغاء الدعم الحكومي. أنا واثق من أن هذا لن يكون سهلا. لكن لا بد للحكومة من القيام بذلك. إنها عملية جراحية نحتاج إليها". من جانب آخر، تعد الاحتياطيات النفطية في عمان صغيرة بالمقارنة بجيرانها، وإذا استمر سعر النفط عند مستوى 85 دولارا للبرميل، فإن من المتوقع أن تواجه الحكومة عجزا في الميزانية في السنة المقبلة. وبالتالي فهي تواجه ضغطا أكبر من أجل تقليص الدعم الحكومي. وقد امتنع البلوشي عن إعطاء تفاصيل عن نوع الدعم الحكومي الذي سيتم إلغاؤه، لكنه في الماضي قال، إن البنزين هو هدف واضح لذلك. وقال، إن نظام الدعم الحكومي غير عادل لأنه يفيد الأغنياء إلى جانب الفقراء. وهناك بلد آخر يعترك مع الإصلاحات، وهو البحرين. فقد أعلنت سلطة النفط والغاز في كانون الأول (ديسمبر) الماضي أنها ستقوم بالتدريج في رفع أسعار البيع المحلية للديزل، وتصل إلى نحو الضعف بحلول عام 2017، لكن الحكومة لم تنفذ القرار بعد احتجاج أعضاء من البرلمان. وربما يعمل التراجع في سعر النفط الآن على الضغط على الحكومة من أجل إحياء الخطة. حتى الآن لا توجد إشارة واضحة إلى أن السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، تتحرك نحو إصلاح نظام الدعم الحكومي. في أيار (مايو) من السنة السابقة، قال محمد الجاسر، وزير الاقتصاد والتخطيط، أمام مؤتمر في الرياض، إن الحاجة تدعو إلى تقليص مبالغ الدعم الحكومي، لكن لا توجد حتى الآن إشارة على وجود خطط جادة قيد الإعداد. السعودية هي الآن في وسط حملة جهود من أجل إحداث تغييرات واسعة في سوق العمل من أجل إدخال عدد أكبر من المواطنين السعوديين إلى القطاع الخاص، وبالتالي فهي ربما تفضل إكمال هذه الإصلاحات قبل رفع أسعار الطاقة بالنسبة للشركات والأسر. يشار إلى أن الإمارات رفعت أسعار الوقود في عام 2010 بنسبة 26 في المائة، ولكن الأسعار تظل متدنية للغاية بالمعايير الدولية، ولم يتم الإعلان عن خطط جديدة. قال جون سفاكياناكيس، مدير المنطقة في شركة أشمور لإدارة الاستثمارات في الرياض، "إن تقليص الدعم المقدم للطاقة هو موضوع صعب بالنسبة لجميع الاقتصادات الخليجية. لكن على الأمد الطويل سوف يفيد ذلك الاقتصاد الأرحب، على اعتبار أن مبالغ الدعم الحكومي هي تشويه هيكلي للأسعار، وتكلفة على الفرصة على ميزانيات الدولة."

مشاركة :