مع هبوط أسعار النفط، تجد الحكومات صعوبة في التعامل مع أزمة الإصلاح، في الوقت الذي تتحول فيه الفوائض القياسية في دول الخليج إلى نقص قياسي. المسؤولون يقللون من الحاجة إلى التغيير، قائلين "إن الاحتياطيات المالية السليمة، أو الاقتراض قصير الأجل، ستسمح لهذه المنطقة التي تعتمد على النفط بأن تنفق خلال فترة انخفاض أسعار النفط". بلدان الخليج الأكثر ثراء، مثل الإمارات والكويت وقطر، لديها احتياطيات ومدخرات يمكن لبرامج الإنفاق فيها، أن ترتكز عليها. القوة الإقليمية الرئيسية أي السعودية تملك 750 مليار دولار من الاحتياطيات التي راكمتها خلال فترة الازدهار، على الرغم من تضخّم الإنفاق العام أيضا الذي يمثل تحديات اقتصادية ماثلة، مع تراجع أسعار النفط. البحرين وعمان تواجهان خطراً أكبر. ويحذر الاقتصاديون من أن المنطقة ستزداد انزلاقا في حفرة الاعتماد على النفط ما لم تجمع بين ترشيد الإنفاق، وإيجاد تدابير لزيادة الإنتاجية في القطاع الخاص. وحذر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي من أنه "يمكن أن يتبين أن الانخفاض في أسعار النفط سيستمر، فإن معظم البلدان المصدرة للنفط في المنطقة قد تحتاج أيضا إلى ضبط أوضاعها المالية، مع الحقائق الجديدة لسوق النفط العالمية لضمان الحفاظ على استدامة المالية العامة". إن زيادة قدرها أربعة أضعاف في الإنفاق العام الذي كان معتمدا على مسار متصاعد بشكل أساسي لسعر النفط بين 2003-2014، قادت الازدهار الاقتصادي في منطقة الخليج، وتركت الإنفاق الحكومي تحت رحمة الحظوظ الاقتصادية في المنطقة، وفقا لورقة بحثية نشرها بنك HSBC الأسبوع الماضي. مشاريع البنية التحتية المحلية الضخمة تزامنت مع حزمة مساعدات خدمية سخية من الدولة. في تقريره، أبرز HSBC كذلك أنه حتى إذا حامت أسعار النفط حول 60 دولارا للبرميل، فقد يختفي مبلغ 200 مليار دولار من المالية العامة في منطقة الخليج، ما يحول فائض الناتج المحلي الإجمالي البالغ نسبته 6 في المائة إلى عجز بنسبة 7 في المائة خلال عام 2016. وإذا لم تنتعش الأسعار بحلول منتصف العام، يقول HSBC "إن الحكومات ستخفض الإنفاق غير الأساسي والاقتراض، وستبدأ في تصفية الأصول من أجل تمويل العجز المتصاعد – حيث سيكون التعديل أقوى من ذلك في العام المقبل". ويقول آخرون "إن السعر المنخفض لفترة طويلة قد يستثير إصلاح سياسة الدعم الحكومي، الذي تدعو الحاجة إليه منذ فترة طويلة، وترشيد الإنفاق الحكومي، وزيادة تنمية القطاع الخاص". وقال عبد العزيز الياقوت، الشريك الرئيسي في شركة محاماة كويتية ميسان بارتنرز "الجانب المشرق هو إمكانية الحصول على الإصلاح الذي تشتد الحاجة إليه". وأضاف "يمكن للحكومات أن تستخدم هذه الفرصة لتشرح لسكانها أسباب صعوبة التدابير، مثل إنهاء سياسة الإعانات، يجب أن يتم اتخاذها الآن". لدول الخليج خلافاتها السياسية مع إيران، لكنها تشترك معها في تذوق مشترك للخبز الإيراني، الذي يعدّ من المواد الغذائية الرئيسية عبر المنطقة". لذلك عندما دخل الخبازون الإيرانيون العاملون في الجمعيات التعاونية الكويتية في إضراب لمدة خمسة أيام هذا الشهر، تزايد الغضب العام، إذ هدد ذلك برفع السعر فوق ثمانية سنتات أمريكية للرغيف المسطح الرقيق. هذا الإضراب الصناعي، الذي كان قد ثار بسبب زيادات في سعر الغاز الذي يستخدم وقودا في المخابز بعد رفع الدعم عن الوقود، إلا أن القرار انتهى عندما تلقى الخبازون وعدا بالعودة إلى الأسعار المدعومة. انهيار أسعار النفط من منتصف الثمانينيات بشر بفترة من التقشف النسبي في الخليج، في الوقت الذي خفضت فيه الحكومات الإنفاق الرأسمالي على المشاريع وقلصت الإعانات الصناعية. وأشار ستيفن هيرتوج، أستاذ مشارك في كلية لندن للاقتصاد، إلى أن التخفيضات في الإنفاق السعودي خلال تلك الفترة، كانت تعني أن البنية التحتية قد تركت لتعاني التفكك والتراجع، وهي مسألة تمت معالجتها فقط في الطفرة النفطية للقرن الحالي، ولكن الأجور في القطاع العام والسلع الأساسية كانت في معظمها محمية بالدعم. شركة طيران الدولة، على سبيل المثال، قطعت الدعم عن السفر من الدرجة العليا، ولكنها أبقت عليه لتذاكر الدرجة الاقتصادية الرخيصة. ويتوقع هيرتوج أن استراتيجية نقل عبء توليد الإيرادات إلى المشاريع التجارية من المرجح أن يستمر. وقال هيرتوج "إذا حدث إصلاح للدعم، فسيكون ذلك إنجازا إيجابياً". في المنطقة التي يعتبر فيها الحصول على وظيفة يسيراً، ويباع البنزين فيها بأسعار رخيصة، يمثل إقناع المواطنين بلعمل في القطاع الخاص الذي يعتبر أكثر إنتاجية، أولوية لعقود من الزمن. استحدث السعوديون نظاما لتقليص العمالة الوافدة لمصلحة المواطنين، ولكن النتائج كانت مختلطة لتدني مستويات المهارة وتباين الدوافع بين المواطنين، علاوة على إدمان القطاع الخاص تشغيل العمالة الأجنبية الرخيصة. من جهة أخرى، لا يزال القطاع العام متضخماً، ومتزايد التكلفة ودون الفعالية المطلوبة. في السعودية، تضخمت الوظائف الحكومية بنسبة 70 في المائة منذ 2003، وهو ما يُجهِد المالية العامة في النظام، في حين إن النجاح في تعزيز المناخ الاستثماري الأرحب، من خلال التركيز على إصلاح التعليم وقضايا الحوكمة، الذي لم يحقق حتى الآن نتائج كافية. قال سايمون وليامز، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في بنك HSBC "أنت بحاجة إلى إصلاح سقف بيتك حين تكون الشمس مشرقة، كما كانت الحال خلال السنوات العشر الماضية، لكن لم يتم إنجاز كثير من العمل، والآن بدأ المطر يهطل. لكن التحديات عميقة – لم تكن المنطقة أكثر اعتمادا على إيرادات النفط مما هي عليه الآن، ومن الصعب تنفيذ التغييرات بسرعة، حين تكون المشكلات مرتبطة إلى حد كبير بالهياكل الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة".
مشاركة :