لو كان لناقد عربي أن يرصد أهم مئة عمل تلفزيوني عربي على مر تاريخ الانتاج التلفزيوني، فمما لا شك فيه أن القائمة سوف لن تخلو من مسلسل "ليالي الحلمية" بأجزائه الخمسة والذي يعرض حالياً في قناة MBC. العمل الذي أنتج الجزء الأول منه عام 1987 ليستمر حتى نهاية الجزء الخامس والأخير منه عام 1995، يرصد من خلال أجزائه الخمسة حكاية حي الحلمية من عصر الملك فاروق حيث كان حياً تسكنه طبقة الباشوات والطبقة الأرستقراطية في مصر إلى التسعينيات حيث أصبح من الأحياء الشعبية في مصر. ويعد العمل المعادل التلفزيوني لثلاثية نجيب محفوظ حيث نرى بدلاً من أسرة أحمد عبدالجواد التي تعيش حقباً تاريخية مختلفة وتمثل فئات مختلفة من الشعب المصري، عدة أسر بشخصيات تتحول لترينا التحولات والتبدلات التي مر بها المجتمع المصري. وكما أن ليالي الحلمية أيضاً خلدت شخصيات مثل نازك السلحدار "التي كانت أجمل أدوار صفية العمري حتى الآن" وأسرت لفترة من الزمن الممثل صلاح السعدني في دور العمدة بعد أن أدى دور سليمان غانم باقتدار شديد كما تألق أيضاً الممثل يحيى الفخراني في دور سليم البدري "الباشا المزواج الظريف والخبيث أحياناً". وما يميز سيناريو المسلسل حواراته ودراسته العميقة للشخصية. حتى ان المشاهد يشعر دائماً بأن هذه الشخصية حاضرة بكل تفاصيلها الصغيرة. إضافة إلى رصده الدقيق للأحداث التاريخية المختلفة وأثرها على تلك الشخصيات. في هذا المسلسل كانت الأجزاء مبررة ولم تكن دواعيها تجارية أبداً وإنما أملتها الثيمة التي اختارها الكاتب والتطور الطبيعي للشخصيات في ظل الظروف التاريخية والاجتماعية والشخصية التي مروا بها. ورغم أنه من القليل جداً أن تستمر مسلسلات في ذلك الوقت بهذا الامتداد الزمني, لكنها اكتملت لتقدم لنا عملاً من أجمل الأعمال التلفزيونية العربية ولتصمد في وجه التاريخ الذي يعد الاختبار الحقيقي لجودة العمل الفني.