نظّم المسرح الوطني بالعاصمة الجزائرية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين ندوة كرسها للفنان التشكيلي والمصمم والكاتب المسرحي الجزائري الراحل عبدالقادر فرَاح، وبهذه المناسبة تحدث رفقاء فراح أمام عشاق الفن المسرحي ورجالاته عن تجربته المسرحية الغنية التي جعلت منه فنانا له بصمات كثيرة على فرقة شكسبير الملكية البريطانية، التي عمل ضمن طاقمها الفني عدة سنوات ويشهد على ذلك الكاتب المسرحي الشهير بيتر بروك والكاتب المسرحي المصري المعروف ألفرد فرج، وبيتر هول المدير العام لهذه الفرقة وغيرهم كثير. في هذه الندوة الثقافية والفنية الإيجابية قدمت مداخلات تخللتها مناقشات ركزت جوهريا على أهمية الكنوز الفنية التي تركها الفنان فراح وراءه من لوحات تشكيلية، وتصاميم أزياء الممثلين والممثلات، وأقنعة، وأغلفة كتب، إلى جانب نص مسرحي كان قد نشره في الخمسينات من القرن الماضي على صفحات مجلة “الفكر” الفرنسية الشهيرة، فضلا عن مدونات كثيرة أبرز فيها أسلوبه ومنهجيته في ممارسة السينوغرافيا، وقبسات من آرائه النقدية حول مضامين وتقنيات المسرح القديم والمعاصر. والجدير بالذكر هو أن فرَاح قد وظف عناصر من التراث الشعبي الجزائري والعربي الإسلامي في أعماله السينوغرافية توظيفا فريدا من نوعه، الأمر الذي جعله يحصد عدة جوائز بريطانية وكندية وفرنسية ذات قيمة عالمية وذلك بدءا من خمسينات القرن العشرين، وبهذا العمل تمكن فرَاح من إدخال تعديلات ذات طابع خاص على المسرح البريطاني والفرنسي معا وتمثل ذلك في تجاوزه للثنائية المتوازية الفاصلة بين الكوميديا والتراجيديا واستبدل هذه الصيغة التقليدية بالعلاقة العضوية بينهما. رغم توفر الموهبة الكبيرة والكفاءة الفكرية والفنية العالية عند عبدالقادر فرَاح، فإن المساعي الكثيرة التي قام بها من أجل المساهمة في تطوير المسرح الجزائري، والمعمار في البلاد قد باءت بالفشل، وذلك جراء إدارة المسؤولين الجزائريين الظهر له مرارا وتكرارا. وفي هذا الخصوص قال فرَاح “هناك حالة الجزائر أيضا، حيث اتصلت في عام 1987 بوزير الثقافة الجزائري إذ ذاك بوعلام بالسايح وفريقه، علما أنني قمت بعدة اتصالات من قبل ولكن لم أحصد سوى الوعود البراقة، وبسبب ذلك ضيعت شهورا في اختبار تلك الوعود من دون جدوى”. وأوضح فراح أن أحد الأسباب التي تكرس تدهور الوضع الثقافي بالجزائر يعود أساسا إلى غياب التشريعات الثقافية التي تسعى “إلى تطوير وتنمية آليات الثقافة” بل هناك “تجميد، ورقابة، وكبح، وتفتيت للطاقات، وعدم إعطاء الأهمية للأسبقيات الثقافية”.
مشاركة :